الفخرانى.. الرجل الذى باع العالم

الفخرانى.. الرجل الذى باع العالم
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

هاني عبد المريد

رجل مجهول، معه عربه يجرها حيوان مجهول، محملة بالذهب والفضة والأحجار الكريمة ، الرجل مقابل ذهبه وفضته يشترى الحزن والوحدة، يشترى الأفكار الشريرة والظلام، الفخرانى أيضا اشترى، اشترى الكتابة، وكل مايدور حولها من مقاهى وصحبة وألق وجنون، غير ذلك فقد باع العالم، كل العالم، راهن فقط على كتابته، وعشقه لها، ليثبت أنه الأكثر عشقا واخلاصا، تخلص من كل البهرجة والزيف، وكأنه يقولها عالية الكل باطل وقبض الريح.

لو لم تكن قد إلتقيت بالفخرانى من قبل وقرأت روايته "فاصل للدهشة"، فربما تكّون صورة غير حقيقية، عن ذلك الذى يصر أن يطلق لفظ بز على البز، يرفض كلمة ثدى، تلك الكلمة المشذبة، التى قد تصلح مع المجتمعات المشذبة أيضا، هناك مجتمعات أكثر صدقا مع أنفسهم، هناك أشخاص أكثر وضوحا واتصاقا مع أنفسهم، يقولون ويفعلون ما يريدون وقتما يريدون.

سيبدو لك الفخرانى للوهلة الأولى مخالف لما سبق، هادئ الطبع صامت، عندما يتكلم يتوقف قليلا بين الكلمات وكأنه ينتقيها بعناية.. عندما يختلف معك، عندما تختلف أراءكما، ستجده بالفعل أقرب لشخصيات روايته، صادم، واضح، سيقولها بكل بساطة، أنا ضد كل ما تقول.. يقولها بلا مواربة أو تزويق، ستتأكد أنه شبه شخصياته، به من رعونتها برغم مظهره الهادئ، وستكتشف حس السخرية لديه، وتتذكر “البدرى” وهو يقضم رغيف الكبدة الذى أعده له “عفاشة” ستتذكره بعدما قضم الرغيف وهو يقول معترضا:

“الكلب ده مسعور يا عفاشة.. عايز واحد مشكل كلاب مع قطط”

عندما تتأكد أن الفخرانى حاد، ويشبه شخصيات روايته، ستضبطه مرة بأحد شوارع وسط البلد، فى يده كيس من الشيكولاتة الفاخرة.. سيلمح أحد أطفال الشوارع، سيُظهر الكيس فى يده حتى يبدو جليا للولد، ستتلاقى عيونهما فى نظرة خاطفة، ستشعر معها باتفاق ما قد تم بينهما، على إحدى كبائن الكهرباء سيضع كيس الشيكولاتة، ويرحل، وفى أقل من ثانية ستكون الشيكولاتة مذابة داخل فم الولد، هو هنا لا يشبه شخصيات روايته، هو هنا البحر –طوطمه- الذى يعطى ولا يريد أن يشعر أو يشعرك بأنه يعطى، الفخرانى الذى يكره نظرات الضعف أو حتى الأمتنان فى عيون الولد، فيعطى بطريقة تريحه وتريح الولد نفسيا، وهنا سيبدو رقيقا كقصة “عيناها أجمل مكان للحزن”، التى أرّخت للتاريخ السرى بين العيون والحزن، عن تلك العلاقة التى بدا معها الحزن جميلا فى عيون البنت صاحبة العيون التى يسكن فيها.

فاصل للدهشة بكل وضوحها وجرأتها وتصادمها مع الثابت والراكد هى الفخرانى، “قبل أن يعرف البحر اسمه” و”قصص تلعب مع العالم” بعذوبتهما وترقرقهم الهادئ، هما الفخرانى، صديقى الذى نال تشجيعية الدولة منذ أيام، والذى أسعدنى كثيرا بصداقته وبكتابته التى أحبها.

 

عودة إلى الملف

مقالات من نفس القسم