القارئ

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 19
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

حسن البقالي

أمامي الغابة، شاسعة وغامضة وجذابة..

وبحوزتي حبل وعود ثقاب..

أعرف أن القروي الذي صادفته في طريقي لم يتابع سيره باتجاه البلدة، وأنه الآن يراقبني، ريثما يتعرف على نواياي:

هل أشعل النار في الغابة

أو أصنع من الحبل أنشوطة ألفها على عنقي؟

سيظل مشدودا إلى توقعه البسيط، غافلا عن أن كل وضع إنساني بوابة مشرعة على عدد كبير من التوقعات، تتجاوز الظاهر والمعقلن والواعي، كأن أفكر في أن أسحب الغابة إلى الوراء قليلا، وأشعل النار في أول عصفور يقع في يدي.. أو يكون الحبلُ الحبلَ السريّ الذي يصلني بالآخرين، والذي أنوي قطعه قبل أن أشعل النار في الذاكرة…

ثم من أدرى القروي الساذج بأن الحواس تنقل الحقيقة بالضرورة؟ وأن ما يراه من حبل وعود ثقاب ومظاهر تنكّر تلون ملامحي بالغرابة.. كل ذلك محض بناء سينوغرافي معد بعناية لإثارة فضوله واستدراجه إلى الغابة؟

أدخلها، ألون ممراتها ودروبها.. أشجارها وحجارتها ونباتها، بينما هو يترصدني، معتقدا أنه غائب عن إدراكي..  يتلمس ورقة بيديه، يمعن فيها النظر، دون أن يفارقه التوجس المصاحب للوقوف على العتبات..

“تقدم.. تقدم أماما أيها القروي، تلك حياة أخرى تعرض لناظريك وأفق جميل..”

 أغريه بالتوغل، فيواصل السير مرتابا ومترددا وفرحا ومستمتعا ومتسائلا..

هل يعرف الآن، أن الأمر يتعلق بغابة سردية؟

 وأني، حين أنفذ إلى الطرف الآخر وأغلق دفة الكتاب، سأبقيه سجينا هناك إلى الأبد؟

……………….

*من مجموعة “جبة بورخيس”

مقالات من نفس القسم