الشكل السردي . بطل قصصة “شهوة الملاك” لـ ياسر عبد اللطيف

موسم الأوقات العالية
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام
هذا النص القصصي يشبه تماماً ما يجول في رأس الكاتب، حيث تختلط الحكايات الصغيرة بالرؤى والأفكار الكبيرة، حول الفن، والأمكنة، والناس، وقد قدمها ياسر عبداللطيف بآلية المونتاج السردي
عبد الله العقيبي 
التجريب ليس موجودًا خارج الشكل السردي، وبحسب مستوى فهم الكاتب لهذا الأمر يرتقي نصه في التجريب، وقد تحقق في قصة “شهوة الملاك” لياسر عبداللطيف المستوى الأعلى من التجريب، فالتجريب لدى ياسر في هذه القصة تحديداً، والمنشورة في مجموعته الأخيرة (موسم الأوقات العالية) – الكتب خان ٢٠٢١، ليس تهويماً للحكاية كما اعتدنا أن نرى في القصة العربية التجريبية، بل هو أفضل شكل ممكن للقصة؛ بمعنى أن التجريب ضرورة فرضتها الحكاية نفسها، ومن هنا يبرز مفهوم التجريب في أهم صوره، من الشكل للمضمون وليس العكس.
وأظن أن قارئ قصة “شهوة الملاك” سيسأل نفسه عن مفهوم فن القصة القصيرة، وسيكون هذا السؤال منطقياً، فكيف يمكن أن يتحمل هذا الشكل الفني الآراء الفكرية والفنية، حول التاريخ، والسينما، والحياة، ونحن لا نتكلم عن آراء مدسوسة في أصوات الشخصيات، لا، نحن نتكلم عن رأي الكاتب بشكل مباشر، الآراء التي لو أسقطنها من النص لبات خالياً من المعنى، لكننا في ذات الوقت نلاحظ ونستمتع بحكاية متماسكة.
هذا النص القصصي يشبه تماماً ما يجول في رأس الكاتب، حيث تختلط الحكايات الصغيرة بالرؤى والأفكار الكبيرة، حول الفن، والأمكنة، والناس، وقد قدمها ياسر عبداللطيف بآلية المونتاج السردي، وهذه الآلية مبررة طالما الحديث حول الشخصيات السينمائية، فكيف تجتمع آراء حول أبطال السينما ومآل شخصياتهم التي ظهروا فيها، حتى ترسخت في الضمير الجمعي، وبين حكايات الناس التسجيلية منها والتخييلية – دون اللجوء إلى هذه التقنية السردية؟ والمنتبه لأهم الكتابات المعاصرة يجد أن تقنية المونتاج غدت منقذة للحظة السردية برمتها، وذلك لأنها تقنية حديثة، وتحتمل الهاجس التجريبي.
إن أهم النصوص السردية اكتسبت أهميتها من خلال الشكل الذي قدمت به، وأظن أن قصة “شهوة الملاك” لا يمكن أن تقدم إلا من خلال هذا المقترح السردي، فلو أردنا أن نحكي الحكاية شفاهياً لما بلغنا عشر تأثيرها مقروءة، بل إن التأثير القصصي فيها مبعثه الشكل الذي قدمت من خلاله القصة.
أولاً من خلال ربط أولها بآخرها، حيث يبرز مفهوم العنوان، ثم عمليات الانتقال السردي، الذي يتبعه انتقال مكاني، في عملية تركيبية سلسة وعميقة في آن، فالشكل السردي الذي قدمت به الحكاية هو البطل الحقيقي، وصوت الراوي الموازي لصوت الكاتب لا ينفي ذلك، بل يقدمه بكل شجاعة، ولعل هذه الشجاعة برزت في الحلم الذي حلمه الراوي بحمدي الوزير، حيث برز له وجابهه بآرائه، وكأن الكاتب يقدم دفاعه عن آرائه سلفاً، وكم أحب النصوص السردية التي يكون دفاعها عن مقترحها الفني موجود داخلها؛ أي قبل أن تنشر وتنجز، وهذا دليل على وعي الكاتب بصنعته، فهي لا تحتاج إلى أن يدافع عنها أحد، ففي طياتها دعواها وحجتها!
هذه القصة – في ظني – درس مهم في الكتابة القصصية الراهنة، درس لا يضحي بمتعة الحكي، ولا يتجاهل آليات السرد، ولا يثقل الفن بهوس التجريب المرضي، بل يعيد ابنة الصحافة المدللة بكل هدوء إلى مكانها الصحيح، لكن بشكل يشبه اللحظة، وينتمي إليها، وبالتأكيد لم يأتِ هذا الفعل سهواً، أو عفو الخاطر، فالشغل والكد واضح في تضاعيف النص، وفي طريقة تشييده، فمادة القصة متاحة ويعرفها كل أحد، لكن المتعذر حتى على المبدع في مجال القصة القصيرة، هو هذه الصناعة الواعية بفن القصة القصيرة.
وأظن أننا في الكتابة السردية العربية أمام نوعين من القصص بقينا نراوح بينهما زمناً، قصص إبداعية طاغية في التخييل تعتمد على الإمتاع والدهشة، وقصص تجريبية نرجسية متخلية عن القارئ ومتعالية عليه، والنوع الثالث هو هذا المقترح الفني المؤسس، والمنتبه للحظة السردية الراهنة دون إهمال للإرث القصصي الذي يتميز بالإمتاع.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المجموعة صادرة عن الكتب خان 
قاص وناقد سعودي 

مقالات من نفس القسم