العسكري سين

أحمد ثروت
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

أحمد ثروت

اللحظة التي تلت انطلاق القذيفة، ساد صمت رهيب إلا من صفير حاد.
أذناي لا تسمعان سوى الصفير الطويل المستمر. أرى زملائي يركضون في كل اتجاه. يسقط أحدهم بساق مكسورة، تندفع الرصاصات في وجه آخر وصدره، بينما الجميع يركضون في كل اتجاه. لا يعلمون أين المفر.
أين النجاة.
استعدت القدرة على التفكير، بعد لحظات لم يبحث فيها الموت عني.
استدرت سريعاً جارياً نحو اليمين، ثم قفزت داخل الخندق الذي حفرناه صباحاً. أسمع صوت الرصاصات والقنابل المتفجرة، بينما قلبي ينتفض مع كل ضربة. الخندق ممتلئ بجثث زملائي، ولا يوجد سوى شخص آخر مثلي. نحن الاثنان فقط الباقيان على قيد الحياة.
الضربات مستمرة بلا انقطاع أو هوادة. لم ينقطع رفيقي عن إشعال السيجارة تلو الأخرى. يسب الحرب والمحاربين، يشتم الحكام والضباط والعساكر. يهذي بكلمات وجُمل بلا رابط.
– إنها الشهوة الحيوانية اللانهائية. يريدون الاستيلاء على كل شيء.
حاولت تهدئته بالتربيت على كتفه، أخبرته أننا نحارب من أجل هدف سام.
ذكّرته أن قواتنا مقدسة يدعمها الرب، ويباركها كل رجال الدين.
لكنه زاد على شتيمته للجميع شتيمتي أنا كذلك.
قال لي أنني مثلهم، يسيطر عليّ الطمع والرغبة في الاستيلاء على الآخر، على أرضه ودينه وجسده. كان يقطع جمله المبتورة كل لحظة بسؤال ظل يتكرر..
– لماذا لا يفنينا الرب عن آخرنا؟ لماذا لا نترك بقية العالم يحيا في سلام؟!
بدأت أشعر بجنونه؛ ربما كان تأثير الضربات والأصوات والجثث حولنا.
كان الوقت سائراً نحو الغروب دون أن تنتهي المعركة، أو تهدأ. يسود الظلام في كل مكان، فلا إضاءة سوى ومضات الصواريخ أو القنابل، وبقينا وحدنا.
لا يكف عن الحديث ولا أستطيع إيقافه عن لعنة كل شئ. إنه متأكد أننا مجرد بيادق تسعى فوق رقعة شطرنج ضخمة. سيضحي اللاعب بنا جميعاً من أجل الحفاظ على الملك. كل هذه الأرواح ستُبذل من أجل جسد واحد.
كنت متيقناً أن رفيقي مجرد جندي جبان يحاول التهرب من واجبه. يدّعي أشياء لا صلة لها بالحقيقة كمبررات لا تنتهي.
أعرف أنني أدافع هنا عن زوجتي، عن أمي وأبنائي. إن لم نقم بغزوهم فلننتظر انتقامهم كدجاجات ينتظرن الذبح بابتسامات غبية. إن لم نقتلهم؛ قتلونا وصلبوا أبناءنا فوق أعمدة الإنارة.
لم ينته الحوار بيننا طوال ساعات.
عندما صرخ صرخة مفاجئة وقام من مكمنه، حين أطل برأسه فوق حاجز الخندق؛ ضربت رأسه رصاصة ألقت جثته جواري تماماً.
حينها بدا أن حوارنا انتهى.
لكنها المناقشة لم تنته، هو ليس أكثر شجاعة مني، وليس أكثر مني إخلاصاً للوطن.
احتويت بندقيتي تحت ذراعي، واندفعت راكضاً نحوهم، انهمرت الرصاصات من كل بقعة تحاول تمزيق جسدي.

مقالات من نفس القسم

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 12
تراب الحكايات
عبد الرحمن أقريش

المجنون