محمود سلطان
كَمْ أحببتُكَ..
يا شارعَ “شامبليونْ”
كُنتَ الجارَ.. جِدارًا بِجِدارْ
يَعرفُني كلُّ زُقاقْ
والأسفلتُ المُتشققُ حُفرًا
مٍثلَ كَمينِ الشُرطةِ.. مِنْ أوَّلِ دارٍ ولآخرِ دارْ
وعلى الشُّرفاتِ يُعلقُ من رجليهِ قمرُ الليلْ
ونهارُكَ ليسَ نَهَارْ
كم أحببتك يا شَارعَ “شامبليون”
تعرفُني رَائحةُ البُنِّ.. وعبدُ الخالقِ ثروَتْ
ونقابةُ صُحفيين.. وقدَ طالتْ قيلولتُهَا
نزلتْ من طابقِهَا الرابعْ
مِنْ غيرِ إزارْ
تمشي حَافيةً في شَارعِ رمسيسْ
لا خاتمَ أو إِسوَارْ
تحملُ رأسَ القلمِ المُتَدلي مِنْ سُلّمِهَا
مثلَ يَسوعْ
مَشدودًا فوقَ صَليبْ
يتساقط مسمارٌ مسمارْ..
وهي تُرددُ مِنْ إنجيلِ الثورةِ والثّوارْ :
ما صَلَبُوهُ .. أو قَتَلوهُ..
فغدًا يأتي..
يُطمعمُنا مِنْ كَفيهِ الخُبزْ
ويُضيء على أطرافِ أصَابِعِهِ الأحبارْ
وتُضُاءُ مَساجدُ وكنَائِسُ وَفنارْ
كمْ أحببتُك يا شَارعَ “شَمبليونْ”
أحببتُ عَصَافِيرَكَ..
طُيورَكْ..
أعرفُ كمْ تغدو عِندَ الصُبح وهُنَّ جِياعْ
وتروحُ بِطانًا للأشجارْ
حتى البؤسُ المحفورُ تجَاعيداً حولَ عُيُونكْ
ومَاسحُ أحذيةٍ يُشبهُ وَجهَ القاهرةِ الكُبرىْ
ينتظرُ “القِرشَ” وفضلَ الخُبزِ المُرْ
وسَجلُ الأرصفةِ مَرارْ
والميكانيكيُّ.. ومَحالُ “الكُشريْ”
وشقاءُ الورَشِ المِلحيُّ
ونداءُ الباعةِ والتّجارْ
والسّريحةُ بالتينِ الشّوكيِّ
رائحةُ الخبزِ الطّازجِ
.. والخارجِ توًا مِنْ رَحمِ النّارْ
عُلَبُ الليلِ المكتظةُ بالأسرارْ
البَهلولُ التائهُ والمنسيُ.. ولا يسترهُ غيرُ الأسمَالْ
والشِيشةُ والكُحةُ..
والضّحكَةُ..
والرّئةُ المشجُوجَةُ بِسُعالْ
والشّحّاذونَ بلا كَفٍ..
والشّحّاذونَ علي الأطفالْ ..
والشّحّاذونَ بلا قَدمَينْ..
وقضينا.. يا شارِعَ شَامبليونَ العُمرَ غريبينْ
وإلى أنْ صِرتَ طريقي للميدانْ