السَّاعةُ الجِدارِيَة

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 22
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

البشير الأزمي

عباءةُ الليلِ أثقلها السكونُ وأنا أتضوَّرُ قلقاً وحيرةً..

أُجهدُ نفسي لطرد هذا القلق وهذه الحيرة، لا أفلح في ذلك.. وَتَثِبُ إلى مخيلتي صورتُك وصوتُك وأنتَ تحدثني:

” اِسمَحْ لخيالكَ ليثمل بالأحلام”..

قلتَ وأنت تربت على كتفي.

لم تكن أحلاماً، كانت كابوساً بل كوابيس، كلما أغمضتُ عينيَّ تهاجمني، حتى وعيناي مفتوحتان تهاجمني.. كيف لي أن أثملَ بالأحلام والموتُ مَدَّ يده إلى شجرة العائلة وقطف منها أفرادها. لم يراعِ السنَّ وهو يقطف.. ها هي الشجرةُ أضحت عاريةَ الأغصان، لا ثماراً أتذوق حلاوتها ولا ظلالاً أتقي بها حرارة حياة أكتوي بلظاها..  لم يتبق لي غير ألبوم الصور أعود إليه كلما اشتقتُ إلى دغدغة أحلامي..

كيف للصور أن تستطيع دغدغة أحلامي وآمالي وأفراحي.. توقفتْ أحلامي بتوقف الساعة الجدارية وكأنها ماتت، هي أيضاً، بموت أبي. كانت الساعة الجدارية رقيباً ثانٍ لي بعد أبي، كلما عدتُ متأخراً إلى المنزل، أول ما يقابلني تلك الساعة الجدارية وكأن اختيار موقعها ذاك كان مخططاً له بعناية دقيقة من أبي. أنظر إليها وتمتلئ عيناي ذعراً وشفتاي تتمتم بالدعوة أن تتوقف عقاربها حتى لا تفضح موعد تأخري عن العودة إلى البيت.

عقاربُ الساعة أضحت تسير في اتجاه معاكس، تعود إلى الخلف. وكأني بها تَعُدُّ ما تبقى من حياة فرد من أسرتنا. بموت أبي توقفت عقارب الساعة الجدارية. حملتها أمي إلى ساعاتي الحي ليصلحها. قالها لها أَنْ ليس بها عطبٌ، عادت الساعة الجدارية تشتغل بشكل عادي، وظللتُ، أنا، أراقبها وأملٌ يحدوني أن                    لا تتوقف أو تعود عقاربها إلى الخلف.

دَبَّ الذعر في نفسي، يومَ رأيت عقارب الساعة الجدارية تسير عكس خطها العادي من جديد.   بقيت مُسَمَّراً في مكاني على مقعد خشبي واطئ لا أبرحه وعيناي لا تفارقان الساعة الجدارية. لم ينتبه، في البداية، أحد لأمري. بدأتُ أحاولُ أن أتستر على ذعري حتى لا يستولي عليَّ الخوفُ ويحفرَ في نفسي أنفاقاً من الوساوس، تلونت حياتي بالعتمة، خلدتُ للصمت. صُمْتُ عن الخروج من البيت. انزلقت حياتي إلى هاوية     لا قرار لها.. غلبني الوسن والكرى، أغمضتُ عينيَّ.. نِمْتُ..

امتلأ البيت بالضجيج؛ عَلَتِ الصيحاتُ والعويل.. أَطَلَّت من النوافذ والسطوح رؤوس فضولية، فتحتُ عينيَّ أخي الصغير مُسجى أمامي وأمي تلطم خديها وتصيح، أرفعُ عينيَّ  صوب الساعة الجدارية، أُلْفِي عقربيها ثابتين.

بعد يومين من موت أخي، أخذتُ ألبوم الصور، بدأتُ أتصفحه.. وقفت عند صفحة خالية من الصور، بها أثر لمكان صورة نزعت، بقي أثرها شاخصاً..  سألتُ أمي لمن الصورة التي نزعت؟  ولِمَ تم حذفها؟ اكتفت بإجابة مقتضبة:” الصورة للساعة الجدارية”..

 

مقالات من نفس القسم

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 12
تراب الحكايات
عبد الرحمن أقريش

المجنون