السفر برفقتك مضنٍ يا شيخ الطواسين

موقع الكتابة الثقافي
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

عبد الصبور عقيل*

قال: تقدّم! سنعبُر!

قلت:إنه الدُّجى،وهذا يمُّ دجلة يفيض،فكيف يعبرُ الغمرَ من ليس له قارب!

قال:تقدّم !قلبُكَ قاربُكَ!

قلت:أخاف أن يَمسّني فيه الضّر فلا أنسخَ بعدهُ كتابا مبلولا!

قال:تقدم !إنها لا تبلى الصّحائفُ التي في الصدور!

قلت: بالوحشة صدري يضيق،مثلما تُصرُّ الطّير!

قال :ارمها وراءك تحلّق،وبروحك جدّف!كدتَ تبلُغُ شطها ولم تتطهر بعد !

قلت: مولاي،المجاديف في جذعي نبتت ومنه استطالت، فكيف أفعل وفي دنيانا لا يُوصَلُ المبتور!

قال: يا هذا! كي تنوء بدنيا هي ليست لك !تخفف،تَصِلْ ،تُوصَلْ !

قلت:ولكنه أحمرُ يا مولاي!واللُّجةُ تشابهَتْ عليّ!أهو دمٌ أم نبيذ!

قال:عجباً! كيف تسأل وقد انتشيت!

قلت:أخشى بِسنانِ دَرَني أنْ أجرحَ النّهر!

قال:يا هذا!و كيف يتدفّقُ جارياً من لم يُجرح !

قلت:ولكن القوم هناك على الضفة يكيدون لنا بالسهام!

قال وقد كدنا نبلغ:وكيف يشُدُّ أعمى قوساً مكسورا!

/-/-/-/

قالوا:أأنت هو؟

قال:بل أنا ظله مذ انبجس النور!

قالوا:ومن هذا الغريب الذي معك؟

قال:إنه ظل آخر جاء من الغيب يسعى !

قالوا:عليك أُمِرنا اليوم وغدا نُأمرُ عليه !

ولمّا أحكموا الوثاق ،بعينيه أشار،اتبعني كي ترى عمى القوم!

/-/-/-/

قال كبيرهم:كيف تزعم أنك ظل؟

قال:لأَنِّي إلى نوره أشرعتُ قلبي الحسير !وأنتم تشرعون عيونا يتغشاها الطين المنظور !

قال كبيرهم:إنك لزنديق أتى باطلا يفسد علينا القوم!

قال:بل هو الحق في قلوبهم وكادوا يشرقون !

قال كبيرهم:لأصلبنك أمامهم في ظهيرة حارقة حتى يروا حقيقة الضلال !

قال:من أجل هذا أنا هنا،يسيح دمي كالحبر المنثور،كل قطرة نقطةوالنقطة أصل كل خط، والخط كلّه نقط مجتمعة. فلا غنى للخط عن النقطة، ولا للنقطة عن الخط. وكل خط مستقيم أو منحرف هو متحرك عن النقطة بعينها، وكلّ ما يقع عليه بصر أحد فهو نقطة بين نقطتين. وهذا دليل على تجلّي الحق من كل ما يشاهد وترائيه عن كل ما يعاينو لن تقدم ولن تأخر سطراً في الكتاب المنذور! ودون أن يلتفت جهتي  فيكشفني قال:أبلغهم كتابي ليتهجأوا طاء سين وليروا بعدها كيف هامت أممٌ من قبلهم وقادها إلى حتفها عميان!

قال كبيرهم:كيف تحدّثُ غيرنا وتقتسم،وأنت غنيمتُنا والفيء ! اجعلوا له في السرداب محبساً حتى يأتيكم مني كتاب أو قنديل!

/-/-/-/

هرج الناس:كم مكث الرائي؟

قال أحدهم:تسعا!

قلت:بل هي ليلة واحدة اكتمل فيها البدر !

ولمّا كان الصباح ،ازدحم الخلق على الأبواب،وفي الساحات تحلقوا،بعدما سمعوا الخبر اليقين .أخرج مولانا الحلاج من محبسه فسلّمه الوزير إلى صاحب الشّرطة،فضربه ألف سوط فما تأوّه،ثمّ قطع يده،فما تأوه، ثم رجله، فما تأوه،ثم يده،فما تأوه، ثمّ رجله، فما تأوه،ثم صُلب حيًّا حتى فاضت روحه إلى بارئها، وفي اليوم التالي قطعت رأسه وتدحرجت بعيداً عن الخلق،حتى استقرت عند قدمي لألتقطها.أحرق جثمانه، ونثر رماده في نهر دجلة،وأما الرأس فصررتها في خرقة خضراء مُيمّماً شطر البعيد،أطوي الصحاري والقفار،ولمّا كادت الشمس تغرب ،دفنت الطاهرة في الرمل لم تتسَنّهْ،ونِمتُ طاوياً بين الكثبان.وحينما انبلج الصبح وجدتني سبحان الجليل في مرج أخضر يشقُّه نهر،اقتربت فشربت،وما هي الا رشفة،تلتها شهقة،حتى إلى سفوح بلادي،غانماً الفصوص،سالماً وصلت.

…………..

شاعر من المغرب

مقالات من نفس القسم

ضحى محمد السلاب
يتبعهم الغاوون
موقع الكتابة

نصان