الخيال الجهنمي!       

حمدي هاشم
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

 د. حمدي هاشم

لم يكن صدفة اهتمام علم الأعصاب (وعلوم أخرى) بفص الجبهة الأمامي، بل لاستشراف موطنه الأكثر تطوراً في الدماغ البشري، وعلاقته بكل الأجزاء الأخرى، فهو غرفة عمليات (كونية) بمهام وجودية، تشكل الأساس لبناء عوالم خيالية، وضبط محاكاة الأحداث (ثلاثية ومتكاملة الأبعاد والحواس) على ثلاثية الزمن، والبث المباشر من مسافات الخيال لسيناريوهات مستقبلية محتملة، وذكريات (أو رسائل) تواكب تطور النفس. وعلى خلفية امتلاك أدمغتنا قدرات لم تستوعبها عقولنا بعد، تؤكد مقولة ألبرت أينشتاين “الخيال أهم/ أعظم من المعرفة”، لأنه وضع الخيال في صميم الاكتشاف الفكري والعلمي، ورفعه فوق المعرفة (حدود التجربة الراهنة)، لأن الخيال يتخطى حدود المعرفة بمسافات، ويتجاوز المعلوم ويتصور المجهول وما لم يكتشف بعد، بدلالة أن العلامة الحقيقية للذكاء ليست المعرفة بل الخيال! وذلك يعلي من قوة إمكانيات العقل البشري، ومن شأن الروح الإبداعية كمحرك للتقدم والاكتشاف، مستخدمة الفضول والخيال سبيلاً لفهم أعمق لنتائج وإسهامات المعرفة الحالية.

سجلت مختلف أدبيات الخيال العلمي رواجاً لا يقارن، والأكثر من بينها أثراً وانتشاراً السينما، وأفلام الأهوال التي قد تنتظرنا في المستقبل (مستقبل بائس)، وانعكاس سلوكيات البشر على جودة الحاضر وحتمية تأثيرها في المستقبل، فما زلنا نرتكب أخطاء كالتلوث (وتوابعه)، والأسلحة المتطورة (الجهنمية)، وغيرها، التي تقود البشرية إلى مستقبل مظلم مليء بالألم والمعاناة! ولا يزال يمنحنا الخيال العلمي ألمع الأضواء وأظلم الأعماق، ويتيح لنا إلقاء نظرة فاحصة على أنفسنا ونحن نحلم بالمستقبل. والأصل في ذلك الخيال بعد تطويره بالعلم التجريبي على الأرض، التخفيف على البشرية من نوازل الطبيعة، وتوفير وسائل الراحة والسلامة والجودة في الحيز البيئي، والدفاع المشترك عن الحدود والمراعي والموارد، وتأمين السكان من المخاطر، وغير ذلك، لكن للخيال العلمي واختراعاته جانب مظلم وخطير على البشرية!

شيطنة قوى الطبيعة!

كشفت أفلام الخيال العلمي عن سلاح جهنمي، من ترسانة الهندسة الجيولوجية، مهمته شيطنة قوى الطبيعة (عن بعد)، وامتلاكه القدرة على زلزلة أي منطقة جغرافية (بتغيير تدميري)، لا ترصده حسابات وتقديرات العقول المدافعة عن المكان المستهدف! لدرجة يظنه العامة من فعل الطبيعة، وينسبه متخصصون لغضب البيئة من تزايد أحمال التلوث البشري، بينما ترجعه قلة إلى تقنيات وتطبيقات سرية! ولأسباب سياسية مغلقة، لا تعلن الدول العظمى (البيئة الحاضنة) عن مسئولية تبني حوادث الإرهاب الجيولوجي، بل يلقون بالاتهام على الطبيعة من باب سلوكها المتوحش! وتشير مصادر مستقلة في البحوث العالمية، إلى قدرة تلك الأسلحة (جزء من ترسانة النظام العالمي الجديد) على التسبب في حدوث جفاف وفيضانات وأعاصير وزلازل وانفجارات بركانية، وإضاءة السماء بقوة هائلة! وتدمير الأنظمة الإلكترونية للطائرات والصواريخ والأقمار الفضائية، ناهيك عن محو كافة الإشارات العسكرية والمدنية بكوكب الأرض!

يسيطر فكر الأزمنة الجيولوجية (منذ ثلاثة قرون) على ذهنية العلوم والمعارف، مثل المناخ القديم والجغرافية المناخية والجغرافية الحضارية، في مجال بحوث التطور الطبيعي والبشري للأرض، بالتأقلم من أجل البقاء بالتصالح مع الطبيعة، ولكن السائد اليوم الاستنزاف الجائر للموارد، وحروب غير مبررة، وأسر سياسي بيئي أحادي البعد! حيث يلتقط علماء الأبحاث العسكرية من فلاسفة العلوم التطبيقية (والخيال العلمي) مسائل متداخلة لإحكام القبضة على الأرض! ويعمل هؤلاء بالقواعد السرية (للاختراعات) على استخلاص المادة الفكرية الفعالة، وأسلحتها المرعبة للتجريب في ميادين الحرب!

فقد تناول (برتراند راسل) الفيلسوف وعالم الرياضيات مسألة التلاعب بالطقس في كتاب التوقعات العلمية (1931) بإمكانية تجاوز قوانين الطبيعة بنسبة عالية. وقد أكد (تشارلز داروين ـ الحفيد)، عالم الفيزياء بمشروع (مانهاتن) لصناعة القنبلة الذرية، السيطرة المباشرة على المناخ (1952) في كتاب المليون سنة القادمة! وبعد نحو ثلاثة عقود من صدور ذلك الكتاب، أعلن وزير الحرب (الدفاع حينذاك) عن التورط في نوع من الإرهاب الإيكولوجي، حيث يمكن تغيير المناخ وزرع الزلازل والبراكين عن بعد من خلال استخدام الموجات الكهرومغناطيسية (جامعة جورجيا ـ 1997).

وتعود محاولات تعديل الطقس لأواخر الأربعينيات على الأقل، ومنها بذر سحابة على جنوب إنجلترا (القوات الجوية الملكية البريطانية)، وتقليل البرق للحد من حرائق الغابات وتعطيل أعاصير المحيط الأطلسي، وتعزيز المطر وتشتيت الضباب، واستدعاء العواصف الرعدية (الولايات المتحدة)، وخدمة تعديل الطقس المهنية بالطاقة الموجهة لتركيز شحنة الكهربائية في الهواء، وإمكانية تكييف أنماط الطقس لمسافات طويلة (روسيا)، وقد استعانت الحكومة الماليزية بتكنولوجيا روسية لتوليد إعصار يعمل على محو الضباب الزائد (1997)، وكذلك لجأت دول من مجلس التعاون الخليجي لاستخدام تقنية الاستمطار وتغيير البيئة السائدة! وتأتي الصين الأولى عالمياً (2024) من حيث حجم الإنفاق على البرامج الوطنية لإدارة الطقس، المدعومة بالذكاء الاصطناعي، في الزراعة، وعدالة التوزيع المائي بين المناطق، ومجابهة التغير المناخي، وذلك لتعامل الصين مع المناخ كمورد قابل للتحكم لدعم الاستقرار البيئي! 

هذه بعض من الاستخدامات السلمية لتعديل البيئة والتخفيف من خسائر الظواهر الجوية. وظهرت تقارير عسكرية أمريكية (1996) تعارض معاهدة حظر استخدام تقنيات التعديل البيئي لأغراض عسكرية، أو لأية أغراض عدائية أخرى (الأمم المتحدة 1977)، وزيادة في العدائية التوصية بتعميم تلك التقنيات (تجربة حرب فيتنام) عبر كامل الصراع لتحقيق الأهداف العسكرية المحلية والدولية! وهكذا مبادرة الدكتور بريزنسكي (مستشار الأمن القومي للرئيس جيمي كارتر) بشأن الاستخدام السري للهجمات الجوية، مثل التأثر طويل المدى بالجفاف أو العاصفة لإجبار أمة على الامتثال السياسي!

وشهد العالم (منذ بداية الألفية الثالثة) حوادث جيولوجية مثيرة للجدل (الطبيعة بريئة منها)، يرجعها البعض لتقنيات الموجات الكهرومغناطيسية، التي تمتلكها الولايات المتحدة وبلدان أخرى، وتعد منصة ألاسكا السلاح الجيوستراتيجي الأخطر! وقد دخل ذلك السلاح بالفعل الخدمة تحت مسميات مختلفة (بالقوات البحرية والجوية)، ولم تخلو منه الحرب في أوكرانيا وغزة ولبنان وإيران واليمن وغيرها. فهل من تشكيل لشبكة علمية جديدة ومستقلة (غير حكومية)، للبحث والدراسة في ماهية الهجمات الجوية (الوجودية) وتأثيرها على مستقبل الأرض والبشرية، ولكن هل تسمح الحكومة العالمية بذلك؟!

ألاسكا بيت آلهة الحرب!

يبصر الجغرافي تضاريس السواحل بولاية ألاسكا في هيئة ملامح ساحرة روسية صافية شديد اللمعان، تفترش المحيط الهادي والعصا السحرية بيدها اليسرى من شرق سيبيريا (بدلالة تبعيتها في الماضي للإمبراطورية الروسية)، ويعلوها الدب القطبي (الملكي) ومعه سليل الموئل الأصلي! وتلمس من منظور طائرة (مسيرة) مساحة ألاسكا الهائلة (20% من جملة مساحة الولايات المتحدة)، بين سواحل وحقول جليدية، وأنهار وبحيرات وبراكين عديدة، وظاهرة شمس منتصف الليل الفريدة. وظواهر متباينة، من أعلى جبل في أمريكا الشمالية (جبل دينالي)، إلى أكبر غابة مطيرة في العالم (غابة تونغاس الوطنية).

لا يزال جزء كبير من هذه الولاية (التي تمثل الحدود الأخيرة) تشغله غابات التندرا والغابات الشمالية، مشكلاً المشهد الطبيعي، الذي يجذب عشاق الطبيعة والمغامرة لاستكشاف أعماق الأدغال والحياة البرية، وذلك رغم صعوبة الوصول إلى العديد من تلك المناطق المفضلة بشدة، إلا عن طريق الجو أو البحر. ولاستدامة التوازن البيئي لابد من قيود على التدخل البشري، إلا أن القرار العسكري قد تجاوز تلك الحدود، بالاستحواذ على مساحة وسط براري ألاسكا الشاسعة والقاسية، متخفية بظلال هذه اللوحة الطبيعية الطاغية من الفسيفساء البيئية، لتوطين منشأة عسكرية (سرية للغاية) بمنطقة نائية غير متاحة للعامة!

إنها قاعدة اليسون الجوية المشيدة (خلال الحرب العالمية الثانية) كمنطقة انطلاق للطائرات والقوات المتجهة إلى الاتحاد السوفيتي (حينذاك)، وتحولت بعد ذلك لدعم العمليات والأبحاث العسكرية، لكنها دخلت في تطوير تقنيات عسكرية متقدمة، وصارت ذات خطورة بالغة. وقد بدأت في سبعينيات القرن العشرين التكهنات في الانتشار حول غرض القاعدة وأنشطتها، وكان يظنها البعض مركزاً لأبحاث التواصل مع الكائنات الفضائية! وبرغم السرية المطلقة حول تلك المنشأة (الأقصى شمالاً في العالم)، فإن تصريحات العسكريين تدعم وجودها الحاسم في الدفاع عن الولايات المتحدة وحلفائها! ولم تفلت من تكهنات وغموض، وتقييم غير مؤكد من المؤرخين والباحثين والعامة. وهي للمختار بعناية (يلزم تصريح خاص وإجراءات أمنية صارمة) رحلة في قلب الغموض والأسرار (Columbia Insights, June 28, 2025).

قامت جهات عليا بمصادرة أغلب وثائق اختراعات الدكتور نيقولا تسلا (الظاهرة للبشرية)، وبعد ذلك اودعت مراكز أبحاث سرية بألاسكا لتطويرها عسكريا!، ومنها “القوة عن بعد” (كما أسماها تسلا)، أو “شعاع الموت” (بلغة الصحافة)، تلك القوة الأخطر في الأرض! وهكذا توظف الصحافة الأمريكية الأشياء والأحداث لأهداف غير معلنة، فبعد (أو قبل) أن غيب الموت (أو اغتيال) “نيقولا” عالم الفيزياء الكهربائية والمغناطيسية (1943) أبدلت الصحافة صفة شعاع تسلا من الموت إلى السلام! في طرح ذو بعد واحد ينزع القوة من الآخر (الاستسلام القهري)، تحت تهديد الفتك بأي دولة (خلال بضع دقائق)! ولذلك سعت المملكة المتحدة لشراء براءة ذلك الاختراع لدعم الأمن الحيوي للبلاد، بينما يزعم البعض أن صفقة قد تمت بين الاتحاد السوفيتي ونيقولا تسلا (1935) لامتلاك براءة سلاح الحرب عن بعد؟!

استشرف تسلا (قبل سنوات من نشوب الحرب العالمية) صلاحية ألاسكا كمنصة لذلك السلاح الجهنمي، بدلالة أهميتها الاستراتيجية للولايات المتحدة، فهي تفصل بين قارتي آسيا وأمريكا الشمالية، وتمثل أقصر طريق بحري وجوي بين المحيط الهادي والمحيط المتجمد الشمالي. ذلك الموقع الأقرب إلى القطب الشمالي، والمنصة الأنسب لإبراز القوة العسكرية للولايات المتحدة (تصريح رتبة عسكرية كبيرة أمام الكونجرس عام 1935)، لموقعها الأساسي في نظام الدفاع الصاروخي الفضائي الوطني. ولاختصارها المسافات بين الممرات الجوية والبحرية الكبرى، كانت الصين وروسيا من أكثر الدول المستفيدة من ذلك، بشكل روتيني لتحقيق منفعتها الاقتصادية. ولما كان الجليد العقبة أمام الملاحة لقرون، يسعى المستكشفون والمغامرون لإيجاد طريق من أوروبا إلى آسيا عبر أعالي كندا، وهناك شكوك وراء ارتفاع درجة حرارة القطب الشمالي بمعدل يفوق بقية الأرض، وعلاقة ذلك بسلاح ألاسكا الخيالي الذي قد يساعد في تراجع الجليد البحري وذوبان الأنهار الجليدية، مما يجعل مياهاً واسعة من المحيط باردة وليست متجمدة، ويسهل من استغلال المخزون الاستراتيجي للقطب الشمالي من الموارد الطبيعية، وأهمها المعادن النادرة!

وتعد مراكز أبحاث الغلاف الأيوني العائدة لوزارة الحرب الأمريكية في ألاسكا شديدة الخطورة، والتي تدعمها كثير من المؤسسات البحثية المستقبلية، منها نحو (15) جامعة ومعهد علمي، وعلى رأسها جامعة ألاسكا (المعهد الجيوفيزيائي). ويربطها برنامج موحد يستطيع المرور بسهولة من خلال كل هيكل (غير محمي) على كوكب الأرض، مع امكانية نقل كميات هائلة من الطاقة إلى مناطق جغرافية محددة، بواسطة سلسلة من المرايا الاصطناعية (في طبقة الأيونوسفير)، لتسليم الشعاع الكهرومغناطيسي من خلال معدات النظام الأرضي بدقة فائقة. إنه برنامج لأداة متعددة الأغراض، للكشف عن الهياكل تحت الأرض، والبحث عن الموارد الطبيعية، لمعالجة قضايا الأمن القومي، والتواصل مع الغواصات، لأغراض المراقبة، ودراسة خيارات جديدة للاتصالات الاستراتيجية. والغرض المعلن، هو توفير مرفق بحثي لإجراء تجارب رائدة في الغلاف الأيوني، وصولاً لتكنولوجيا التحكم فيه لأغراض الاتصالات والمراقبة!

علاوة على توجيه الطاقة لتدمير صواريخ العدو وتعطيل الاتصالات، وأخرى غير معلومة! فهل ستظهر أسلحة مضادة لذلك الشعاع الخارق للطبيعة؟ بينما ستظل ألاسكا بموقعها الاستراتيجي، وأسرارها العسكرية، منصة للتحكم في الأرض! وقد تدخل في صفقة سياسية، بحسب مجلة نيوزويك (14 أغسطس 2025) ونشرها خريطة حوافز بسواحل ألاسكا ليغري بها الرئيس الأمريكي نظيره الروسي لإنهاء حرب أوكرانيا؟! واستكمالاً للتصور الجغرافي، تواجه ألاسكا من الشرق شبه جزيرة تشوكوتكا الروسية، وترى التضاريس في هيئة الدب العملاق (التاريخي)، فاغر الفاه على زئير الدفاع عن موئله أم من حنين لشطره الآخر (ألاسكا)؟ إنها لوحة شكلتها الطبيعة بالأسرار والخيال، في جنوب المحيط المتجمد الشمالي.

ويبقى هذا الجزء الأخطر للتحكم في الأرض حكراً على الولايات المتحدة، وهناك دول أخرى (تعمل في سرية) لتطوير أسلحة جيوستراتيجي خيالية، ويزيد الأمر تعقيداً دخول الذكاء الاصطناعي في الخيال ومستقبل الحرب، وتبقى صعوبة التنبؤ بالمستقبل متلازمة مع ما هية الزمان؟!

 

 

 

 

مقالات من نفس القسم