الجبر وأشياء مرة

موقع الكتابة الثقافي uncategorized
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

نهلة عبد السلام

على الطاولة الممتدة بطول القاعة ثمة أطباق لا حصر لها، أطباق مستديرة ومربعة، ذات لون واحد ومزركشة، منضدة وحيدة لفرد وحيد تخدش الفراغ، تشيع فوضى بأدواتها من شوك وملاعق وسكاكين، صحون بيضاء.. مسطحة وعميقة.. كبيرة وصغيرة.. كأس وكوب ممتلآن حتى الحافة.

وجوه تعلوها ابتسامة مقننة تشبه الزى الساتر لأجسادهم.. أجسادهم التى تتطابق قياساتها وكأنهم مُنتجون آلياً.. جهاز لامرئى يدير حركتهم.. رسالة مسجلة تسأل وأخرى تجيب.. الفارق الزمنى بينهما لا يسمح لك بالنطق.. مؤكد تم إخضاعه لحسابات دقيقة حتى لا يتسنى لحالم الإخلال بالنظام.. الزج بقبطان منافس غير مدرج بقائمة الاختيارات.. العودة إلى ضبط المصنع هو الحل إذا ما هاجم النظام فيروس.. فيروس لديه قائمة اختيارات أو هكذا يظن.

الفيروس حالم ومتطلع.. لا مضادات بإمكانها إيقافه.. بارع بالتلاعب بالخرائط.. قد يأتى بالقلعة إلى جانب البحر متحينا الفرصة نادرة الحدوث.. أن تفرغ بطاريات جهاز التحكم.. الهفوة حتى يتم استبدالها هى الفجوة التى سيتسلل خلالها، الفيروس يمسك بقائمة الطعام ويشعل عود ثقاب بطرفها.

للنار لسان.. لسان واشٍ.. فى غمضة تحتشد فوهات الرشاشات.. اندفاع الماء يأتى على إندفاعك.. وكما الخزانات ممتلئة باتت كذلك البطاريات والهفوة لا تتكرر سوى بالعمر مرة.

القائمة جافة تماما كحلقك.. وزمرة الزى الواحد يحومون حولك.. يرفعون هذا ويضعون ذاك.. ومهما أختلف الصنف فالمذاق واحد، والغدة المنوط إليها إشعارك بالشبع مرفوعة من الخدمة، الملل يزحف عليك وتحاول إستخدام ساقيك.. بصعوبة بالغة يصيرا قائمين.

الآليون ينتابهم الفزع يهرعون على إثره إلى الطاولة ليصنعوا سياجاً حولها، أخذين حذرهم وحاملين أسلحتهم من قنانى ضئيلة الحجم ممتلئة بمسحوق أبيض، وبمشوارك الطويل لن يعترضك سوى قلقك الذى تتصاعد أبخرته مع كل خطوة باتجاه الحقيقة ورغم ذلك تشعر برطوبة بحلقك لم تجربها قبلاً.

الآليون بعيونهم سطور تؤرخ لماضيك.. ماضى شيمته الجبر.. اطلب ما شئت وسيتكفل الوسطاء بتدوينه ومن ثم إيداعه أقرب سلة مهملات، الوسطاء ليسوا آليين من النوع المألوف.. أسلاك وشرائح وحسب.. لا ضير من بعض الأوردة والشرايين لزوم الحبكة إحكاماً للخدعة.. الخدعة التى لابد من إنكشافها يوماً.

الجبر لا حلاوة فيه وإن ارتدى ثوب التخيير.. والأشياء المرة نقضمها فتقضمنا وتقصم ظهورنا.. الأشياء المرة تجبرنا على الانحناء.. نفتعل أزمة مع فقرات عمودنا الفقرى.. ندعى تآكله.. رعونته إذ تخاذل عن حمل أوزارنا، والإنكفاء المتزايد وشدة القرب قاب أنملة يحول دون قراءة القائمة.. وبلهفة يتناول الآليون إياها منك.. يدك ممدودة بإختيارك وروحك منكمشة بالجبر.. ومذاق الأشياء المرة باق لا يغادر مادمت حياً تُرزق.

مقالات من نفس القسم