“الجلد الذي أعيش فيه”.. هوية جنسية شوهها الإنتقام

الجلد الذي أعيش فيه
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

 ضحى الورداني

منذ المرة الأولى التي شاهدت فيها هذا الفيلم -التي كانت منذ سنوات عديدة- وجدت انه لا يأتي على ذهني غير المثل الفرنسي “الإنتقام طبق يؤكل باردا”، لم أشاهد مثل واقعة الإنتقام هذه من قبل، وأرسلني المخرج إلى منطقة رمادية أجبرتني على التعاطف مع مغتصب من قسوة الإنتقام! هذا خلل كلي، لقد حطم هذا الفيلم معايير الإنسانية كلها بداخلي وأنا أثق أن هذا الغيوم أنساق له كل مشاهدي الفيلم الإسباني The Skin I Live In للمخرج ALMODOVAR ومن بطولة Antonio Banderas, Elena Anaya, Marisa Paredes ، قصة الفيلم مستوحاة من الرواية الفرنسية “ميغال” من تأليف تييري جونكيت والتي نشرت عام 1983 وتمت ترجمتها إلى اللغة الإنجليزية تحت عنوان “Tarantula” في عام 2003، ولكن مع بعض الإضافات الخاصة التي وضعها المخرج ألمودوفار بنفسه.

آليات إنتقام الجراح روبرت
تبدأ أحداث الفيلم بروبرت ليدغارد -أنطونيو بانديراس- جراح تجميل معروف ومتخصص في عمليات زرع الوجه يجري أبحاثه الخاصة داخل مختبره الذي بناه داخل منزله المعزول عن المدينة، ويقوم بإجراء وإختبار هذه التجارب على امرأة شابة تدعى فيرا -إيلينا أنايا- لمدة ست سنوات. وبعد العديد من عمليات زرع الجلد، يتمكن أخيرا من صناعة جلد أكثر سماكة ومقاومة عن الجلد البشري ويضعه فوق جسد فيرا. تقضي فيرا وقتها في غرفة مقفلة مجهزة بكاميرات تعمل أربع وعشرون ساعة في اليوم تمكن روبرت ومربية المنزل ماريليا -ماريسا باريديس- من مشاهدتها، لمدة 45 دقيقة من أحداث الفيلم يظل المُشاهد في حيرة حول حقيقة فيرا ولماذا تحتجز في هذه الغرفة؟ ولكن الصدمة تأتي عندما يلجأ المخرج ألمودوفار إلى الماضي عن طريق تقنية الفلاش باك وحينها يعلم المُشاهد أن فيرا في الأصل شاب يدعي “فينست” قام بإغتصاب ابنه روبرت تحت تأثير العقار المخدر مما تسبب في صدمتها وإنتحارها وعليه لجأ والدها إلى الإنتقام بحبسه وتحويله جنسيا من ذكر إلى أنثى.
سبق أن شاهدت العديد من آليات الإنتقام في الأفلام المختلفة وإن أكثرهم تفضيلا بالنسبة لي هو فيلم Gone Girl ولكن هذا الفيلم هو المرة الوحيدة الذي أشاهد فيها الإنقام عن طريق تحويل جنس الشخص المراد الإنتقام منه، استخدام التحول الجنسي كعقاب معارض تماما لفكر الطبيب الامريكي “هاري بنجامين” والذي كان أول طبيب مختص في الغدد الصماء وشؤون تغيير الجنس بإفتتاحه عيادة تخصصت في تغيير الجنس للأشخاص من الجنسين وهو من صاغ مصطلح “ألمتحولين جنسيا” عام 1953، فدكتور بنجامين يدعمهم بسبب الخلل الجيني الذي يتم ولادتهم به، اما هنا في الفيلم فنجد أن فينست رجل بلا اي خلل جيني، ولكن إنتقام روبرت هو ما أدى لتحوله إلى فيرا، ومع ذلك نلاحظ خلال أحداث الفيلم أن فيرا مجرد مظهر خارجي تحتجز فينست داخل جلدها ولهذا عندما تصبح الفرصة متاحة أمام فينست ينتقم داخل جسد فيرا بقتله روبرت ومدبرة المنزل ويرحل سريعا إلى أسرته الذي يأمل في الحصول على دعمهم جراء ما مر به طوال الست سنوات.

حيونة الإنسان
يمتلك ذكر النمر سمعة ليست بالطيبة بين العلماء لسرعة شعوره بالإثارة الجنسية بالإضافة إلى سرعة تلقيحه للأنثى في صورة شهوانية، من هذا المنطلق بالتحديد لجأ المخرج ألمودوفار إلى شخصية زيكا وهو الرجل النمر الذي آتي إلى منزل الجراح من أجل والدته مدبرة المنزل متخفيا في زي نمر بسبب سرقته لأحد المحال التجارية، وفور مشاهدته لفيرا على الشاشات يقوم بتقييد والدته والذهاب إلى فيرا من أجل إغتصابها وخلال هذا المشهد ندرك أن الوجه الذي صممه روبرت لفيرا هو نفسه وجه زوجته الراحلة والتي سبق ان خانته مع زيكا!
تتحول العلاقة كليا بين فيرا وروبرت بعد هذه الحادثة، فهي المرة الأولى التي يتأكد فيها من أن صنيعه امرأة حقيقية، وعليه يعطي فيرا مساحة من الحرية في مقابل وعدها له بعدم تركه والعيش معه كحبيبة، وبسبب هذا الإعجاب الذي وقع فيه روبرت تتبدل الأدوار ويصبح هو تحت رحمتها بدلا من إفتراسها، من الضروري ملاحظة محتوى القناوات التي كانت تبث على التلفاز المثبت داخل غرفة فيرا، فلم يكن متاح لها إلا مشاهدة الأفلام الوثائقية عن الحيوانات تمارين اليوجا، وأكثر من مرة كان القناة الوثائقية تعرض فهدا يفترس غزالة، ان هذا المشهد باللحظي بالتحديد يعبر عن نظرة كل من فيرا وروبرت للموقف الذي أصبحوا فيه، فهي تشعر إنه هجم عليها بأكثر من صورة كالتحويل الجنسي وسجنها، أما هو فقد أصبح يتلصص عليها منتظرا الفرصة من أجل تقربه منها متناسيا حقيقة انه الشاب الذي أإتصب ابنته وانتحرت بسببه.

أماكن مسببة للإختناق
تدور أحداث الفيلم بأكملها في أماكن مسببة للإختناق سواء كانت الأحداث تقع في فضاء مفتوح أو مغلق، فنجد المشاهد التي تدور في فضاء مفتوح لا تهدف إلا لغرض واحد وهو تأكيد أهمية الأماكن المغلقة فقد تم إغتصاب إبنته في حديقة المنزل الخاص بصديقته، وقد انتحرت زوجته في حديقة منزلهم عقب إصابتها بالحروق، وقد قام روبرت بإختطاف فينست في الطريق العام بعدما أصابه بحادث على الطريق، وقد اعطي روبرت لفيرا الأمان لأول مرة فجلست في حديقة المنزل بدلا من جدرانه ثم تمكنت من قتله والفرار من قبضته! أما الأماكن المغلقة فبالطبع تشمل أغلبيتها على مشاهد فيرا داخل غرفتها التي أصبحت حبيسة بداخلها لمدة ست سنوات! فما كان منها غير الكتابة بقلم تحديد العين الأسود على الحائط حتى لا تنسى الأيام والزمن.
مدبرة المنزل ماريليا واحدة من أكثر الشخصيات تعقيدا في هذا الفيلم، فقد تركت روبرت يقتل إبنها زيكا دون أدنى شعور بالشفقة بل انها أثناء متابعتها عبر شاشات المراقبة لروبرت وهو حامل المسدس تظل تردد جملة “أقتلها.. أقتل الإثنين.. هيا أقتلهما” هي لا تمتلك صفة الأمومة وقد أكدت ذلك لزيكا أثناء حديثها له “أنا فقط أنجبتك ليس أكثر!” ولكنها لا تكتفي بذلك بل إننا نكتشف خلال أحداث الفيلم انها والدة روبرت الحقيقية وذلك نتاج إتفاق مع الأسرة على أن تنجب من الرجل ويقوم هو وزوجته بتربية الإبن وأن تظل ماريليا تراعيه كمدبرة له، إذا فقد تركت الأخ يقتل أخاه دون معرفة اي منهما لحقيقة الآخر!
احتوى هذا المنزل على شاشات مراقبة مختلفة، فالشاشات صاحبة اللونين الأبيض والأسود توجد في المطبخ وتتابعم ماريليا يوميا، على عكس الشاشات القابعة في غرفة روبرت فهي ملونة وحديثة ويمكن أن يقرب الصورة على وجه فيرا كأنها معه مثلما يشاء، اللونين المختلفيين للشاشات لهما دلالة هامة، فشاشات ماريليا تهدف للمراقبة والشعور بالهيمنة وإتخاذ القرارات، فهي تريد مراقبة فيرا ووضعها تحت السيطرة، اما روبرت فشاشاته تمتلك صفة الحميمية والرغبة في القرب وكسر الحواجز المكانية والنفسية بينه وبينها ولكن الخوف يقبع بداخله.

الفن طريق للخلاص
لم يكن فينست ليتمكن من النجاة طوال هذه السنوات داخل هذه الغرفة المغلقة وداخل هذا الجلد اللعين إلا بسبب اليوجا والرسم والقراءة، فقد اهتم بممارسة اليوجا يوميا إلى أن أصبح لا يفارقها، كذلك الرسم فقد لجأ للرسم على جدران غرفته رسومات توحي وتعبر عما هو فيه، منها صورة رأس داخل المنزل وجسد انثى يخرج منه فهو فقد هويته الحقيقية داخل هذا المنزل وأصبح انثى في نظر كل من هو خارج سور هذا المنزل، ايضا الكتب ساهمت في مرور الوقت سريعا وكذلك الإنتحار فقد لجأ فينست إلى تقطيع جسده عن طريق ورق الكتب أملا في الإنتحار ةلك الجراح روبرت يظن نفسه إله ينقذه فهو لا يسمح له أن يختار موقفه من الحياة والموت كما يشاء.
قد يتسبب هذه المقال في إثارة العديد من القراء لمشاهدة افيلم ولهذا وجب التنوية إن هذا الفيلم لا يصلح للمشاهدة العائلية لما يحتويه من عنف نفسي وجسدي.

……………..

*عن “أخبار الأدب”

مقالات من نفس القسم