رانيا منسي
ربما لا أجيد الحديث عن صناعة الأفلام، ولكن إذا أعجبتني الحكاية فلاشك عندي أن الفيلم رائع، منذ عامين تقريبا كانت تطاردني الكثير من الأحلام الطيب منها والشرير أيضا، فكنت أترك جهاز “اللاب توب” الخاص بي بجانبي مشغَّل وأنام، وما إن استيقظ من نومي حتى أسجل ما كنت أرى، فشغلني حقيقة أمر الأحلام وحاولت البحث والقراءة حولها، وقد قررت أن أكف عن البحث فكثيرا ما تحب أن يظل أصل الشئ لك مجهول حتى لا تفقد مذاق متعتك منه.
ولكن عندما تصبح الأحلام قاتلًا يطارد نومك، وتجعل عينيك تخشى أن تغفل، فيجب عليك حينها أن تبحث عمن وراء تلك الجلبة التي حولت حياتك لجحيم، وعندما عدت من جديد للبحث عن الآلهة القديمة في الأساطير الإغريقية والميثولوجيا اليونانية ظهر أمامي (مورفيوس) إله الأحلام في الأساطير الإغيريقية، فاعتبرته أنا ملاكي الذي يحرس ليالي الباردة الخالية من دفء الحياة، حاولت تخيل (مورفيوس) وهو في مصنعه يخلق الأحلام، كيف يخلط الصور، كيف نشأ ماذا يساعده ليصنع تلك الصور، هل لديه عمال يعاونوه، ولكني اكتشفت ان عقلي رافض أن يخلق تصور كامل له عندي فربما كان هاجس ما يخبرني: في حال إن عرفت السر للساحر يفقد سحره ولا يأتي لي بأي شىء من أفلامه القصيرة الممتعة لي حتى وإن كانت مخيفة.
المفارقة هنا عندما شاهدت فيلم The BFG)) والمأخوذ عن رواية بنفس الاسم لـ (رولد داهل) والذي أخرجه (ستيفن سبيلبيرج)، لقد اخترت توقيت مشاهدتي للفيلم ليلا فربما أغمض جفوني ويأتي لي (العملاق الودود الكبير) بحلم أضيفه لأحلامي المتراكمة في ملفات على سطح المكتب، عندها حسدت (صوفي) تلك الطفلة اليتيمة التي تقرأ خلسة على ضوء كشاف صغير بالكاد يضيء لها الصفحة التي أمامها، وهي مختبأة تحت بطانيتها عندما يداهمها الخوف مثلما كنت أفعل وأنا في مثل سنها تقريبا حينما كانت عائلتي تجتمع لمشاهدة الأفلام المرعبة.
تكوين الصورة للفيلم جعلتني أشد تركيزا على تفاصيل غرفة الطفلة التي تضم الكثير من الأطفال الغارقين في النوم، فكانت إحدى الغرف لملجأ نشات فيه (صوفي) بعد أن فقدت والديها، الصوت كان جيد بالقدر الكافي حتى جعلني أفزع معها هي وقطتها عندما وجدت صوت ضجيج خفيف بالخارج، أما عن أداء البطلة (روبي) التي قامت بدور (صوفي) فكانت ممتعة وهي تجسد الخوف الذي يقتحم قلبها مرددة لنفسها كلمات متقطعة قائلة: لا تخرجي من سريرك.. وعلى الرغم من ذلك تتحرك تجاه الشرفة وهي تحذر نفسها: لا تذهبي للنافذة.. ولا تنظري أبدا خلف الستائر.. وما أن ترى يد العملاق وهو يعدل من وضع صندوق القمامة بالشارع، تجحظ عينيها فزعا ويزداد فزعهما مجرد أن تلتقي نظراتهم، أحببت أيضا (مارك ريلانس) في أداء دور الجد العجوز أمام الطفلة صوفي، فربما هيئته كانت أقرب لصورة مورفيوس، وربما مغارته المظلمة كانت قريبة لتصوري من معمل ملاكي الذي يأتي لي بأحلامي، حتى طريقة خلطه للأحلام، مع الأحداث تمنيت أن أكون أنا معه هناك في تلك المدينة المسحورة التي أخذ فيها صوفي كي تلمس فراشات من نار، والتي كانت مادته لصنع أحلامه، فيجمع العملاق ما يستطيع من تلك الفراشات.
طوال عرض الفيلم والقصة ستلاحظ انك تشاهد علاقة انسانية غريبة لحد كبير بين طفلة تفتقد إحساس العائلة والحب والجد الذي يحكي لها الحكايات المدهشة فتنصت له ويعوضها عن صفحات الكتب التي تقرأها سرقة قبل النوم وايضا يعوضها عن دفء العائلة التي لم تعرفه من قبل، وبين الرجل العجوز الذي يحتاج لنظرة لامعة من طفلة يستحوذ عليها شغف الاكتشاف للحكايات، وبراءة ودفاع تلك الطفلة عنه عندما هاجمه العمالقة الآكلين لحوم البشر الذي يفاجئ بمطاردتهم له بمجرد عودته من مدينة الساحرات باحثين عن صوفي ليتقاسموها أو ليأكلها كبيرهم، وتكد تفلت منهم صوفي ويستطيع العملاق الودود تخبئتها بأعجوبة، وهنا أعجبتني إجادة تصوير المطاردة والصورة التي جعلتني أظل متنقلة العينين بين كل الاطراف منتظرة من سينتصر حتى النهاية.
عند مشاهدتك ستحب ذكاء الطفلة التي دبرت خطة للوصول للملكة بصناعة حُلم يثير الرعب بنفسها من العمالقة آكلي لحوم البشر، حتى تحفزها لتنفيذ رغبتها في التخلص من هؤلاء العمالقة بإلقائهم على احدى الجبال التي تحدها المياه من كل جانب وهي تعرف تمام المعرفة انهم يكرهوا المياة، وتكمل انتقامها منهم بأن تنصح الملكة بإلقاء الوجبات النباتية فيضطروا لأكلها تنفيذا لرغبة البقاء على الحياة، يتخلل الفيلم بعد اللقطات الطريفة التي تضحكك وقد أداها العجوز (مارك) بشكل لطيف وعبرت الطفلة (روبي) برد الفعل بأداء يجعلك على الأقل تبتسم، من الجميل إن الفيلم يناسب الأطفال البالغين من العمر العاشرة وحتى الشباب وأيضا كبار السن الذين قد يستمتعوا بالحكاية وتفاصيلها.