محمد عطية محمود
ثمة تعانق مع التفاصيل المألوفة للحياة من خلال نصوص المجموعة القصصية “لكنه لم يفعل“، الصادرة عن دار المفكر العربي في طبعته الأولى 2024 للكاتبة المصرية “حنان العطار“، والتي تغوص في شجون أنثوية ترتبط بإيقاع الحياة المتباين بين السرعة والبطء، بين الرتابة والقفز، فيما بين الإحساس بالسعادة والشقاء، والجنوح إلى البوح، وما بينهما من علاقة بينية تصنع مواقف إنسانية يضطرم بها الواقع، وتسمو نحو الفكرة التي تروم تجسيدها من خلال موقف/ حكاية بسيطة تستلهم علاقات مبتورة في أغلبها، ربما عبرت عن بعض حالات من عدم اتزان تقابلها حالات أخرى من الاتزان، ربما كانت استيعاضا عن ربكة أو فقد أو ضياع، أو التماسا لحالة من الهدوء النسبي بعد العاصفة الإنسانية، أو الدخول في حالات/ محاولات للخلاص تبرزها الكتابة وتلعب عليها من خلال محاور متوازية ومتقاطعة مع الحالة النفسية التي تنتاب النماذج الأنثوية المعبرة عن قضايا داخلية وأزمات تعبر عنها الحالات الخاصة والمرتبطة بالنظرة للوجود، وكملمح من ملامح القلق الوجداني المشوب برغبات في الدخول في حالة مغايرة قد تنجح النصوص في التعبير عنها بدرجات متفاوتة..
ذلك التوجه الذي يشغل الكتابة، وتريد المضي به كمنهج لها، وكاتصال لا انفصال عن الحالة المرئية والمرموز إليها على حد السواء، وهو بروز لازم لسبر غور الحياة من خلال نصوص سردية لا تتوقف عن تسجيل الموقف الإنساني وتضفيره بما يتساوق مع الفكر والمنطق والأيديولوجية الخاصة التي ربما ظهر من خلالها صوت الكاتبة لتعبر عن رأيها الضمني في سياق الأحداث، وكأن النصوص عنقود متدل من مشاهدات حياتية/ سيرية ربما استمدت منها الكتابة هذا العبق وهذا الحس بالأزمة الإنسانية في مستواها العاطفي الوجداني المتأثر بعوامل الواقع والأزمة الخاصة؛ ففي نص “نحو الحنين” يتولى السرد بضمير الغائب حالة أنثوية خالصة، يرصد من خلالها معاناة الأنثى في حالة مخاض، مع ارتباطها بواقع خارجي ربما كان جزءا من سيرة حياة، وهو يصور تعبيريا تلك الحالة من الخارج بإيقاع تغلب عليه المشهدية المستمرة بالفعل المضارع المحايث للحالة والمسجل لها والمتعايش معها على نحو ما تقول:
“ليالٍ أمضتها مذهولة، تفر إلى شرفة تلتمس فيها بعض هواء وشعاع نور يكشف لها في الوراء وحشًا متكومًا كانت قبل لحظات فريسته، فتظل دومًا في المنطقة الوسطى بين واقع صادم وحلم غض، تفقد السلطة على جسدها، بل ويتتابع السطو عليه كأنه ليس لها، فتستقبل جديد ألمه بدوار وهزال، وتتحسس تكورًا وتضخمًا يتطور يجعلها ملء المكان، وتواصل مهادنة غربتها بكتاب وأغنية” ص7.
هذه المعاناة الوجدانية التي تعبر عنها الكتابة بالانغماس في الداخل الذي يصور حالة من التماهي مع الذات والتعاطف معها، وجلد الواقع الخارجي ضمنيًا من خلال تلك التهويمات المعبرة عن الواقع الداخلي للحالة بتلك التركيبة النفسية التي تقع بين الثنائيات المتضادة ما بين الليل والنهار والضوء والظلام التي صورته بالوحش الكاسر إشارة إلى الليل وإلى كل ما ينغص هذا الوجود الذي يحبل بمولود جديد في أحشائها كأمل في حياة جديدة، وهو ما تعبر عنه بالمخاض وارتباطه بهذا القادم الذي تنتظره الشخصية الأنثى لمواجهة العالم به، بأي شكل من أشكال التعاطي مع الحياة، مع إيمان كامن بأن الأمل يولد من رحم الألم، وهي الفلسفة الضمنية أيضا التي تجعل الشخصية تسترسل في هذا الحلم الممتد بكل وعورته وصعوبته انتظارا دائما لما هو قادم ربما صنع علاقة من نوع مغاير لتلك العلاقات المادية التي تسم وجودها في العالم كأنثى، وهو ما يكرسه النص بقوله:
“ساعة المخاض المتعسرة، وآلام رهيبة، وقادم يريد الخروج من أحشائها لا محالة، جعلوها في منطقة غياب تألفها مع الوجع والخوف والوحدة، تستيقظ من غفوة طويلة، فإذا بزحامهم حولها، ومهد يحوي لفافة وردية كبيرة، يصدر منها صراخ كائن، تهرب من حقيقة انتمائه لها، تعده أمانة سلمتها كفعل شرط تنتظر جوابه، كل ما شغلها كيف سيستقيم عودها، وتجر رجلها صباحًا لتواصل اختبارات عامها الجامعي الأول“. ص8
هنا يشتبك الحلم مع الواقع الضاغط على وعي الشخصية في كمونها/ بقائها على فراش ألمها، مع حالة الربكة التي تنتاب الواقع الغض الذي يمثله شباب تلك الأنثى التي تجترح التجربة للمرة الأولى بوعي مضطرب وغير مستوعب لما يمكن أن تكون عليه حياة تنبثق من خلالها، كي تستمر بها، فالإفاقة على الواقع الذي يطاردها يجعلها في تلك الحالة من الاستسلام وعدم الاستسلام في وقت واحد مع التسليم بتلك الحقيقة الثابتة لديها بعدم جدارتها بتلك الأمانة/ الحياة الجديدة في مثل هذا التوقيت الأصعب بالنسبة لها، وهي مازالت في طور الدراسة، وهو ملمح اجتماعي تسقط عليه الكاتبة هذه الحالة من البداية الزوجية مع عدم التحقق الشخصي أو الشروع فيه.
“فجأة تنسحب منها روحها ويغلبها البكاء، وتتملكها حمى بهزة عنيفة، يتبعها انبثاق يغرق كل ملابسها، وتفوح رائحة حليب ثائر من مكمنه، رغبة لتعطش طالبه. وأيقنت أنه كان ينبغي عليها مراجعة درسي الاستثناء والمفعول لأجله، تلقي بأوراقها محاولة النهوض، وتطلب الخروج متوجهة بكل وهن وتعسر، يغلبه شوق نحو ما يجذبها من الحنين“. ص9
بلعب الحنين هنا دورا مفصليا في تحويل الشخصية من منطقة عدم الوعي إلى منطقة الإدراك بأن الحياة تناديها، وعليها أن تشتبك في عدة محاور للوجود، ما يشكل أزمة الوعي التي تجابه الأنثى بها الحياة في وجهين مختلفين في الوقت ذاته، وهي قضيتها في تحقيق ذاتها الهشة، وقضيتها الأخرى في كونها بوتقة لخلق جديد يخرج من أحشائها يشكل في وجدانها ضلعا جديدا ومعنى جديدا للوجود، تعبر عنه من خلال استلهام مفردتي الاستثناء والمفعول لأجله من خبرتها بما تدرسه، من خلال التوظيف المعرفي لقواعد اللغة، ومن جهة أخرى من خلال هذا الحنين/ القنطرة الجديدة التي تربطها بالحياة إلى جانب كونها ما زالت تؤسس لوجودها الأساسي وسط ما حولها، ولتكون فاعلة بعدما كانت مفعولا بها واستدراجها من مرحلة المراهقة والصبا إلى مرحلة النضوج والمساهمة الفعلية في بناء الحياة، مع قدرة الضمير السارد هنا على الغوص والتعبير عن الشخصية الأنثى والغوص فيها بالصورة الحاكمة التي ترسم للشخصية طريقا محكما لا تحيد عنه وبالصورة التي تشبع نهم الأنثى لتأكيد هذ الوجود الجديد.
***
اشتباك آخر مع طقوس الحنين إلى حياة جديدة، وحس مغاير لما يفرضه العالم على وعي الأنثى قد نجده في نص مثل: “حضن أنس“، الذي تتحول فيه الشخصية المسرود عنها أيضًا إلى حالة من حالات الضجر ومحاولة التماس ما يغير الحالة المزاجية المضطربة، والتي ربما امتدت من النموذج السابق كملمح وجودي معبر عن سلوك للشخصية تفرضه بواطن الأمور التي ربما تكشفت من خلال النص، ومن خلال السؤال الذي توجه الذات لذاتها ويعبر عنه النص بقول سارده الخارجي (الذي لو كان ضميره متكلما أو مخاطبا لكان أكثر تأثيرا):
“ترى هل كانت قناعتها واهية وثباتها افتعالا وهدوؤها قلة حيلة؟ حتى إن حادثة موت أختها تعيدها عند نقطة الصفر على عتبة الحياة، تكشف لها عن عورة السكون ووهم الرضا.” ص13
لتعبر عن حالة من الثبات السلبي مع الواقع وعدم رضا الذات عن نفسها في مواجهة الملمات، ومن ثم الاحتياج إلى ما يشبع تلك الحالة النفسية من انفعال قد يغير أو يخفف من وطأة ما يعتمل داخل الذات التي فقدت ثقتها في هذا العالم المحيط (والذي ربما جعل أنثى النموذج السابق لا تكاد تصدق أن الجنين الذي كان في أحشائها صار وجوده حقيقيا كجزء واكتمال لمسيرتها للحياة ومرتبط وملتصق بها لا بغيرها)، ليكون رد الفعل هو اللجوء إلى حضن جديد يعبر عنه هذا الاحتياج:
“صراع، صداع، صراخ داخل رأسها، لا ينتج عنه غير أنها تسرع السير، لكن إلى أين؟ قادتها قدماها إلى أبواب صديقتها الرقيقة التي تصغرها كثيرًا، لكنها تمتلك براءة الملائكة، وحضنًا دافئًا يسع كل أوجاعها.. وراء الباب عيون فرحة، وأذرع تلملم شتاتها، وضمّة تعيد توازنها، وأحبتها الصغار، وكان من بينهم عضوهم الجديد “أنس” ثلاثة كيلو جرامات، وعينان ترسلان النور، وصراخ يثبت الحضور” ص14
تعبر تلك المحطة الإنسانية عن مدى رغبة الأنثى في الحضور الإنساني المبهج الذي يحرك نوازع الحياة في الذات ويجدد الخلايا، كما يعمق من حالة الفقد المضادة التي تنتهب المسرود عنها الحائرة، ومن ثم يحاول تحطيم النموذج السلبي الذي تتوقع داخله الذات بعيدا عن تلك الانفعالات التي تشعل الوجود، وتعمل على إحاطة الحياة بلهفة التواصل والحميمية التي ربما كانت مفتقدة أو تمثل نقطة افتقاد دائمة في حياة تلك الأنثى التي تلتمس وتسعى نحو نقاط تحولها واشتباكها مع بهجة الحياة، ويبعدها عن الصراع مع الذات، والتي ربما وجدت السبيل للخروج من تلك الربقة في نموذج الطفل الرضيع “أنس” بدلالة الأنس في اسمه وفي وجوده الذي يبهج وجودها وربما أعادها للحياة كمفارقة إنسانية إيجابية:
“تحمله بين ذراعيها، تضمه إليها، تهدهده، تمسح على شعره، تتلمس نعومة وجهه، تشم منه كل روائح الخير والجنة، تغنى له بصوت خفيض وناعم، تقترب به نحو مصادر النسيم الرطب، يسكن أنس، ينام بعمق، تظل تحيطه بذراعيها، تقرّبه من مكان نبضها، كانت دومًا تجيد هذا الدور في احتواء الجميع ومنحهم السكينة” ص14
ليعيد وجود الرضيع واحتواؤها له وامتصاص صخبه وأرقه في مشهدها الخاص، أهمية الأنثى المسرود عنها، لمكانتها الحقيقية التي ربما افتقدتها كمصدر قديم للسعادة والبهجة، وكاستيعاض عن حالة الفقد التي جعلتها تدخل في حيز ضيق يجبرها على التقوقع والانعزال ومن ثم غياب نسيم الحياة عنها، وهو تعميق للفطرة الإنسانية التي عادت إليها باحتضانها لهذا الطفل الذي أعاد لها الحنين إلى معانقة الحياة مرة أخرى واستلهام أسباب السعادة كوجه آخر مضاد لما كانت تعاني منه:
“صارت هي وأنس على المسافة نفسها من الحياة، وبالسجل الأبيض نفسه، وبكل الفرص والوعود بالأجمل” ص15
وهي ربما المعادلة التي ترسم بها ملمحًا آخر من ملامح الأنثى المفتقدة للأمان والاستقرار في نص “احتمال نجاة“، وهي تعيد تفاصيل الوجود الخاصة بها من أجل حالة من حالات الخلاص، ومن خلال سارد عليم أيضا يهيمن على تلك المقدرات ويفلتر تلك المشاعر ليضعها دائما في مواجهة مع ذاتها، وكأنه يذكرها دائما كدور الرقيب بتلك الندوب والذكريات التي تغطس في داخل الذات:
“متحمسة ترسم درب الأحلام، ساذجة تحسبها قريبة، وغبية تكرر الأخطاء، وحيدة رغم الزحام، عندهم صغائرها كبائر، وبراءتها افتعال، وطموحها جموح، حضورها يزعج وغيابها تقصير، عبثًا تصنع أبطالها من ورق، تعود دومًا خالية اليد، لكنها تسلك كل الأنفاق لنهايتها علّها تبصر نورًا. تأخذها من أفكارها الضجة حولها وتداخل المشاهد، زحام وضوضاء، وداع واستقبال، لهفة وانتظار، أطفال يفلتون الأيادي وأحبة يتمسكون بها، قهوة وشاي، زجاجات مياه مملوءة وفارغة، حقائب متراصة في كل جانب، وجوه طبيعية، فيعود إليها شيء تفتقده من عادية الحياة” ص29
يرسم المشهد نفسيا وماديا في محطة قطار، دالا على المضي في طريق جديد ومحاولات لإصلاح ما اعتور في مسيرة الذات، الحالة المرئية والخارجة من الداخل على حد السواء التي تعمق الإحساس بحالة الهروب من الواقع المحيط بالشخصية التي تستسلم لانطلاقتها نحو اتجاه آخر غير محدد دلالة على الخروج من شتات إلى شتات جديد، وربما البحث عن الخلاص أيا كانت صيغته، وهو ما يجعل نموذج الأنثى متأرجحا متأثرا بقلق وجودي مفعم بالعديد من المشاعر المتضاربة والتي تختار الرحيل دائما عن ذات الموقف المتسائل عن ماهية ما تفعله الحياة ومواقفها تجاه الشخصية/ الأزمة، حيث تترك الأنثى كل شيء وتمضي تكريسا لتلك النزعة في الخلاص التي تبدو من خلال حالة الاستعداد الكاملة للفرار/ الخروج من حالة سابقة/ حياة تبدو بعيدة نفسيا عن الشخصية في تلك اللحظات الحاسمة من وجودها:
“نظرت إلى ملابسها فتأكدت أنها ترتدي بنطالًا واسعًا يسهل لها ما أرادت ويمنع عنها الحرج، لكن أوقف سيل خططها نداء عن موعد قيام رحلتها، فأعادت التأكيد على رباط حذائها الرياضي، وأمسكت تذكرة سفرها، وعلّقت حقيبة يدها ومضت مسرعة. نظرت وراءها للحظة فاكتشفت أنها تركت حقيبتها الضخمة، فلم تكترث ومضت“. ص30
***
يمثل نص العنوان “لكنه لم يفعل” كشف لثام عن مفارقة وجودية، وقصة حب غير مكتملة/ أمنية لم تتحقق لأنثى تشاركت وجدانيا مع فتى أحلامها، من خلال استيهام تستعيد من خلاله تلك الحالة أطيافها السابقة عبر شاشة التلفاز التي تنقل بثا للحبيب القديم، وتقدمه بين يديها كنوع من المكافأة الوجدانية، لتستعيد تلك المشاهد المشبعة بالعشق الذي يفتح بوابات الشوق والحنين، كنوع من الخلاص من حالة آنية لا تملك حيالها سوى الاستسلام والخضوع، ولكن ربما كانت تلك المشاهد تصنع حياة جديدة وتمثل خلاصا جديدا لآلامها، على المستوى الآني
“تسرع نبضات قلبها وتسقط دموعها، كم هي مشتاقة إليه، تفتقد حضوره وونسه، تموت كل لحظة من فراقه، تقترب من الشاشة وتركز النظر عليه، تراقب ملامحه وردود أفعاله، إنها تعلم أنه يفتقدها، ويشقى بالفراق، تعرف أن نظراته الزائغة تبحث عنها، وأن ملامحه الواجمة تنطق صراعه في غيابها. تتملكها رغبة في الصراخ، أرادت لو أن صوتها يُسمع ضيوف حفله، فتخبرهم أنها الأحق بالاحتفاء به، هذا الوقور الهادئ هو طفلها الذي طالما هرب من الزحام وجري إليها لتعيد إليه نفسه التي تتبعثر وسط صخبهم، هذه طلته التي تحبها، وألوان ملابسه التي تفضلها، هذه يداه التي شدت على يديها وعبرت بها العثرات، وعيونه التي تقرؤها في الصمت وترعاها” ص59/60
ما يفتح الباب أمام سيال من الذكرى التي يستدعيها النص بحسه المتغلغل في ذات الأنثى أيضا، لتلخص تاريخا خاصا من تلك العلاقة وتعبيرا عن رغبة في الاكتمال والتوحد وتعبيرا عن كونها مركز ثقل للعلاقة وموجهة لها وأقدر على احتوائها بنزق الأنثى البادي على رغبتها في الاستئثار بتوجيه الأمور واحتوائها والتحكم في مساراتها كعلة وميزة تتمتع بهما وهما على النقيض الذي تجمعه في ذاتها الداخلية المبحرة دوما في الحيرة وتقصي حالات الألم :
“تذكرت عشهما الذي شرعا في إعداده، وفرحة القرب التي كانا ينعمان بها، تفاصيل كثيرة تتراءى أمامها، تزيد من ألمها وحنينها إليه، لكنها أيضًا تذكرت أنها لم تحتمل أن تراه مهزومًا، أسيرًا لذكرياته الأليمة وعقده القديمة، لم تستوعب أوقات انطوائه وصمته غير المبرر، تردده المميت، وغيابه دون إنذار، وغيرته المرضية، فمعركتها مع الحياة قد أشبعتها أرجحة وأنين. إنها تعي لماذا قررت أن تغيب، كانت تمنحه فرصة ليتحرر من هزائمه ويعيد حساباته، لعل الفقد يغيره، انتظرت أن يفهم، أن يعود، ظلت في انتظاره، لكنه لم يفعل” ص60
يعبر الحكي هنا عن سبب الاختلاف وعدم توحد المصير والتأكيد على بحث كل من الشخصيتين الظاهرة/ الأنثى، والظل/ الرجل الذي تحوله رغبة احتوائها له إلى مجرد ظل، كي تكون هي الفاعلة وليس المفعول بها، وهي المشتبكة دائنا في معركتها مع الحياة، وانتظار ما لا يتحقق.. ما يشعل أزمة القلق الوجودي مع تكرار محاولات الخلاص التي تنتاب الشخصيات الأنثوية المختارة التي مثلت عصب المجموعة القصصية التي أراها تبشر بكتابة جيدة، لابد من اكتمال جديتها من الالتفاف على مضمون القصة القصيرة بتعدد استخدام الضمائر السردية المتوائمة مع الحالة السردية، وعدم الالتزام بضمير سردي واحد فقد يحتاج النص السردي في أحيان كثيرة إلى تنوع الضمائر فيه أو استحسان ضمير سردي عن آخر ربما أكسب النص مصداقيته بصورة أكثر تعبيرا وفهما لمتطلبات الحالة السردية..
…….