الدور الثقافي لـ “ورشة الزيتون”

موقع الكتابة الثقافي
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

حينما سمعت بورشة الزيتون من سنوات طويلة، كنت أتخيل أنني في طريقي إلى مكان أنيق يملك إمكانيات ضخمة، من فرط ما كُتب عن هذه الندوة، ومن فرط نجوم الواقع الثقافي المصري والعربي الذين كانوا ضيوفاً عليها.

حينما خطوت للمرة الأولى وجدت مكاناً بسيطاً، غرفة صغيرة ملحقة بغرفة أكبر قليلاً، والاثنان يتم التعامل معهما باعتبارهما كياناً واحداً، “ترابيزة”(طاولة) تتوسط المكان، ومقاعد خشبية، ربما أقل قيمة من مقاعد المقهى الذي كان مواجهاً للورشة لسنوات طويلة جداً. “مروحة سقف” تخشى أن تسقط على رأسك فجأة، ودخان كثيف يخنق صدرك برغم أنك واحد من المشاركين في صناعته بالسجائر.

استضافت الورشة على مدار عمرها المديد مئات الكتاب من جميع الاتجاهات، كانت متنفساً حقيقياً للجميع، وكان يقف خلف هذا الجهد، ولا يزال، شخص واحد، هو الشاعر الكبير شعبان يوسف. للأسف كثير ممن قدمهم هذا الشخص النبيل يهاجمونه، مع أنه فعلاً لم يطلب لنفسه شيئاً، وهو واحد ممن يؤمنون بأهمية العمل العام لرفعة الثقافة الوطنية. لا يوجد شخص واحد أغلق شعبان في وجهه باب الورشة، ولم يحتف به. لقد كان تقليداً مهماً قبل انتشار المكتبات وحفلات التوقيع، وضماناً للنجاح أن تمر على الورشة، لم يكن شعبان يعمل بمبدأ الانتقائية، ولكنه كان يقدم الكتاب الكبار والشباب جنباً إلى جنب، وحتى لو كان كثيرون غير مقتنعين ببعض الأسماء كان هو من يتحمس لهم باعتبار أن كل كاتب يستحق على الأقل الشد على يديه.

في هذا المكان قابلت معظم كتاب الستينيات والسبعينيات، حيث لا فارق بين الجميع وهو يجلسون إلى جوار بعضهم على المقاعد الخشبية. الكل يستطيع أن يتحدث، ويقول رأيه كما يشاء، لقد كانت بعض المناوشات تحدث ولكنه كان يحتويها دائماً، وأعلم أنه كان يذهب إلى بعض الندوات وهو مريض، حرصاً منه في الأساس على صاحب العمل الجديد، وأيضاً لأنه يعرف أن المثقفين لا يرحمون، وأنهم سيسيئون تأويل غيابه مع أن عذره حقيقي.

في هذا المكان، أتيح لي التعرف إلى معظم النقاد الكبار، كما أسهم هذا المكان في اكتشاف كثير من النقاد الجدد، الكل يتحدث، الأكاديميون والانطباعيون، هناك لا مجال للحجر على رأي، أو لتفضيل شخص على آخر، يستطيع النقاد أن يتحدثوا ثم تستطيع أن تقول رأيك أنت في الكاتب والنقاد على السواء.

أسهم شعبان يوسف وورشة الزيتون في التعريف بعدد هائل من الكتاب من جميع الاتجاهات، وتقديمهم إلى الحياة الثقافية، وحتى مع انتشار المكتبات، لم يخفت الدور الثقافي للورشة، حيث يعرف الكثيرون مكانتها التي استمدتها من مصداقيتها وحيادها وعدم تمييزها بين كتاب العاصمة أو الأقاليم، أو بين الكتاب المصريين والعرب.

قاد شعبان يوسف الورشة إلى أن تصبح مؤسسة، نشرت عدداً من المطبوعات للاحتفاء ببعض الكتاب، دون أن تكون هناك ميزانية، واحتفاء الصحفيين بأخبارها مرده فقط إلى إدراكهم لقيمتها، وبُعدها عن الشكل التقليدي لندوات مؤسسات وزارة الثقافة حيث يحضر النقاد وعدد أقل منهم في دور الجمهور، ولهذا فإن تحية هذا الجهد الذي يقدمه الشاعر الكبير شعبان يوسف تظل واجبة، إلا على شخص كاره، تحركه دوافعه الشخصية.

مقالات من نفس القسم