السَّرْد تحت وقْع الحروب

سرديات الحروب والنزاعات
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

د. أماني فؤاد

 ظهَر مصطلَح أدب الحرب مع الحرب العالمية الثانية، لكن لم يضَع النقاد له تعريفًا محدَّدًا إلا في مرحلة متأخرة، فأدب الحرب لا يُعنى فقط بدراسة أحداث المعارك على جبهة القتال؛ وإنما يشمل كافة الأبعاد، التي تقع تحت تأثير الواقع التاريخي الإنساني للحروب، وأطرافها، والشعوب التي تكتوي بها، والتأثيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

 ولقد ظهرت سرديات الحروب في الأدب العالمي منذ كتابة النصوص الأدبية الأولى؛ فقد سارَع النقاد إلى الاعتراف بأن الحرب هي القوة المهيمنة في أعمال الثقافات الإغريقية والرومانية والعبرانية. كما هو الحال مع “إلياذة” (هوميروس) و”إلياذة” (فيرجيل)، ونصوص الكتاب المقدَّس لدى العبرانيين. حتى الملحمة السومرية القديمة “جلجامش” تتضمن معركة ملحمية مع قوة معادية يجب هزيمتها. تذكِّرنا هذه الأعمال الأدبية والعديد من الأعمال الأخرى – التي تمتد عبْر القرون، منذ العصر الكلاسيكي – أن الحرب أمرٌ ثابت في المجتمع، محرِّك واقعي لاستثارة الإبداع الأدبي، وجدَل النقاش النقدي لسردياته المختلفة. فمنذ عام 1890م أنتج أدب الحرب آلافًا من الكتب والمقالات والأعمال السردية القصصية والروائية، على سبيل المثال، يوجد قدْر كبير من النقد الأدبي حول الحرب الأهلية الأمريكية، والحرب الأمريكية الأسبانية، والحرب العالمية الأولى، والحرب العالمية الثانية، والحرب الباردة بين أمريكا والاتحاد السوفييتي، والحرب الكورية، وحرب فيتنام، والصراعات الجارية في العراق وأفغانستان وسوريا وفلسطين.

 يتخذ أدب الحرب مجموعة متنوعة من المناهج في جهوده لفهم تجربة الحرب، بما في ذلك الشِّعر والدراما والقصص القصيرة والروايات، والمجلات والمذكرات، والتاريخ الشفوي والرسائل. وتطورت دراسة أدب الحرب تدريجيًّا لتشمل دراسات النوع والأقليات، ودراسات الصدامات المذهبية، وتأثيرات الحرب على الجبهة الداخلية. ولقد أدت هجمات 11 سبتمبر 2001م على مركز التجارة العالمي في مدينة نيويورك، بالإضافة إلى أعمال الإرهاب الأخرى في مصر وفلسطين وسوريا وغيرها من الأقطار في جميع أنحاء العالَم، إلى مجموعة جديدة من الأدبيات، التي تتناول الحرب على الإرهاب.

 وتعود أصول رواية الحرب في الشِّعر الملحمي، للفترات الكلاسيكية والعصور الوسطى، وخاصة “إلياذة” (هوميروس، وفيرجيل)، والملاحم التي كانت معنيَّة بالحفاظ على تاريخ أو أساطير الصراعات بين المجتمعات المختلفة، عبْر صياغة سردية تعزِّز الذاكرة الجَمعية للشعوب. وهناك من التأثيرات المُهمة الأخرى على رواية الحرب، والتي شملت مآسي الكُتَّاب المسرحيين مثل (يوريبيدس، سينيكا الأصغر، كريستوفر مارلوو).

 وبدأت رواية الحرب في تطوير شكْلها الحديث، وإعلان استقلاليتها الفنية، منذ برَز الشكل الواقعي للرواية في القرن السابع عشر. وفي القرن التاسع عشر، ظهرت روايات الحروب لتجسِّد آلام البشرية وصراع الإمبراطوريات، وتضحيات الطبقات المهمَّشة، لصالح الساسة والحكام والأباطرة، مثل الروايات التي دارت حول حروب (نابليون) في روسيا، وتميزت هذه الأعمال بتصوير واقعي للمعارك الكبرى، ومَشاهد الرعب والفظائع في زمن الحرب، وإلقاء نظرة ثاقبة على طبيعة البطولة والجبن، فضلاً عن استكشاف القضايا الأخلاقية والأيديولوجية، التي تكمن وراء السرد الفني لأدب الحرب.

 كما أنتجت الحرب العالمية الأولى عددًا غير مسبوق من روايات الحرب، من كُتَّاب بلدان جميع أطراف النزاع؛ مثل رواية “تحت النار” التي كتبها الروائي والجندي الفرنسي (هنري باربوس)، وهي واحدة من أقدم الروايات وأكثرها تأثيرًا في عام 1916. ومثل “عاصفة الصلب” لـ(إرنست جونجر)، كما أنتجت فترة ما بعد عام 1918م مجموعة واسعة من روايات الحرب: رواية (ريبيكا ويست) “عودة الجندي” ورواية “الجنود الثلاثة” لـ(جون دوس باسوس) (1921)، ومن أشهر الروايات الرائدة لأدب الحرب: “الحرب الأهلية” لـ(مايكل شارا)، ورواية “د.زيفاجو” لـ(بوريس باسترناك)، ورواية (وليام فولكنر) “رواتب الجنود”. ومن الروايات التي أنتجتها فترة الحرب العالمية الثانية وما بعدها: رواية (وليام وودروف) “سفينة الحزن”، ورواية (جوزيف ماكيفيتش) “الطريق إلى اللامكان”، ومن أهم سرديات أدب الحرب اللاحقة: رواية “الصلاة في الرميلة” لـ(تشارلز شيهان مايلز)، وتدور حول حرب الخليج.

 ولمفهوم أدب الحرب دلالات متعددة؛ يرى البعض أن “المقصود بأدب الحرب هو ذلك الإبداع الذي يصوِّر الوقائع العسكرية مُعبِّرًا عن مناخ المعارك الدائرة بين الطرفين المتحاربين، سواء من خلال وصْف فِعلي أو متخيَّل للحرب.”

وهو: “الأدب الثوري الذي يناقِش قضية قومية، تحمل فِكْرًا أيديولوجيًّا وتاريخيًّا، ويجسِّد الصراع الدائر بين الأُمة وأعدائها، نصرًا أو هزيمة، في ثوب فني إنساني، لا يتقيَّد بالصرامة التاريخية، بقدْر ما يعوِّل على الخيال، واستبطان إنسانيات واقع الحرب وتوجهاته الأيديولوجية.”

 وأحسب أن التعريفَين لا يحيطان بأدب الحرب على نحو شامل، فالأول يَحصُر أدب الحرب في الوقائع العسكرية، بينما هو أوسع في المعنى من هذا التحديد، كما أن الثاني يصِف أدب الحرب بالثوري، بينما الحرب تتعدَّى الثورة، قد تكون الثورات إحدى مقدِّمات الحروب، أو لا تكون، كما أن الحروب – التي أعنيها – ليست بالضرورة بين الأُمة وأعدائها؛ بل يمكن أن تكون بين طوائف وفصائل أُمة واحدة، كما رأينا؛ أيْ أن يكون العدو فصيلًا من جسَد الأُمة ذاتها، كما حدَث في الثورات والحروب الأخيرة.

 والحرب ــ كما يعرِّفها قاموس ويبستر -webster- حالة من النزاعات المسلَّحة، العدائية، المفتوحة والمُعلَنة بين الدول.

 ويقدِّم المؤرخ العسكري (جون كيفين) توصيفًا لنظرية الحرب السياسية العقلانية في كتابه “تاريخ الحرب”، إذ افترَض أن الحرب علاقة منظَّمة تنخرط الدول فيها، وبدايتها معلَنة، ونهايتها متوقَّعة، والمقاتلون فيها يمكن تمييزهم بسهولة، والمرؤوسون فيها شديدو الطاعة.

 ومن خلال هذا التعريف لــ (كيفين) نستشف أن بعض شعوبنا ودولنا لم تَزَلْ في مراحل ما قبْل الدولة. تفتقر لقدرات مؤسساتها التنظيمية، ومدى استقلالها.

 وثمة تعريف آخَر للحرب، يشير إلى أنها ظاهرة شاملة الانتشار في الكون، وبالتالي فإن المعارك ما هي إلا مجرد أعراض لطبيعة الكون الكامنة العدوانية، ويتوافق هذا التعريف مع الفلسفة الهيجلية، يقول (هيجل): “نظرًا للطبيعة المستقلة لكل شعب، فإن السلام ينقلب بالضرورة في لحظة من لحظات التاريخ إلى حرب. ويُعتقد أن الحرب هي التجربة العظمى في تاريخ وحياة الشعوب، فهي إما أن تؤكِّد حرية الشعب أو تسلبه إيَّاها، كذلك فالحرب ترفع من الروح المعنوية للأفراد؛ حيث يشاركون في الدفاع عن وطنهم، فيتجاوزون مصلحتهم الخاصة وأنانيتهم الشخصية، فيتَّحِدون مع الكل.”

 كما يرى البعض أن الحرب حدَث حتمي لا مفَر منه، وهناك من يرى أنه على الإنسان أن يخفف معاناته ويتجنب تلك الحروب، على فرْض أن الإنسان يختار أفعاله.

 كما يؤمن العقلانيون بفاعلية العقل البشري، ويرَون أن الحرب نتاج العقل، وهناك من يرى مع (أفلاطون) أن الحرب تنشب حين يتخلَّى الإنسان عن عقْله، وتنتصر شهواته، ويرى (فرويد) إن الحرب تنبع من غريزة الموت، في حين يشير (دوستويفسكي) إلى الهمجية المتأصلة في الإنسان، والتي تظهَر تجلياتها في الحروب والنزاعات، كما في “الإخوة كرامازوف”.

 في حين يرى الفيلسوف الإنجليزي (توماس هوبز) أن الحرب هي الحالة الطبيعية، ما لم توجَد سُلطة خارجية لفرْض القوانين، ومثله يرى (كانط وروسو)، حيث يرجِّحان أن الدول ينبغي أن تكون نشِطة؛ أيْ عدوانية، وأن الحرب أمر لا مفَر منه، أما (كانط) فيرى أن الصراع الفطري بين الدول يَدفع البشرية إلى السعي إلى السلام والاتحاد، وأننا نلجأ إلى الحرب حين لا تكون هناك بِنًى شاملة.

 ولعلنا نلحظ في بعض تلك التفسيرات والمقولات أن البعض من مفكري الغرب يبرر ويسمح بالحروب كمسوِّغ للاستعمار والعدوان، تحت دعوى أنهم مَن يتمتعون بالنضج والتقدم، ويتعيَّن عليهم ضرورة فرْض بعض القِيَم والأخلاق، بل وتحديث تلك المجتمعات البدائية، التي يسوِّغون احتلالها، وبتلك الذرائع يستحِلُّون الحرب واستغلالهم للآخَرين.

 ويذكُر تعريف آخَر أن “الحرب هي حالة عدَاء تنشأ بين دولتَين أو أكثر، حيث استحالة السلام بينهما أو بينهم، وتُستخدم فيها القوات المسلَّحة في نضال مسلَّح، تحاول فيه كل دولة إحراز النصر على الدولة الأخرى، ومن ثم فرْض إراداتها عليها، وإملاء شروطها المختلفة من أجْل السلام.”

 ويُعد هذا التعريف وصفًا للحرب بين دولة وعدوٍّ آخَر خارجي؛ أيْ أنها معارك بين دولتَين، لكن الواقع يقول إن هناك حالاتٍ أخرى من الحروب كما ذكرتُ؛ الحرب داخل الكيان الاعتباري الواحد، الدولة الواحدة، فيتصارع أبناء الوطن الواحد، أو أبناء الديانة الواحدة؛ لأجْل احتكار السُّلطة والزعامات، وفرْض أيديولوجية بعَيْنها على الجميع بالقوة، دون تعايُش يحترِم خصوصيات كل فئة. والحالة الثالثة حين تتعدد القُوى السياسية المتصارعة، سواء كانت خارجية بجيوش دولية أو مرتزَقة، أو كانت طوائفَ وتياراتٍ داخليةً؛ فتنشب صراعات معقَّدة؛ لتعدُّد الأطراف، واختلاف أهداف كل قوة، مثلما يحدُث في ليبيا وسوريا واليمن والعراق والسودان.

 ويقترن أدب الحرب بمفهوم الثورة أيضًا، فهناك من الثورات ما تُشكِّل ساحة للنزاعات المسلَّحة والنزاعات المذهبية أو الطائفية، أو الصراع السياسي على السُّلطة، الذي قد يتخطَّى أسوار السِّلمية، وينتقل بها إلى ساحات القتال والمعارك، ومن هنا كان لزامًا علينا تعريف (الثورة)، وبيان مدلولاتها في الفكر والواقع، ويمكن تعريف الثورة من منظور سياسي واجتماعي على أنّها: “الحدث الذي يشهد تغييراتٍ كبيرةً ومفاجئة، قد تصل لحالة العنف، وتغيير أنظمة الحُكم، والأنظمة الاقتصادية، والبنية الاجتماعية، والقيم الثقافية المختلفة.”

 وهناك من يَستخدم مصطلَح الثورة للدلالة على تغييرات فجائية وجذرية، تتم في الظروف الاجتماعية والسياسية؛ أيْ عندما يتم تغيير حُكم قائم، وتغيير النظام الاجتماعي والقانوني المصاحِب له بصورة فجائية، وأحيانًا بصورة عنيفة.

 وتعرِّف موسوعة عِلم الاجتماع الثورة بأنها: “التغييرات الجذرية في البنى المؤسسية للمجتمع، تلك التغييرات التي تعمل على تبديل المجتمع ظاهريًّا وجوهريًّا، من نمط سائد إلى نمط جديد، يتوافق مع مبادئ وقِيَم وأيديولوجية وأهداف الثورة، وقد تكون الثورة عنيفة دموية، كما قد تكون سِلمية، وتكون فجائية سريعة أو بطيئة تدريجية.”

 وللحرب أهداف متعددة، منها: صياغة الهُوَيَّة الوطنية وتحديدها، والدفاع عن أرض ومقدّرات الدول والأوطان ضد الأعداء، ورغبة بعض القادة في التوسع الإقليمي، وفي بعض الحروب كان الهدف رغبة البعض في التحلِّي بمجموعة متنوِّعة من الفضائل، كالمَجْد والشَّرف، وتحقيق السلام.

 وهناك فارِقٌ بين العنف المبرَّر وغير المبرَّر؛ حيث الحروب العمياء، التي تنطلق من التعصب الأيديولوجي بأنواعه، والحروب الاضطرارية للدفاع عن القِيَم والمعاني السامية، ولذا وُجِدت بعض القوانين الدولية، التي وُضعت لتنظيم الحروب، والتي نادرًا ما يلتزم بها المتصارعون في الواقع، فللحرب شهوة تجتاح بعض البشر.

 لا يقتصر أدب الحرب على تجسيد وسرْد الصراعات على جبهة القتال فقط، لكنه أدب إنساني، يقدِّم بطولاتٍ عسكريةً فائقة الشجاعة أحيانًا، كما يقدِّم أكثر لحظات البشر توتُّرًا وقسوة، أيضًا قد يتضمن تجسيدًا للحظة شهوة إراقة الدماء لدى البعض، ولحظات الضَّعف التي تعقُب بعض النهايات، تجسِّد الحروب الخياناتِ أيضًا، كما تجسِّد الأطماع والرغبة في احتكار الحُكم تحت دعاوَى أيديولوجية، وإزاحة الآخَرين، ذوي التوجُّهات المختلفة، كما تجسِّد بعض النصوص السردية أيضًا رفْض الحرب، واليقين بعَدَم الجدوى.

 كما يدور سرْد الحروب وانعكاساتها على البشر في منحًى فنيٍّ إنساني، يعتمد على جانب تخيُّلي، ويحمل رؤية مبدع يتوجَّه بنَصِّه لمُتلقِّين؛ فيدفعهم لتحريك مشاعرهم وأفكارهم تجاه الصراعات الحربية في فترة تاريخية معيَّنة، وعادة ما يطرَح أيديولوجية قامت من أجْلها الحرب، سواء كانت سياسية فكرية أو دينية، وهو ما يزيد الوعي بالأبعاد المختلفة، من صراع المصالح والرغبة في الزعامات، التي تُصنَع لحظة اندلاع المعارك، ثم فَناء مجموعة من البشر المتنازعين، وهو ما يؤصِّل لوَعْيٍ إنساني أشملَ للوجود وأبعاده، والذي قد يؤصِّل للتسامح والتعايش.

سرْد الحرب قبْل الثورات والنزاعات الأخيرة

الحروب بين الماضي والحاضر:

 منذ عقود مضَت، كان للحظة مواجهة الموت في الحروب في الإقليم العربي وشمال إفريقيا نوعٌ من التبجيل والقدسية، حيث كانت الحرب دفاعًا عن الأرض، في مواجهة مع القُوى الاستعمارية الكبرى ووكلائها، كما كانت في مواجهة عدوٍّ خارجي غالبًا، فلقد حارَبَت الدول العربية -وفي المقدمة مصر- الكيان الصهيوني، في جولات عِدَّة، وحاربت الدول العربية المستعمرين الأوربيين لأراضيها في جولات ممتدة، لكن الحروب الآن أكثر ارتباكًا وتداخُلًا، وغير ذات معنًى إنساني واضح في معظم الدول، التي نشبت بها ثورات وحروب، إلا احتكار السُّلطة، وثورات البلدان، كما أن الكثير من الثورات والحروب في المنطقة هي حروب بالوكالات.

 فالأطراف المتصارعة في الغالب هم مواطنو نفْس الدولة، تفرِّقهم الأيديولوجيات الدينية والسياسية بأنواعها، وتؤجِّج الصراعات بينهم، وتتدخل قُوى ودول أخرى بأشكال مختلفة لتدعم بعض القُوى والتيارات لمصالحها الخاصة، لإعادة بعْث أمجاد إمبراطوريات قديمة، أو بتوجيه من قُوى دولية كبرى.

 امتلأت ساحات الميادين منذ انطلاق الثورات بأصوات شبابية، نادت بالعدالة والحرية والكرامة، أصوات انطلقت لتُعلِن ضِيقها بأساليب الحُكم في بلدانها، واحتكاره، وتوريثه في بعض أقطار الوطن العربي المحورية، فتبعهم سريعًا ملايين من المواطنين، الذين يُعانون بالفعل على أصعدة مختلفة، أصعدة اقتصادية واجتماعية، حلَم الجميعُ بالتغيير، ثم سريعًا ما قفَز إلى الميادين، وتصدَّر المشهدَ العام تياراتٌ دينية وطائفية مدعومة من قُوى دولية أخرى، كانت تلك التيارات أكثر قدرة على الحشد لطبيعتهم العَقَدِيَّة، وعقيدة الطاعة، حيث يلتزم أتباع تلك التيارات والطوائف بأوامر مرشديهم وأُمرائهم؛ فبرَزت على سطْح المشهد كلِّه التياراتُ والطوائف والجماعات التي تتصارع سياسيًّا تحت أقنعة الدين، وإقامة ما يسمُّونه شَرْع الله، بعض الصراعات كان في مواجهة زعامات عِرقية ومذهبية أيضًا في دول عربية أخرى، في بعض الدول مثل مصر، وقفَت مؤسسات وقدرات الدولة العميقة، على رأسها المؤسَّسة العسكرية الوطنية، في مواجهة هذه الجماعات والتيارات الدينية، وواجهت ما سَعت إليه جماعة الإخوان المسلمين من تغيير هُوَيَّة مصر وثقافتها، سَعت هذه المؤسسات: “القضاء، والإعلام، والداخلية” للحفاظ على الأوضاع كما كانت، هذا الصراع بين القومي والوطني مع الجماعات اتخذ منحَى العنف، واشتعلت الحروب الأهلية والطائفية.

 وعلى صعيد آخَر، سقطت أقنعة النقاء الثوري، التي ادَّعاها الناشطون السياسيون، حيث تكشَّفت الأحداث، وظهرت المخططات التي أُعدَّت لإقليمنا، تحت مسمى “الفوضى الخلَّاقة”.

 فسَّر بعض المراقبين والمحللين السياسيين تدريبَ معظم هذه العناصر الشبابية وتحريكهم بالرغبات الاستعمارية الاستحواذية، التي لا تهدأ لتنفيذ مخططاتها، حيث تمَّ تدريب بعض العناصر من الشباب في أمريكا وبعض الدول الأوربية، فدرَّبتهم هذه الدول، ومكَّنتهم من إطلاق دعاواهم على وسائط التواصل الاجتماعي، للتمكُّن من حشْد الجموع، والتأثير عليهم؛ لتحقيق الأهداف المخطَّط لها، وتقويض الدول، ومن هنا بدأت شرارة الثورات الأولى.

 وعند تحليل ما أسفرَت عنه هذه الثورات والحروب؛ ندرك أننا واجهنا الدماء والكَر والفَر والدمار؛ نتيجة أطماع الحكام في احتكار السُّلطة، وعدم تداوُلها، ورغبات الأطراف جميعها في الانفراد بها. واكتشف المواطنون – مع الوقت أيضًا – أنهم كانوا ضحايا حروب ونزاعات نشَبَتْ بين السُّلطات التقليدية العميقة الاحتكارية للأوطان، وجماعات الإسلام السياسي، حيث المعتقدات المتشددة، التي تفتقر للتفكير الطبيعي المتوازِن، فلقد سَعَت هذه التيارات لحَشْوِ أذهان الجميع بأيديولوجيتها، وعملت منذ عقود وخطَّطت للتأثير على جموع كبيرة من المواطنين، حيث لا قيمة للإنسان في عقيدة هذه الجماعات والتيارات الدينية، فالمواطن مجرد أداة تنفِّذ سياسات تمكِّنهم من الاستحواذ على السُّلطة تحت دعاوَى دينية، والانتقام والثأر من سُلطة حاكمة قيَّدتهم وسجنتهم، فالفرد لديهم مشروع شهيد دائم، حياة الفرد غير ذات معنى حقيقي بالنسبة إليهم، فيزُج قادة تلك الجماعات والتيارات بالجموع إلى نيران الحروب وخرابها، وهم سالمون، يخطِّطون للغزوات في حجرات الفنادق المتَّسِعة المكيَّفة، بعد أن تتراكم أرصدتهم في بنوك العواصم والمُدن الأوربية والعربية، فيما تُقَدَّم الجماهير قربانًا وحطبًا لنار القتال، التي يُسعِّرها أمراء هذه الجماعات اشتهاءً للسُّلطة.

 ولعلَّنا هنا يجب أن نتساءل: لماذا تحولت النزاعات – في سوريا وليبيا والعراق واليمن والسودان ولبنان – لهذه الحروب بين المذاهب والتيارات السلفية والمليشيات؟ هل لتوغُّل الخطابات الدينية في المجتمع وتكرارها – بما تتضمَّنه من تطرُّف وجمود – على الأسماع، وتشكِّل الأذهان بها دون غربلة ومناقشةِ ما تتضمنه من رفْض الآخَر وتكفيره، ولتشدُّدها في كثير من مظاهر الحياة؟ هل هي الرغبات في احتكار الحُكم في عائلات بعينها، شكَّلت أحزابًا لها أيديولوجيتها الخاصة، والخوف من أنهم لو تركوا مواقعهم في السُّلطة؛ فستنتقم منهم الجماهير، ويفقدون سطوتَهم التي يتعيَّشون عليها؟

 هل لوجود أجندات خارجية تخطِّطها وترسم مراحلها دولةٌ دينية مذهبية، ينهض الحُكم فيها على أيدى المَلالي، تتغيَّا أن تسيطر على المنطقة برُمَّتِها، وتستعيد أمجادًا حضارية انقَضَت؟ هل لضَعف مستوى الجماهير الاقتصادي، ومحدودية فُرص التنمية، وتوغُّل أذرُع الفساد في مؤسَّسات الدول كافة؟ هل لفَقْر التعليم، وعدم قدرة الأفراد على امتلاك عقلانية وموضوعية الرؤية والاختيار؟ هل لأن القُوى متعددة الأشكال الاستعمارية أرادت لنا فوضى خلَّاقة، تستطيع في تشوُّشها أن تعيد رسْم المنطقة بما يتَّسق وأهدافها؟

 يتعيَّن أن نشير إلى الهشاشة التاريخية ونحلِّلها؛ لِئَلَّا ننخدع ببعض الظواهر، التي حَكَمت فيها سُلطات مستبِدةٌ بعضَ الدول العربية، حيث تظَل الاختلافات العميقة نائمةً طِيْلَةَ وجود قبضة سياسية قوية، تتحكم في توجيه كل التيارات، لذا لا تكون الاختلافات المذهبية والطائفية ملحوظة، ولا معروفة وقت سيطرة قبضة سياسية قوية؛ لأنها في حالة كُمُون نسبي. لكنها موجودة، وفي عُمق الوعي الذي تتنوَّع مصادره؛ حيث كل فرْدٍ منظومةُ أنماط ذهنية تختلف عن الآخَرين، ولأن مصالحَ وطموحاتِ كل فرْد، تخصُّه وحده، وهي تختلف عن مصالح الآخَرين وطموحاتهم، فحين تصبح هذه القبضة رخوة، وتضْعف قُوَاها؛ تظهر على السطح كل تلك الاختلافات والتحزبات، وتنشط الطائفية والمذهبية والفئوية، إن الانتظام التلقائي ضمن نسَقٍ ثقافي وسياسي متجدد، قائم على مؤسسات عقلانية، تجمع بين القوة والانفتاح؛ هو الضمان لاستمرار تقدُّم المجتمعات والدول، دون تذبذُب واضطرابات مدمِّرة، فحين انسحب السوفييت من أفغانستان؛ اعتقد الكثيرون أن المعضلة قد انتهت، ولم يتصوروا أنه بانسحاب العدو المشترَك تبرُز الاختلافات بين الأفراد والمجموعات والمذاهب والاتجاهات، لقد انقضى نصف قرن وأوضاع أفغانستان تزداد تدهورًا وعنفًا وتفرُّقًا، ومثل انسحاب السوفييت الذي حدَث، يجسِّد الانسحاب الأمريكي من أفغانستان حالةً تامة من الفوضى، ستُسفِر عن صراعات عميقة في المجتمع الأفغاني، والدول المحيطة به، في ظِل حُكم طالبان، أكثر جماعات الإسلام السياسي عنفًا وتشدُّدًا.

 وتتعدد الأمثلة في الماضي والحاضر، في العراق وتونس واليمن وليبيا والصومال، وتؤكِّد هذه الاضطراباتُ والصراعات أن أيَّ انفراط للنظام – في أيِّ مجتمع غير ديموقراطي لا يتم فيه تداول الحُكم بصورة ديموقراطية نيابية – هو إيذانٌ باضطرابات مدمِّرة، لا نهاية لها، فليس أسوأ من الوضع الليبي في عهد القذافي، لكن الاضطرابات التي أعقبت إسقاطه كانت أشد سوءًا، فالإنسان كائن غير عقلاني، إن لم يتلَقَّ تعليمًا وثقافة ووعيًا عميقًا بالحياة، وبمفهوم الدولة، والتعايش وقبول الآخَر، كائن تتحكَّم فيه أهواؤه ونظرته النفعية الضيقة، فلا يحفظ الحياة سوى الانتظام في وضْع مستقِر، لكن يتعيَّن أيضًا أن يكون عادلًا وخاضعًا للقانون.

 في تلك الحروب، منذ بداية الثورات، وما ترتَّب عليها من النزاعات، يقابِل الإنسان – في الغالب – الموتَ منفردًا وعاريًا، دون قضية منطقية تستحق فَقْد الحياة، وتتساوى في هذا الحروب الأهلية، والحروب ضد الأجنبي الدخيل، الذي قد يكون عربيًّا أو إسلاميًّا.

 تُمارَس على الفرد الضغوط الدينية والسياسية والاجتماعية من القُوى المختلفة، حيث يعمل الجميع على توجيه أُفقه الذهني وفْق إرادتهم ومصالحهم، فيتبدَّى التعصب القَبَلي والعِرقي والديني لأيديولوجية خاصة، ثم يفرضون عليه حَمْل السلاح، والاشتراك في الحروب، حروب تُخرجه من حياته، من وطنه وأرضه؛ لتُلقِيَه بعيدًا في اللامكان،

لا ينتمي لأرض ولا لفكرة، بصورة حقيقية، وينعدم الاختيار الواعي المنطقي، فيسير الفرد نحو المجهول دون ثقة في غدٍ قادم.

 يعاني الكثيرون أيضًا، ممَّن هربوا من كل أشكال الجحيم في البلدان البديلة؛ فالفرد هناك مواطن من الدرجة الثانية والثالثة، يحاصره الرفض والتوجس أينما ذهبَ، وخاصةً اللاجئين العرب، الذين تُفضِّل البلاد الغربية أيَّ لاجئ آخَر عنهم، مثلما صرَّح رئيس وزراء أسبانيا في أزمة الحرب الروسية الأوكرانية الأخيرة.

 هذا الضياع قد يكون أحد أهم أسباب انتشار ما سُمِّي بأدب الدِّستوبيا Dystopia، أو أدب المدينة الجحيمية، أو عالَم الواقع المرير، مجتمع مخيف، جحيمي بطريقة ما، وهو المقابل لأدب المدينة الفاضلة Utopia.

 ومن المفترض أن الدِّستوبيا عالَم خيالي، ليس للفضيلة والقِيَم الخَيِّرة مكان فيه، تحكمه الأطماع المطلَقة، وأبرز ملامحه الخراب، والقتل والقمع والفقر والمرض، تلوِّنه الدماء، عالَم يتجرَّد فيه الإنسان من إنسانيته، ويتحول فيه المجتمع إلى جموع من المسوخ، تُناحِر بعضَها بعضًا، كما تتميز الدِّستوبيات بسُلطة تقودها الحكومات الشمولية، وتتعرض عادةً هذه المدن للكوارث البيئية، أو غيرها من الخصائص المرتبطة بانحطاط كارثي في المجتمع.

 وتتنوع عناصر الدِّستوبيا، وتتشكل بنيتها الدالة من المشكلات السياسية والبيئية والاقتصادية، قضايا موجودة في العالَم الواقعي، تنبع من المجتمع والبيئة، والسياسة والدين، وعلم النفس والقِيَم الروحية، أو التكنولوجيا التي تشكِّل ملامح المستقبل، لهذا السبب اتخذت الدِّستوبيا العديد من أشكال التكهنات في النصوص السردية، مثل التلوث والفقر، والانهيار المجتمعي، والقمع السياسي أو الشمولية.

 خرجت الدِّستوبيا من أدب الخيال العلمي، لكن أسهمت عوامل عديدة في انتشار هذه السرديات، أهمها ظهور الانتفاضات والثورات الشعبية، والحروب في العالَم العربي، ولا سيما بين أوساط الفئة العمرية الشابة، التي كانت تعاني من الإقصاء السياسي، والتمييز الطبقي الاجتماعي، والمحسوبيات، التي همَّشت الكفاءاتِ الثقافيةَ والعلمية، ففي تربة الظلم والقهر تلك تشكلت الرؤى الفكرية والأدبية، التي تغذَّت على أنواع المعاناة: اقتصادية، اجتماعية، أخلاقية، دينية، ثقافية، وحتى البيئية.

 حيث تحرِّض المعاناة على قيام حركات ثورية، تطالب بواقع أفضل، بمجتمع ينتمون إليه وينتمي إليهم، بوطن يحتضنهم إنسانيًّا، ويؤمِّن لهم معيشة كريمة، يستفيدون من ثرواته، ويفيد من كفاءاتهم. لذا فالدِّستوبيا واقع يتوسَّل بالخيال، وينحو للتشاؤم.

 تدور بعض السرديات الحالية في خضَم هذا الجحيم، فيسمع الروائيون ممَّن خاضوا هذه الحروب، ويتتبعون المعلومات، واللقطات المصوَّرة، والأفلام الوثائقية، والأحاديث والنقاشات، والاتهامات بين الفصائل المتنازِعة، واللِّجَاج بينها، ومن جانب آخَر بين هذه الجماعات والفصائل والسُّلطات السياسية السابقة على الثورات والنزاعات؛ يشاهدون مَشاهدَ غرائبية على شاشات الفضائيات، مَشاهد لا تنتمي للخيال السينمائي، بل تحدُث في الواقع أمام أعين الجميع؛ فيعملون على بلورة كيف تتشكل هذه اللحظات – فنية وإنسانية – سردًا يجسِّد أوقاتًا مصيرية وفاصلة في حياة الأفراد والشعوب.

 يبدعون المكتنز بالغرائبي والجحيمي، الذي يحدِّد مصير الإنسان، يتابعون التحركاتِ العسكريةَ والأمنية، والوقائع التي تتوالى ــ ما أُعلن منها ــ وكيف تنعكس على الأحوال الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، يرصدون التناقضاتِ والأكاذيبَ، التي تُختلَق؛ فتتحول إلى أسباب يَلقى البَشرُ حتْفَهم من خلالها، يرصدون رغبات الثأر التي تسيطر على كل الفرقاء المتصارعين، وكيف تتفاقم الخلافات والعداوات، فلا تنتهي الشرور، ويستمر نزيف الدماء المراقة.

 هذا الانخراط في واقع الحرب المادي والإنساني يستحوذ على اهتمام المبدعين، بالرغم من وجود مجموعة من المعوقات، التي تحول دون معرفتهم كل الأبعاد والمعطيات، التي تحيط بالحرب، أو تفاصيل المعارك، وكواليس أسرار القيادات، وأبعاد العلاقات الداخلية بين القُوى المختلفة، والقُوى الدولية أيضًا، فكثير من هذه المعلومات تقع تحت مظلَّة الأسرار العسكرية والمخابراتية النظامية وغير النظامية، كما أن الخوض في بعض تلك الأسرار قد يُعرِّض المبدعين لأنواع من المساءلة.

 الفعل القصصي هو ما نُطلق عليه الحدث، والثورة أو الحرب أو النزاعات تُعد الحادثة الرئيسة، التي تشكِّل حركة الشخصيات في روايات هذه الدراسة، وينضم أيضًا – للنماذج المختارة للدراسة – أثَرُ ظلال هذه الحروب والنزاعات والأحداث على البشر والحياة الاجتماعية للشعوب؛ لتقدِّم الروايات المختارة في النهاية تجاربَ إنسانيةً، ذات دلالات مكتنَزة، سرْد يرصد ما بعد هذه الثورات والحروب، ويصِف ملامح الحياة قبْل الحروب، وفي معتركها، وما أسفرت عنه من نتائج تتشكل لحظةً بعد أخرى، ويومًا بعد آخَر، بعض النصوص الروائية ينطلق أيضًا من تلك الثورات والحروب، ليستشرف عالَمًا سيأتي مع تطوُّر حركة الزمن في المستقبل.

 كما رصدت الدراسة ظاهرة في الكتابة الروائية، تتجسَّد في أن هذه الحروبَ والصراعاتِ -التي يعالجها الروائيون- تستدعي من التاريخ حروبًا وثوراتٍ وأحداثَ صراعات أخرى، في فترات زمنية متباينة، فيضفِّرون بين الحديث والقديم، في هندسة وبنية سردية لافتة، وهو ما يُمكِّننا من قراءة طبيعة الزمن في الوعي العربي.

 إضافةً إلى انشغال الروائيين بكيفية صياغة فنيات التجربة السردية، لتحمِل توتُّرًا يتَّسق مع غرابة الواقع وتوتُّره، ينشغلون أيضًا بتشييد بنْيَة تجسِّد فنيًّا عبث الوجود في أغلب دول منطقتنا، وإيجاد تقنيات فنية تعبِّر عن تلك الصراعات المعقَّدة.

 كما ترصد بعض النصوص الروائية الفجوة المتسِعة بين طموحات الشعوب، وإمكانات بعض الأنظمة الحاكمة المحدودة، وكيف أن الأخيرة لا ترقَى لتحقيق دول مدنية عصرية، يحكمها العدل والحريات، وكرامة مواطنيها، سُلطات تحمي الفساد والاحتكار، ولا ترعى حقوق المواطنين البسطاء، أنظمة حاكمة لا تقوَى على غربلة وضبْط الخطابات الدينية، التي تحرِّكها بالأساس أهدافها السياسية.

 وأحسب أن موقف الروائيين من اضطراب المشهد العام يتمثَّل في مستويَين من حرية التعامل: فالواقع يقدِّم ذخيرة من الموضوعات الغنية والغريبة، التي يمكن أن يُقدِّم من خلالها الروائي كتابة فنية مميَّزة، لكن هناك احترازات بلا حصْر تتعامل معها الجهات الثقافية والكُتَّاب الروائيون؛ لتفادي الصِّدام مع المؤسسات السيادية، في الدول التي تدور الصراعات على أراضيها، وعلى المستوى الآخَر، هناك اضطرابُ تلاحُق الأحداث وتعقُّدها، وتواليها المتسارع؛ مما يجعل الروائي-غالبًا- غير قادرٍ على تكوين رؤية، أو استشراف الغد في ظِل هذه الأوضاع المعقَّدة.

……………………………..

َقطع من كتاب”سرديات الحروب والنزاعات.. تحولات الرؤية والتقنية”صَدَرَ حديثًا عن: الدار المصرية اللبنانية، بالقاهرة.

مقالات من نفس القسم