هوارد فيليبس لوفكرافت
ترجمة: بلعلى يونس
في وادي “نيس” بدأ القمر البائس فعلا بالأفول، يضيء بشكل خافت، يشق طريقا للضوء بقرونه الرفيعة عبر ـوراق أشجار الأوباس السامة. وداخل أعماق الوادي حيث لا يصل الضوء، تتحرك الأشكال دون أن تتلاقى لكي لا تُرى. تغطي النباتات المورقة والأعشاب العفنة كل المنحدرات، وتزحف الكروم اللعينة والنباتات المتسلقة وسط حجارة القصور المحطمة، وتلتف بإحكام حول الأعمدة المكسورة والمتراصة بشكل غريب، وترتفع بين الأرصفة الرخامية التي نصبتها أيادي منسية. وتقفز القرود الصغيرة عبر الأشجار العملاقة التي تنمو وسط ساحات الفناء المتهالكة، تتلوى الأفاعي السامة والمخلوقات المتقشرة المجهولة أثناء دخولها وخروجها من أقبية الكنوز العميقة.
ضخمة هي الحجارة التي تنام تحت أغطية من الطحالب الرطبة، وكانت تلك الجدران التي سقطت منها الحجارة قوية. لقد شيدها بناؤوها لتبقى إلى الأبد، وفي الحقيقة لا تزال تلك الجدران تستخدم بنبل، لأن الضفدع الرمادي اتخذ مسكنا له تحتها مباشرة.
في الجزء السفلي من الوادي يتدفق نهر “ثان” كانت مياهه موحلة ومليئة بالأعشاب الضارة، إنه ينبع من مصادر غير معروفة، ويتدفق إلى الكهوف الجوفية، لهذا لا يعرف شيطان الوادي لماذا مياهه حمراء، ولا إلى أين تذهب.
تحدث الجني الذي يطارد أشعة القمر إلى شيطان الوادي قائلاً: “أنا عجوز وأنسى الكثير. أخبرني عن أسماء أولئك الذين شيدوا هذه الأشياء الحجرية، أخبرني عن مظهرهم وأعمالهم.”.
فأجاب الشيطان: “أنا الذاكرة! وأنا حكيم عارف بتقاليد الماضي! لكن أنا أيضًا أصبحت شيخا ً هرما. هذه الكائنات كانت مثل مياه نهر “ثان” لا يمكن فهمها. لا أتذكر أعمالها لأنها لم تكن سوى لحظة خاطفة، لم يكن لهم معنى كبير. أتذكر فقط مظهرها بشكل باهت لأنها كانت تشبه القرود الصغيرة على الأشجار. وأذكر بوضوح اسم هذه الكائنات لأنه يتناغم مع اسم هذا النهر. كانت تلك الكائنات فيما مضى تُدعى “الإنسان”.
لذلك طار الجني عائدا إلى القمر ذي القرون الرفيعة، بينما بقى الشيطان ينظر باهتمام كبير إلى قرد صغير على شجرة نمت في وسط فناء منهار.