الديكتاتور: الصورة النمطية للعرب في استوديوهات هوليود

الديكتاتور: الصورة النمطية للعرب في استوديوهات هوليود
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام
  محمد فاتي يعتبر فيلم "الديكتاتور" الذي يمثل بطولته الممثل اليهودي ساشا بارون كوهين.. أحد الأفلام التي واصلت التشبت في خيط النظرة النمطية المستمرة للغرب اتجاه العرب، هذه النظرة التي طالما اعتدنا عليها في السياسة التسويقية التجارية لهوليود، والتي تحاول من خلالها ربط الإنسان العربي بقيود التخلف والجهل والوحشية والهمجية والشبق الجنسي، وتصويره في صورة الإنسان الشرير الذي يهدد أمن وسلامة وحرية العالم.  

وإذا غصنا في تحليل الجوانب الفنية التي حملها الفيلم، سنجدها مواكبة ومرافقة للدعاية الهوليودية عن كينونة الإنسان العربي (المتوحش)، فإذا بدأنا بالجانب المضموني للفيلم سنجد أن سيناريو الفيلم يجسد بطريقة هزلية كوميدية تعج بالسخرية، قصة ديكتاتور عربي متخيل “الجنرال علاء الدين” يحكم بلدا متخيلا أيضا “ودايا” يعيش حياة الطاغية الذي لا يرأف ولا يرحم حتى أبسط الأخطاء، وحياة المستبد الذي يعيش على ثروات شعبه وخيرات وطنه ، لدرجة أن حياته أصبحت تتسم بالبذخ والترف واللهو وتحقيق مبدأ اللذة بوجهيه، اللذة العاطفية الجنسية مع فتيات متنوعات، حيث يرسل المخرج في هذه اللقطات البرنوغرافية رسالة إلى المتلقي تجلي مظاهر الكبث الجنسي للإنسان الشرقي وشبقه الحيواني به، والوجه الثاني وهو اللذة السادية التي تميز شخصية علاء الدين، وذلك من خلال تمتعه وتفننه بأساليب القتل والاغتيال والتصفية التي كان يختارها لمعارضيه ولو لأسباب تافهة، كما يتبين في المقطع الحواري الذي أمر فيه علاء الدين بتصفية الخبير النووي لدولة “ودايا” نضال، لمجرد اختلافهما حول شكل الصاروخ المراد تصنيعه.

كما أن مخرج الفيلم يود التأكيد على فكرة مسبقة، طالما روج لها مخرجوا هوليود، وهي العداء والكراهية التي يكنها العرب لليهود، وهذا ما تنقله لنا الكاميرا في المشهد الذي يصور متعة علاء الدين وهو يقتل ويقطع رؤوس اليهود في لعبة إلكترونية ، وقد صور المخرج هذا المقطع بالذات ليكشف عن حمولته الذهنية التي يصبو نشرها في الوعي العالمي، وقد جاءت خفية في هذه اللعبة الإلكترونية حيت يتبين أن علاء الدين يمسك مسدس يقتل اليهود، وهؤلاء اليهود يستقبلونه بلفظ “شلوم” أي سلام ، وهنا تنكشف فكرة كوهين في اعتبار اليهود أهل سلام وترحاب، عكس العرب أمة القتل والإرهاب . كذلك تبرز هذه النظرة في المقطع الأخير من الفيلم حينما اختار المخرج نهاية ذات رسائل إديولوجية وحمولات دلالية ، فالمخرج اختار أن ينتهي الفيلم برضى الديكتاتور للديموقراطية، و أي ديموقراطية ؟؟ إن الديموقراطية التي كان ينادي بها ، ما هي إلا نعوت للفتاة التي وقع في فخ حبها كما يتبين في المقطع الذي يصور خطاب علاء الدين الحقيقي أمام الأمم المتحدة ، حينما ينتقد سياسة الأطماع التي تنتهجها الدول الرأسمالية التي تسعى لاقتسام الثروات النفطية لدولة “ودايا” مقترحة الديموقراطية الحقة التي يقترحها ، وحينما كان يتلفظ بأوصاف هذه الديموقراطية كان يصوب عينيه اتجاه محبوبته واصفا إياها بهذه الصفات ، ومن هي هذه الفتاة ؟ إنها فتاة أمريكية إسمها ” زوي” وسيتبين في خاتمة الفيلم أنها يهودية ، حينما باحت بهويتها أثناء حفل الزفاف لعلاء الدين ، وهذا ما جعل هذا الأخير يصدم لتلقيه هذا الخبر ، فتتغير ملامحه ويزداد غضبه ، لكنه سرعان ما يستعيد ابتسامته وحضنه لحبيبته ، وهذا المقطع الختامي للفيلم يحمل بعدين عميقين طالما أراد الهوليوديون تفريغها في وعي الإنسان ، وهي أن النموذج الأوحد والمتناسب مع الديموقراطية هو النموذج الأمريكي (الفتاة الأمريكية التي كان علاء الدين يصف الديموقراطية الحقة بأوصافها) ، أما البعد الثاني فهو أن اليهود أناس سلم وحب وترحاب ، هم السباقون للسلام والتزاوج الحضري (وهذا ما نكتشفه من خلال رغبة الفتاة في الزواج بعلاء الدين) رغم تردد العربي واستنكاره وحمله لكراهية مستقرة في لا وعيه الجمعي اتجاه اليهود (تردد علاء الدين في زواجه حينما أخبرته الفتاة أنها يهودية).

أما النواحي الجمالية فلم تكن بتلك الروعة التي تميز أفلام هوليود وجاءت عكس المتوقع فاقدة للترابط والإنسجام الفني ، فالموسيقى التصويرية جاءت بلكنة عربية متصنعة وبلغة منحطة مبتذلة لا تتناسب مع طبيعة الموضوع ، فأغاني الراي (الشاب خالد ـ سعاد ماسي ـ جلال الحمداوي….) لا تنسجم مع الصورة التي أراد المخرج ترويجها حول الإنسان العربي (الإرهاب والتشدد والديكتاتورية والشبقية) ولو أنها تنتمي للبيئة التي ينتمي إليها هذا الديكتاتور (شمال إفريقيا) .

أما الديكور (المكان) والملابس ، فهي عناصر كان الغرض منها تصوير تخلف الإنسان العربي ووحشيته وبداويته وأصله الصحراوي ، وهذا ما يتبين في الإطار العام لدولة “ودايا” المشيدة في بيئة صحراوية منعزلة ، عكس الصورة المدنية المتطورة التي ظهرت فيها مباني كوتام (نيويورك) ، كما أن سكان “ودايا” يحملون ملامح بدوية صحراوية ، ويلبسون أزياءا عربية تقليدية ، وتميزهم لحاهم الطويلة الغير محلوقة (حتى في عاناتهم وأعضائهم الجنسية كما يظهر في عديد اللقطات التي ركزت على هيئة علاء الدين) وما هذا إلا لتبيان الحالة الحيوانية البدائية العشوائية التي يعيشها الإنسان العربي ، مقابل الصورة الأنيقة المتحضرة للإنسان الأمريكي كما تبين في الفيلم .

كما اعتمد الفيلم على ثنائية تقليدية ركز عليها العديد من الروائيون العرب (سهيل إدريس ـ الطيب صالح ـ توفيق الحكيم ـ طه حسين ….) وهي ثنائية الرجولة الشرقية والأنوثة الغربية …..الرجولة الشرقية وما تتميز به من صفات التخلف والجهل والبداوة والكبث واللهث وراء الجنس (نموذج علاء الدين ) والأنوثة الغربية وما تتصف به من جمال وجاذبية وتأثير وتحضر وثقافة (نموذج الفتاة الغربية “زوي” التي أحبها علاء الدين).

وعلاء الدين إسم تراثي عربي يحيلنا إلى شخصية تخييلية عربية مشهورة اشتهرت في الأساطير والحكايا العربية القديمة ، وما توظيفها في الفيلم إلا لغرض مقصود يعمم من خلالها المخرج الصفاة التي تميز بها الدكتاتور علاء الدين ، على الفرد العربي الذي لا يزال يحمل في وعيه ، الموروث العربي التقليدي الكلاسيكي الذي لا يتناسب مع ثورة التجدد والتطور والحداثة والعولمة التي جاء بها الغرب .

ويمكن أن نظيف في النهاية ملحوظة ختامية ، وهي أن شخصية علاء الدين ، جاءت مركبة وجامعة لمجموعة من الصفاة التي تميز بها مجموعة من الحكام العرب لعل أبرزهم ” القدافي ” وهذا ما استكشفناه من خلال توظيف حارسات للدكتاتور علاء الدين ، على طريقة اختيار القدافي للعائشات الحارسات لموكبه . وكذلك في شكل لباسه وتعابيره وحركاته التمثيلية . ليتبين في النهاية أن غاية الفيلم مقصودة وليست اعتباطية.

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

محمد فاتى

ناقد سينمائى – المغرب

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الديكتاتور انتاج 2012 م.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

خاص الكتابة

 

مقالات من نفس القسم