الحب حتى آخر نظرة

محمد الفخراني
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

محمد الفخراني

يا رومانسى.

 تقول إنك تعرف أنك ستقابل حبيبتك التى تعرف أنت أنها هى هى، سواء عشْتَ عمرًا طويلاً أو قصيرًا، وليس شَرْطًا أن تعرف أنها هى هى بمجرَّد أن تراها وتلتقى عيناك بعينيها، تقصد ليس شَرْطًا أن تعرفها من أول نظرة، ولن يُغَيِّر هذا أو يُقَلِّل من كونها حبيبتك التى تعرف أنت أنها هى هى، لأن لحظةَ الحقيقة تتأخَّر أحيانًا، حتى فى الحب، وربما تتأخَّر فى الحب أكثر من غيره، تقول ليس شَرْطًا أن نعرف حبيبنا الذى نعرف أنه هو هو، هى هى، من أول نظرة، ويمكننا ببساطة أنْ نعتبر النظرة التى أدركْنا فيها أننا نحب هذا الشخص، هى بالفِعْل أول نظرة لنا معه، معها.      

تقول يا رومانسى إنك ستعيش مَبْدَئيًّا، على الأقل، 350 سنة، وتقول أيضًا إنك لا يهمُّك لو ستموتُ بالأمس.

طفلة تُحَضِّر لها إفطارها وتُسَرِّح لها شعرها كل صباح.

أنت لم تَنْسَ لحظة واحدة أن تُحِب، ولم تتذكَّر لحظة واحدة أن تُحِب،  ولديك حالة تعيشها مرتين أو ثلاث خلال السنة، غير مُحدَّدَة بوقت أو ظَرْف، تقول أنك تقف فيها على القضبان فى انتظار القطار، تقصد أن تظهر لك قصة حب، أىّ قصة حب، تمتد هذه الحالة، الوَقْفَة، لأسبوعين أو ثلاثة، تنتظر على القضبان، وفى ضميرك ونَيَّتِك وقلبك وروحك أن تذهب مع أول قطار يأتى، تترك نفسك له، ستذهب مع أول قصة حب، تذهب بالكامل دون سؤال، أو كلمة واحدة، لكن ما يحدث أن لا شىء يحدث، لا يمُرُّ قطار واحد، وبعد أن تبتعد أنت عن القضبان، تظهر القطارات، ومن كل نوع، تشعر بها وتراها تَمُرُّ حولك، تَحْتَكُّ بك، يلفحك هواؤها ودخانها وصفيرها، لكنك لا تلتفِتْ، تكون مشغول بمريضاتك، بعملك.. يا رومانسى يا اهبل.

لا يهمّ.. فأنت تنوى أن تعيش، مبدئيًّا، على الأقل، 350 سنة، لا داعى أن أقلق عليك، 350 سنة المُرَشَّحَة لتكون 500 أو 700 أو 900، ستكون كافية لتحصل على قطارك، أو ربما لا.. فلا شىء مضمون، ولكن لماذا أقلق عليك بعد 350 سنة؟ أنا حتى لن أكون موجودًا، سأكون قد رحلْتُ على الأرجح، وتكون أنت ما تزال تمارس وقوفك على قضبان السكة الحديد، يا اهبل، سنة بعد سنة بعد سنة.. بعد سنة… بعد سنة، والقطارات ما تزال، يا اهبل، لا تأتى أبدًا فى الوقت الذى تنتظرها فيه.. ربما القطارات هَبْلَة هى الأخرى.

لكن.. تَصَوَّر أنك طَلَّعَتَ الفكرة فى دماغى، لماذا لا أنوى أنا أيضًا أن أعيش 200 أو 300 سنة مثلاً؟ شُفْتْ؟ أنا أتحَوَّل إلى رومانسى، لا يهمّ، 300 سنة تستحق أن أكون رومانسيًّا بعض الوقت.. قليل منه.

شُوُف يا دكتور، أنا أُحَذِّرك، أو فقط أُنَبِّهُك، فأنْ تُكَرِّر وقوفك على قضبان القطارات بهذه الطريقة، سيأتى يوم، وأتوقَّع ألا يتأخَّر، ويعتبرك الناس مجنونًا، مجنون السكة الحديد، أو مجنون القطارات، ويقذفونك بالطوب، ويطاردونك وهم يهتفون ويشيرون إليك: “الاهبل اهو الاهبل اهو”، لن يمنعهم أنك واحد من أشْطَر الأطباء فى تُخَصُّصك، والأكثر رومانسية طبعًا، لكن رومانسيتك لم تكن لتمنعهم على أىّ حال، أنا فقط وجدْتُها فرصة لأُضيفها هنا.

لكن أرجع وأقول لك، ولا يهمّك، كم سيعيشون بالأساس؟ هم سيعيشون ويموتون وأنت ما تزال هنا، رومانسى أهبل عمره على الأقل 350 سنة.

بمناسبة الوقوف أمام القطار:

 أنت تعرف عن نفسك، وأنا أعرف عنك، أنك تقف لأسبوعين أو ثلاثة فى السنة بانتظار القطار، لكن قلبك مفتوح طوال الوقت، كل دقيقة وكل ثانية، بابك مفتوح، بالأساس ليس لك باب، قلبك مُشْرَع فى كل اتجاه فى كل وقت، وبالمناسبة.. أنا أسحب تحذيرى لك من تكرار الوقوف أمام القطار.

بمناسبة الحب من أول نظرة:

أيُّهما، أو هُما معًا: الحب من أول نظرة، أم الحب حتى آخر نظرة؟

سَهْل أن يقع أحدنا فى الحب من أول نظرة، لكن مَنْ مِنّا يضمن لنفسه أو لغيره أن يُحِب حتى آخر نظرة؟

من الرومانسية أن نعرف حبيبنا من أول نظرة، ونرى فيه ومعه تلك الشرارة، الشىء المختلف، التفصيلة الصغيرة التى تلمس داخلنا، هذا شائع، ورومانسى فِعْلاً.

 لكن ربما الأكثر رومانسية، وتَماديًا فيها، ألا نعرف حبيبنا بالنظرة الأولى، فنقابل شخصًا ما، ونستَبْعِده أن يكون حبيبًا، نضعه فى مكان آخَر مُهِمّ، أو ربما لا نضعه فى مكان، وفيما بعد، عند النظرة المئة أو الألف، أكثر أو أقل، نكتشف أنه حبيبنا، ويا للنباهة، قد نستغرق سنوات، ولا يكون اكتشافنا هذا بسبب أننا عرفنا هذا الشخصَ أكثر، أو لموقف كبير أو مُهمّ جمَعَنا به، ولا حتى لأننا رأينا فيه ما لم نَرَه من قبل، فقط يحدث فجأة، كأنها النظرة الأولى، وإنْ كان هناك سبب فهو أننا ربما عرَفْنا أنفسنا أكثر، لا.. لا، الحقيقة أنه لا سبب، فقط نكتشف أننا أحببناه من اللحظة الأولى، أنه حبيبنا من أول ثانية رأيناه فيها، من أول نظرة، لكننا لم نكن نعرف.

فى الوقت نفسه، ربما لا نحتاج غير نظرة واحدة إضافية كى نعرف أن الشرارة التى رأيناها فى النظرة الأولى لشخصٍ ما، لم تكن شيئًا.

ربما هذا من ألعاب الحب، ألعاب النظَر.

وهل يحتاج الحب إلى النظَر بالضرورة؟ أىّ رومانسى أهبل، أو رومانسى فقط، أو أهبل لوحده، يمكنه أن يعرف الإجابة، ويفهم أن هذا ليس سؤالاً حقيقيًّا بالأساس، على أىّ حال، الإجابة هى: لأ طبعًا، لا يحتاج الحب النظَر بالضرورة، وماذا عَمَّن لا يملكون النظرة، أقصد النظرة المعتادة، كفيفى البصر مثلاً، يمكنهم الحب، صَحّ؟ ويقعون فى الحب من أول نظرة.. بطريقتهم.

لكن، لماذا أتكلم عن الحب من أول نظرة؟ قصَدْتُ أن أتكلم عن الحب حتى آخِر نظرة، ماذا كنت سأقول عنه؟.. إيه؟ إييه؟ نسيت، أو ربما فقط أردْتُ أن أطرَح الفكرة، وفَكِّر فيها أنت يا رومانسى، وغير الرومانسيِّين أيضًا، ومَنْ يتظاهرون بأنهم رومانسيون، ومَنْ يتمنّون أن يكونوا، ومَنْ لا يحبون أن يكونوا، ومَنْ ينكرون أنهم رومانسيون: الحب حتى آخِر نظرة. 

……..

* من رواية “لا تَمُت قبل أن تحب”، قيد النشر

 

مقالات من نفس القسم

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 12
تراب الحكايات
عبد الرحمن أقريش

المجنون