الذبيحة

حسن غريب أحمد
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

حسن غريب أحمد

تبوأ ركناً قصياً وكأنه أراد أن يتوارى عن أنظار الطلبة والطالبات يلوذ منهم فراراً حتى لا تكويه نظراتهم الطاعنة لثيابه الرثة. بات مألوفاً لديهم ليس بعلمه أو نبوغه بل بمظهره الخارجى. الهمس الدائر حوله عند مؤخرة قاعدة المحاضرات ينغز في أحشائه. سوسن الطالبة الثرية صاحبة أفخم سيارة تجلس أمامه يتمايل عليها حشد من صويحباتها يتبادلن في دلال أنثوى مجموعة من الصور .

خطيبك شيك جداً بدلته غاية في الشياكة. تترى على مخيلته صاحبة المنزل تتهدد أسرته بالطرد لانكسار الشهر الرابع دون دفع الإيجار. تلاحقه كلمات أبيه: لابد أن تواصل تعليمك يا بنى تخير أصعب الأقسام حتى تنال ثمرة كفاحك.

أبوه هذا الذى يقضى طيلة الاثنتي عشرة ساعة بظهر منحن وأنفاسه اللاهثة داخل المخبز البلدى: رامى بارك الله فيك اسع يا بنى فى استعجال الحصول على القرض من الجامعة، عمك حسان الجزار أخذ في الإلحاح على لاسترداد العشرة جنيهات التى أقرضنى أياها ثمن كتبك يا بنى.

يتقافز برأسه منظر أبيه أمام نيران الفرن الملتهبة حتى في أتون ساعات الحر. ألقى بنفسه في لجة من الظلمات. زحام شديد أخذ يلعن في سريرته ذاك اليوم الذى حصل فيه على أعلى مجموع في الثانوية العامة ليشد من أزر أبيه ثم نكوثه عن إصراره بعد ان بللت دموع أبيه خده صاحبة المنزل ولسانها السليط غرة كل شهر وتقصعها ومصمصة شفتيها “ماتشغل يا أخويا الشحط اللى عندك، علام أيه؟ واهوه نواية تسند الزير على رأى المثل.”

أخوه يعود في عصبية هوجاء يلقى بالنوته على الأرض: عم أحمد البقال مش راضى يدينى علبة السردين “الحساب تقل قوى وحياة أبوك انزاح بقى عن وشى”

المعلم حسان الجزار يمسك بتلابيب أبيه يوكاد يخنقه: فين يا راجل العشرة جنيه العمى؟ كم شهر تقولى بكره بعد أسبوع العيد

أفاق من شريط الأحداث هذا على سماع اسمه رامى احمد سلامه يهرع إلى شباك الصراف حيث تطالعه خلف القضبان كومة كبيرة من الأوراق المالية أخذ يتأملها – لأول مرة تقع عيناه على مثل هذا الكم من الأموال لا يفصل بينه وبينها سوى قضبان من الحديد عدا القضبان الوهمية التى هى في نظره أصلب من الحديد، أخذ يتأمل الصراف المنكب عليها بجانبه قطعة من الصابون كلما يمسك جنيهاً يدلك إصبعه عليها خشية أن يصرف جنيهين ملتصقين

نظر إليه الصراف وسأله هل سدد المصروفات؟ عاجله رامى بلا، طيب يا أخينا حسابك أربعة جنيهات دفعة أولى والأربعة الأخرى تصرف في النصف الثانى من العام والمصاريف ثلاث جنيهات وخمسة وثمانون قرشاً أى الباقى من القرض خمسة عشرة قرشاً تفضل – سقط فكه الأسفل من هول المفاجأة، يده مغلولة لا تقو على الامتداد لأخذ المبلغ من الصراف

يتراجع بصعوبة بالغة مستخلصاً نفسه من براثن هذا الحشد يدلف من خارج الجامعة، يطالعه الزحام شديد أشد وطأه عند محطة الأتوبيس تزاحمت الرؤية بناظريه بات لا يري إلا مسافة الخطوة أمامه تتحس خطاه الوئيدة الشوارع المؤدية الى منزله

يتحسس بين الفينة والأخرى الخمسة عشرة قرشاً ما تبقى من القرض الذى يتوسك فيها أبوه وأمه وأخوته الإنقاذ يقترب من بيته تقع عيناه على زحام أمام جزارة المعلم حسان يدفعه فضوله للاقتراب يرى أباه بين يدى المعلم حسان يهزه بعنف، يعض على نواجذه ألماً وحسرة يهرع من فوره إلى البيت يدفع باب الشقة بقدمه يرتمى على سريره المتهالك، يغالب الآلام التى أخذت بأسفل أحشائه يتهاوى إلى مسامعه صوت أخيه المشحونة بالبكاء: عم حنفي مش عايز يدينى العيش والحلاوة على النوتة ”

تربت أمه بيديها الحنونة على كتفيه: ربنا يفرجها يا ضنايا أخوك الكبير زمانه جاى ومعاه الفرج .

 

مقالات من نفس القسم

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 12
تراب الحكايات
عبد الرحمن أقريش

المجنون