الذهب  في الداخل ياعزيزي

موقع الكتابة الثقافي
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

زهير كريم

 هذه الحكاية لا تهدف لتحقيق غاية ما، لا تدعو أحدا مثلا، ليفكر بالوطن بدافع عاطفيّ أو باعتباره الملاذ الأخير، لا تكشف أيضا عن محرضات التغيير التي تتشكل بسببها النظرة الصافية إلى حجم  الوهن الكامن في السيرة الشخصية لكلٍ منا،ولا تحاول أن تقدم كذلك موقفا أخلاقيا من العالم  والذات، أنها ببساطة، مجرد حكاية  عادية، ليس في تفاصيلها أية حوادث خارقة، ربما اعتمدت في تفاصيلها على التاريخ، حسنا إنها طبقة تشبه البطانة كي يجيء فوقها نسيج السرد،

أو أن التاريخ هنا هو جسر  وحسب للعبور  إلى منطقة أخرى، مجرد توظيف، وفي النهاية هو سرد له علاقة بالفرد باعتباره طاقة  فاعلة، لكنها وفي أحيان كثيرة  تكون القوة التي تنحرف عن المسار، وهذا يحدث على كل حال فيتبدد وهجها، وفي الواقع إن الخرافات تتراكم في رؤوسنا  مثل طبقات سميكة من الغبار، خرافات معظمها يتعلق  بفكرة التفوق،أو بهيمنة الرغبة التي لا يمكن كبحها،حسنا، العواصف المخيبة  للآمال  تأتي على الاغلب وهذا ليس سيئا طوال الوقت، وسوف نكتشف في حينها  أننا عراة، تخيلوا من فضلكم كيف أن الفضائح  تعلن عن نفسها بشكل وقح، و بالقدر الذي يجعلها غير قابلة للستر، أنه مشهد يلزمنا بالاعتراف رغم كل شيء، وعلينا التصريح حينها في أننا لم نتعلم شيئا  قط،لا يتعلق الأمر بالإبطال والقادة والمشهورين وحسب، صحيح  أن البطل هنا له أسم  وهيئة، لكن الحقيقة  أن هذه الحكاية  تشير الى  جزء  ما من تجربتنا نحن،انا وانتم والآخرون، حيث نفشل غالبا بإزاحة الحجب الملونة التي تسد علينا نوافذ الرؤية . كما منعت بطل  هذه الحكاية ولفترة طويلة، مشاعر التفوق  من رؤية الكائن الهش الذي يختبئ داخل ذاته.

 1

البطل.

فبعد الانتصارات العديدة المتوالية، والتي كان بعضها سهلا، وفي لحظة استرخاء عند منتصف نهار ربيعي تغمره رائحة الحقول التي انتشرت في خلل الهواء، وجد طارق  نفسه في ما ظنه  اليقين الذي لن تهزّ الأيام  ثباته، وكان جوهر هذا اليقين يتمثل في فكرة  عجيبة ومتفوقة، تتضمن أن الحاضر، هو الشجرة المثمرة، ما يأتي بعد ذلك، هو  مجرد وقائع مكررة على شكل حلقات من الازدهار يتسع  تفتّحها على الدوام، وعلى  كل حال،كان كل شيء هنا يحيله  بالفعل الى فكرة  أن العالم  هو ثمرته الناضجة، إنه يراها بعينيه،ويلمسها كما يلمس بكفيه الخشنتين النهد المكور  الأملس لحبيبته أم حكيم، و خلال فترة ما بعد الظهيرة، تجول في القصر، الحقيقة أنه يفعل ذلك كل  يوم  ومنذ انتهاء آخر جولة طويلة من الاشتباكات مع الأعداء، لكن الدهشة لم  تغادره قط، ورغم التكرار، كانت نظراته قد غاصت في طبيعة الفن أيضا، ولقد أدهشه حقا تماسك المعمار،وانفتاح الفضاء على  الخضرة  والعطور الطيبة التي ينقلها الهواء الخفيف، فحدث له هذا التجلي الذي يتضمن، أولا إحساسا بعبقرية  الفرسان التي  ازدهرت ثمرتها  يوما بعد يوم في قلبه، ثم صارت هذه العبقرية سحابة، أمطرت  بسرعة على حقل حياته، فرأى أمام عينيه تأثير البطولة في الأشياء وعلى أرض الواقع، ليس في الخيال، ثانيًا، شعت هذه العبقرية  من عينيه، وهو الألق الذي تسميه أم حكيم  غرور المنتصرين . كان ينظر  إلى المدينة ، بيوتها القرميدية  والبساتين  والحقول  الواسعة من الشرفات، قال: أيّ نشوة  هذه التي تغمرني . ثم نظر إلى المرأة التي كانت إلى جانبه دائما، بالنسبة  لها، أدركت بنور باطنها  ما تحمله نظراته من معنى، فردت عليه بثقة العارف: المستقبل  يخبئ دائما صورا مثيرة للخوف يا طارق، نعم، الخوف يا طارق، الخوف، حسنا، ليس الأمر سيئًا دائمًا، بل هو أيضا، ينبوع المخيلة،  كذلك هو المحرّض على سد الثغرات،بالخوف، نجترح الحلّ حتى قبل أن تحلّ العواصف، وعليك ألا تترك أمرا مثل هذا  يصيبه الوهن، لا بأس، اترك للمخيلة  أن تقدم أسوأ التصورات فذلك أفضل، وأيضا دع عقلك نشيطا، بهذا تكمن الحكمة التي  تسند حالات الغرور الذي  يعقب الانتصارات،وعلى المرء  أيها الفارس،أن يفكك التوقعات للسيطرة على المصائر. هكذا أنهت أم حكيم  خطبتها، وعلى كل حال، هو لم يردّ  عن حديثها بخصوص المخاوف، كان  يفكر وحسب  بالمصارعة السياسية  التي  لا يريدها ان تكون  تلفيقا للحقيقة  وتزييفا  لفكرة الحلبة، بل يريدها واقعا يطمئن  الجمهور  لنهاياتها، وتكون تعبيرا عن الحال الذي يغيب بها المهزوم  إلى الأبد، ويرتفع  بها  شأن الفارس المنتصر، ثم التفت لها  كما لو أنه يحاول  تهدئة مخاوفها، أو أنه يريد  إفهامها، أنه مهتم جدا  لما  تقوله: إنك على حق  يا عزيزتي، السلطة  تشبه  بقعة  مليئة بالمنحدرات، نعم،علينا الاعتناء بخطواتنا، النظر إلى الأسفل بين الحين والآخر، وأيضا  علينا ارتداء ما يمنع تهشم  الأضلاع،  مصدات وقاية مثلا، ولكن  يا أم  حكيم، اسمعيني جيدا، هذه أرض الماء والبساتين  والقصور، انظري، ثمة  وفرة  في الذهب  والجواهر، كنوز، كنوز  يا أم حكيم، كنوز الطبيعة  والمعادن التي من كل  لون وصنف، كنوز يعمي لمعانها الأبصار. هذه الطاولة مثلا، هل تخيلت يوما  وجودها ؟هل سمعت ولو كان ذلك عن طريق حكاية خرافية  عن شيء كهذا؟.  كان يبتسم  كما لو أنه يحلم  بالاستحواذ على الأراضي الجديدة كلها، ذهبها وأراضيها، وسكانها أيضا، كل هذا يريده بضربة سيف واحدة أو بجولة مصارعة سريعة، صحيح  أن كل هذا لم يكن بمعزل عن الرغبة  بنشر  المعتقد الجديد، وفتح المدن أمام العالم كي يمر  الدين،لكن لمعان الذهب محرض على تدفق اللعاب، ومشعل للطاقة في التوغل. أطلق  حسرة، ثم أحسّ أن  النسيان لا يجب  أن يمنع  الاستدراك : العقيدة، العقيدة يا أم  حكيم، العقيدة  وأيضا، الذهب، لم لا، إنهما وجهان لشيء واحد ولا تندهشي ،لا تندهشي يا أم حكيم،  إنهما  يكملان بعضهما !!!.  كانت نظرته  بعيدة وهو يقف عند نافذة  القصر  الذي كان  إقامة هانئة  للملك رودريك، وقريبا من الطاولة الذهبية المرصعة بالجواهر  والتي كان يتناول طعامه عليها: بصرك  أيها  الفارس، يجب  أن يكون مستوعبا  لهذا اللمعان، لكن الأهم  هي بصيرتك أيضا. قالت ذلك أم حكيم وهي تسرح بنظرها الى البعيد،  أبتسم طارق  لهذه الصوت الانثوي المليء بالرقة،وأيضا المشحون بالحكمة، المرأة التي رافقته في كلّ حروبه،نظر اليها بحنان وقد نبض  قلبه لروحها  التي غمرته بشعاعها، وصله ضوء وجدانها  الذي يستدل به على نقاط الضوء  كلما  واجهته العتمة،حسنا  هو يعتقد أن  أم حكيم هي السراج  الذي ينير سيرته، وعلى كل حال، نسى  للحظة  كلّ  حديث عن المستقبل، وضع عمامته فظهر شعره الاسود وقد غزاه البياض، نزع درعه فابتسمت أم حكيم  لجمال صدره الذي هو تمثيل بارع لأجساد الفرسان، ألقى  بسيفه ثم  أحتضنها فتسللت حرارة عاطفته الى جسدها المكتنز، واقشعر الزغب الناعم على افخاذها، سدد نظرات شبق لجسدها، ثم جرّها  برفق العاشق الى السرير، لكنها وكتعبير  عن نفاد الصبر، نظرت في اعماق عينيه  كما لو انها المحاولة اليائسة  الاخيرة : دعنا نحيا  بما تبقى  من العمر،دون حروب يا طارق، دعنا نعود الى طنجة . وضع  يده  الخشنة  على وجهها  الناعم  ومرر أصابعه  بحنان العاشق على رقبتها السمراء ، ثم جرّب حنجرته  كما لو أنه يريد كسب بعض الوقت  لتقديم  مرافعته على هذا السؤال، توقف عن الملاطفة، والحقيقة  أن الحديث  عن أحلامه لم  يفارقه  حتى في  اكثر اللحظات حميمية،  كانت تجلس على حافة السرير، استقر  الى جانبها  ثم قال لها  كلاما كثيرا  لتبديد قلقها، أكّد لها أولا  انه لم يهمل تصوراته عن الخطر، عن الحسد على وجه الدقة : انهم يراهنون  على الضباب الذي سوف يحيط  بي،فلا أرى طريقي، بعضهم يشكك  بنسبي،  يقولون اني من  بلاد فارس، وينبغي العودة الى اهلي في همدان  هههه، وعليّ أن اعود  لرعي البقر، يقولون أيضا اني  افريقي،أمازيغي وأمر الحاكمية لا يجب أن يخرج من قبضة العرب، حتى القائلين باني عربي، لايؤكدون ذلك الا لخلط  معطياتهم  بكثير من الريبة والتهكم  والانتقاص والشك في  نسبي الى قبيلة  محددة، لا يهم، قلبي  الشجاع، هو  قبيلتي،موسى مثلا، وبدل أن يرسل لي القوات  للسيطرة  التامة على المدن  المفتوحة، بعث لي القليل وانحرف هو في  طرق أخرى، أوقفني عن المسير،في الوقت  الذي  يعلم  به اننا يجب  أن نستثمر زخم  انتصاراتنا وانكسار العدو، انه الآن  يحقق  أمجاده في أنحاء  من ايبيريا، ربما . في النهاية، سوف يحصل  على ما يريد،  وسوف يفتعل  الخلافات معي، انه يخاف مني، على كل حال، بالطبع  هو  لا يدرك أن  لاشيء  يشفع له عند الخلفاء، مزاجهم  حاد، ورؤسهم  مملوءة بالريبة، طيب، انت أيضا تتمنين  العودة الى طنجة، لقد كررت ذلك مرارا،  تقولين  أن في حوزتنا  ما يكفي  للعيش  في سكون  وطمأنينة، رغم انك تدركين تماما أن طموحي أكبر من أية رغبة بحياة  هادئة، الحكم  والجاه يا أم  حكيم،  راية الله والذهب، الذهب  يا عزيزتي . بالنسبة لأم  حكيم، تعرف كل هذا، ثم أنها لم تنس لازمته التي صار يهذي بها  في مناماته وفي يقظته  _ ايبيريا _  ايبيريا  كلها بين يديّ، هذه ايبيريا  يا أم حكيم، وموسى لم يفعل  شيئا، أنا من عبرت، وأنا من عقدت الاتفاقات، وهذا يوليان  شاهدا  على كل شيء.

 

2

الكونت يوليان

يقول الكونت يوليان، أمير سبتة، ومالك الأساطيل التي عبر بها  طارق إلى الجهة الأخرى: للكراهية بذرة، إنها تنمو باستمرار، وتتحرك بطريقة ما تشبه تلك الأعشاب الضارة في الحقل، حسنا هي ليست ضارة تماما عند ما يتعلق الأمر بمصلحة مؤقتة مثلا، وصحيح، أننا نحن من يسقي هذه البذرة ،نوفر لها الشروط، لكن في النهاية يصبح الأمر، وكما هو شائع، أن أحد طرفي الصراع سيقدم نفسه هبة،أو أضحية، ويكون الطرف الآخر، أنا مثلا، الكونت يوليان،علامة على المزاج الجيد لهذه البذرة،والوصي على ازدهارها، وبالطبع،أنت تعرف يا طارق حجم كراهيتي ل(روردريك)، هذه العاطفة المتأججة هي ما جعلتني مخلصا لغايتي، وكل ما في الأمر أني اعتنيت بالبذرة سقيتها بسوائل من قلب قلبي، صارت شجرة، أعتقد انها أثمرت بشكل يدعو الى الرضا ،و من ثمارها،أنك الآن وصاحبك موسى،قد  أصبحتما سيديّ هذه الأراضي، بالنسبة لي اكتفيت بإطفاء نار الضغينة، مات ملك القوط، السيد الذي كان حاكما لسكان هذه البلاد، أما أنتما،لم تزل بذرتكما تنمو، سوف تصبح شجرة، والحقيقة  أني لا أعرف من سيكون الاضحية،ومن  منكما سيكون صاحب السكين .

 قال يوليان  ذلك  وأضاف: الرحلة ستكون طويلة، ومليئة  بالمفاجآت .ثم توقف عندما دخلت أم حكيم، استأذن بتهذيب عال و انسحب  بهدوء  إلى خارج  القصر، كانت نظرته  غامضة، هكذا  رأتها ام حكيم التي لم تقل شيئا، فقط، تمنت لطارق رحلة مريحة، قال لها، انه سيعود، ابتسمت بيأس ثم نطقت  بشيء  اهتز له كيان  الفارس: لن تعود  يا طارق، لن تعود. شعر  بالحزن، وتسلل  إحساس مرّ بطعم  النهاية إلى قلبه ، وشمّ  شيء له رائحة  فساد  في المكان،  فكر  بالخليفة، وماذا يمكن  ان يخبئ موسى له هناك من مؤامرات،  على كل حال،لا يمكن له أن لا يذهب إلى الشام،  قوتان كانتا تتجاذبانه،حلم  السلطة، وهو  يتوقف على عودته منتصرًا  من الشرق، القوة  الأخرى، هي  الخوف من أن يكون  كما  قال  الكونت يوليان، أضحية السياسة  والحرب، والحقيقة أن لا تصور واضح  لديه في هذه  الحالة  عن  شكل  النهاية: متى  تذهبين  يا أم  حكيم ؟.  كان في  جملته  شيء كثير من  الرغبة أن تبقى معه حتى يرحل،أو انها ترافقه مثلما كانت  شريكة سعاداته وآلامه،  بالنسبة لها  قررت، ولم يعد بالإمكان الانتظار، قالت لنفسها ،مادامت  لحظة  الوداع  هي نفسها  لحظة  فقدان  الأمل،   فأن اليوم  أو بعد يومين لا يغير من  طبيعة القدر  شيئا، وأن عليها  العودة  إلى طنجة  والعيش بسلام، حسنا لم تترك التصريح الأخير، شيء يقوله المحبّ رغم كل شيء ،يعبر عن اليأس، أو  ربما بشيء ضئيل من الأمل: قلبي سيكون معك يا طارق، اعتن  بنفسك، ولا تنس الخوف الذي  يخبئه مستقبل المرء، لا تنس أن تخاف هنا أو هناك، ابحث عنه،وامسك بخيوطه، امسك خيوط حياتك يا طارق.

3

الاقدام المفقودة   

دخل موسى للمرة  الأخيرة إلى القاعة الواسعة، فحص الكنوز، واطمأن على وجود كل ما ذكره للخليفة  منها، سأل عن عدد الجواري، ثم  توقف طويلا أمام طاولة  الملك  المرصعة بالجواهر،  لقد شغله  الأمر طويلا، كيف يمكن أن يحمل هدية لولي أمر الامة مثل هذه الطاولة  التي بقدمين ناقصتين،  قال له خادمه ، أن تحفة كهذه، هي جمال مخرب، وأن الخليفة سيفرح  بها بشرط  أن نفعل شيئا ما لترميمها، كانت الفكرة  قد نضجت قبلا في رأس موسى، في ذات اللحظة أمر باستقدام  أفضل صائغي  الذهب في طليلطلة. وعندما  حضر الصائغ اليهودي، وفحص كل شيء، مرر أصابعه الرقيقة على  الجواهر، ثم أبدى استعداده  لصنع أقدام  بدل تلك  التي  لا يعرف أحد من  انتزعها، الحقيقة  كانت نظرات موسى  المشككة  تتجه لطارق، رغم  ان أمرا كهذا  سيبدو معقولا لو كان المتهم فقيرا  وقليل الطموح، لكن الكراهية  غير حكيمة  اطلاقا.  حسنا ، كانت  الرحلة  نحو  الشرق  قد جهزت بالكنوز والجواري والحكايات البطولية  أيضا، وبالطبع، الطاولة التحفة ، وكانت مراكب  يوليان جاهزة، انها  المراكب نفسها  التي قدمها لطارق من أجل تسهيل مهمة عبوره  الى جهة البحر المقابلة ، أصدر موسى  أوامره  باليقظة  وحفظ  الأندلس من الغزوات،ابنه منذ تلك اللحظة صار حاكما مطلقا على كل أيبيريا، ثم  أعطى إشارة  الرحيل، كان الكونت يوليان  قريبا  من طارق،  قال له  بنبرة  لا تخلو  من المحبة،أو الحرص الذي  يعلن عنه الناس  لغيرهم في حالات انتشار  العاطفة  المفاجئة :أيها  القائد، أننا جميعا في  حلبة كالتي  يقيم فيها الرومان  احتفالات المصارعة، عليك  أن  تكون داخل بقعة  الضوء، ولاتكن  مجرد  ظل ّ،الظلال  غالبا  ما تدهس  تحت  الأقدام .

4

ثمرة الكراهية

لن يحتاج الخليفة الى الحقيقة باعتبارها  شيئا  أخلاقيا، لقد زرع  بذرة  وعليه أن يجعلها  شجرة مثمرة، استمع  لموسى واستمع لطارق، لم يكن  في نيته  أصلا البحث  في التفاصيل، إنهما  يتحدثان  ويرميان التهم لبعضهما، بالنسبة له،  كان كلاهما ينفخان في قربة  مثقوبة، لم ينفعهما أيضا ، حمل  الكنوز والجواري،ولا حتى الاندلس كلها  والتي وضعاها  كالفاكهة  بين يديه ،لم تصدر  منه حتى  كلمة شكر، صحيح أنه فرح بالطاولة، وقف طويلا  يتأملها، وجلس على كرسيّ وطلب طعاما  وشرابا، كان القائدان ينتظران شيئا  ما،  لكنه لم يتحدث  طويلا،حسنا،لم يكن ينبع  من داخله سوى سوائل ساخنة  تتأجج من تحتها نار  الكراهية، وكان واضحا أن شيئا غير مريح  إطلاقا  ينبعث من  نظراته،  فكر طارق في نهاية  الأمر، انه من الحكمة  أن يصمت،ثم  حدث نفسه  بالعقل،  الخليفة الجديد أراد أن نتأخر في الوصول حتى يموت الخليفة  الذي قبله فيكون الاحتفال بالنصر في  كتاب سيرته، إنها قضية لها علاقة بالتاريخ والسياسة،  أنا أتفهم  ذلك،لكن الحقيقة  أن موسى  هو من رفض التأخير، رغم ذلك، أنا وهو الآن بدون  منجزات، قال الخليفة  لموسى، عليك أن تجلس في منزلك  أيها الشيخ، كفاك بطولات  وفتوحات،وأنت يا طارق  اذهب إلى السجن، إنه مظلم  ومريح  لعينيك، لقد أعمى  لمعان الذهب بصرك .

5

أم حكيم

لقد وصلت الشام، ولم يكن في الأمر مغامرة،  أو خرافة كالتي  يروّج لها العامة  عن  بركات  المتصوفة، صحيح أنها  التقت  في  طنجة  قبل سنوات برجل  كان  قد جاء  من سمرقند، حسنا  لقد سمعت منه خلال شهر كامل،أشياء عجيبة  منها ما يخالف الشريعة، ومنها ما يرقّ له الوجدان، في النهاية  غادر الى دياره، ورافقت هي  طارق  في حملة جديدة، لكن  نظرتها الى السماء  تغيرت، الى الضوء  والظلمة، الى الظاهر  والباطن  وأشياء أخرى كانت تحدث بها  فلا  يستسيغها  أحد، على كل حال  لا علاقة  لكل هذا بوجودها في المشرق، انه شيء آخر لم  يفهمه طارق بشكل دقيق.  وبالنسبة له، لم يكن  استشرافا،ولا تجليا صوفيا، كان يحلم بأم حكيم  هذا صحيح، شيء من العاطفة  أو تأنيب النفس لأنه  لم يقدّر ما يخبئه  المستقبل، ولم يضع  تصوراتها موضع الجدية  الكافية  للحيلولة  دون تهشم  اضلاعه،لقد ظهرت فعلا، ظنّ أن الامر مجرد حلم، أو شبح يحدث  أن يظهر  في العتمة  للخائفين، أو جنون رجل لم يستوعب سرعة سقوطه من القمة إلى القاع، أو حتى ما يتخيله كائن محبط  ويائس،حسنا  هو كان يحلم  بها،لكنه لا يتوقع، أن تكون أم حكيم  في الشام،  وعندما دخلت عليه في تلك الليلة، كان جسده واهنا،ونحيلا من قلة  الطعام، وجلبابه قذر كما لو انه لم يلبس يوما  الحرير ، عيناه  أيضا  وبسبب الرطوبة خلال اشهر، والعتمة وربما البكاء،كانتا غائرتين،  فتحهما  بصعوبة، وحاول أن لا يورط نفسه في الأوهام أو الأخيلة، أراد أن يقول  لها، لو كنت  قد وافقتك  بالذهاب الى طنجة !!!، لم يستطع الكلام . قالت :  انا أم حكيم  يا طارق، لست في حلم، وليس ثمة عطب في رأسك  يصور لك مالا يوجد.  تقدمت بالسراج الشاحب اليه،وكانت  قد أعدت كل شيء، أعطته  ثياب جديدة وساعدته على النهوض،وضعت السباط في قدميه الباردتين، سقته شرابا  حلوا، ووضعت في فمه طعاما خفيفا، ثم أخرجته بمساعدة اثنين من الحراس في رحلة العودة الى  الغرب، قال لها ان قائد إحدى السرايا يحتفظ  بأقدام طاولة  الملك رودريك، الاقدام الذهبية المرصعة بالجواهر يا أم  حكيم ،واني  أعرف كيف سرقها . لم يصدقني  الخليفة، ولم  يرض موسى أيضا بتهمة تتعلق  بابن عمه اللص ، قالت له: هل تزل في  عينيك ومضة من لمعانه؟، قال لها: لا. ابتسمت مرة أخرى: عليك  أن تستوعب ولآخر مرة،  أن الضوء ليس دائما  ما يجعلنا سعداء، العتمة أحيانا، هي من يمنحنا الآمان، دعنا  نذهب بسرعة، الخيول جاهزة، ستوصلنا  الى البحر، والمركب بانتظارنا هناك،حسنا ياطارق، ما هي إلا  أيام وسنكون في طنجة، وليس في الأمر مصلحة أن يعرفنا  أحد من العامة، سنعيش بدون بطولات، بدون أسماء مشهورة، بعيدا عن حلبات المصارعة، وبدون ذهب، ما يلمع حقا هو الشيء الذي في الداخل، انه ذهب لا يدركه غش، لا يسرقه اللصوص،ولا يذوب. 

 

 

 

 

مقالات من نفس القسم

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 12
تراب الحكايات
عبد الرحمن أقريش

المجنون