ما انا بكاتب، تركت يدي تعبث بمؤشر الراديو، جاء صوته خربشات لا تفصح عن شيء، اغلقته واستعذت بالله، فقالت الملائكة: لم تأتي تعليمات جديدة بخصوصك، انتظر غداً، وقال حظي في الجريدة: انتظر الكثير من المفاجأت السارة.. اموال في الطريق إليك، وقال علاء الديب: تعلم ان تحي مع الاحزان، وقال سائق توك توك: دنيا مالهاش امان، وقال حسن الاسمر في ميكروباص سيارة: اتخدعنا..اتخدعنا..انا وانت يا قلبي اتخدعنا، وحطت نحلة على زهرة وقالت: لم يعد يوجد عسل، وقالت امرأة وهي تعبث في سرتها: الويل لك أن لم تضع رأسك هنا، وقالت ابنه اختي ذات العامين: بحبك قوي.
اكتب، ما انا بكاتب، لا تفتح قبلك وعقلك مرة اخري لاحد، اكتب، اكتب.. ما انا بكاتب، واتضح لي ان حزني يغمرني في بئره، فلم يعد حزني قادر على أنغام الموسيقي، فقدت الموسيقي قدرتها على اثاره اشجاني، فقال خفير: الكلاب الضالة تعرف الطريق إلى ما تريد، وقالت صورة أبي: لم تسمع نصيحتي، اياك – مرة اخري- ان تصادق التافهين.
حاولت الخروج من اي باب من ابواب الحزن، لكنه تلك المرة كان محكما، حتي باب الذكريات اصبح ضيقا، عاد ابي وقال لي: انت في عصر تنق فيه الضفادع بأبيات الشعر.
تركت صورة أبي معلقة على الحائط الفارغ، ووضعت رأسي تحت صنبور المياه، لم يصلح في غسل حزني، جربت أنت اشق الجدار كما كنت افعل في الماضي واتجول في اي مكان يأتي به، لكن الجدار لم يشق، ولم تخرج منه خيول اجيد امتطائها، حتي اسراب النمل، سدت شقوقها، حاولت جذب عنكبوت للحديث معه، فاتضح انه مشغول بحزنه الخاص.
في نهاية اليوم، حضن امي استقبلني، ووضعت راسي في حجرها، انهمار الحليب الدافيء من ثديها امدني بالطمأنية، عبثت في شعري، وربتت على صدري كي تخرج الحزن، ولكنها لم تفلح، قالت عليك بالصلاة، توضأت واتجهت إلى الله أن يصلح حالى ويزيل همي، بعدها بدقائق طرق باب الشقة جامع القمامة، قلت له لا توجد قمامة، قال: انا قادم لاخذ حزنك، فرحت، حاولت أن اخلعه من قلبي، ان اجذبه من عقلي، فشلت، انصرف الرجل، فقالت بائعة الخضراوات على رأس الشارع: جمجمتك تخلو من الافكار الشريرة مثل ملكة النحل، وقال امام المسجد: يعوض عليك ربنا، وقالت نمرة سيارة: طظ، وقال صديق وهو يلف سيجارة حشيش: تغور، واجتمعت بعض الكتب في مكتبتي وقالت بصوت جبار: متي تعود إلينا..افتحنا..ونحن نزيل عنك كل الحزن والمرار.
لم استطيع مد يدي لسحب اي كتاب، كانت جحافل الحزن تحيط بي من كل مكان، وانا لم اتعود على حزن اقوي مني، فقال رجل يعمل في استخراج الثعابين: من يربي في بيته حيه يجب أن يلدع، وقال غلاف كتاب عند بائع الجرائد: لا تحزن، وقالت عيون فتاة قابلتها مصادفه: اريدك، وقالت صديقة قديمة: اقنعة، وقالت حبيبة قديمة: اين ضحكتك؟، وقالت يمامة لصديقتها: سوف اتوقف عن وضع البيض حتي يفرح، وقالت صورة لفتاة صغيرة باكية: إذا بدأت في البكاء فلن تتوقف احزانك، وقال أبي: روق.. روق، وقالت جدتي: قدر، وقال ضابط شرطة وهو يفتش جيوبي: لا يوجد معه الا حزنه، وقال الطبيب: الشافي هو الله..عليك بالصبر..وقال الصبر: لم يعد يوجد متسع لك..اذهب للماض، فقال الماضي الجميل: المجد لك..
خرجت لشرفتي، كانت الشمس قد فعلت ما وعدتني به ولم تشرق، جلست، لا يوجد قمر، جاءتني بنات الحور باكيه ملتاعه، ربت على اكتافهن، وحاولت الابتسام، اشعلت سيجارة ونفخت في وجه الكون كل الغضب، وخلعت ملابسي، واخرجت قلبي، كان ساخنا بشدة، اخرجت احزاني، وبدأت في ترتيب احزاني حزنا حزنا، فقال الحزن الكبير: هذا قدرك، وقال الحزن الاوسط: لا اعرف ماذا تفعل، وقال الحزن الصغير: لم نعد نميل للممازحة.