التخلص من عيوب النص الشعري السبعيني

محمود شرف
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

محمود شرف

“ماذا يتبقى من جيل التسعينات؟”؛ سؤال يجرُّنا إلى التمعُّن في فكرة التقسيم “الجيلي” في الأدب، غير أنه لو تجاوزنا هذه النقطة؛ تسيلمًا بتواترها، حتى صارت مصطلحًا مستقَرًّا عليه، وإذا غضضنا الطرف عن فكرة التباينات الداخلية أيضًا؛ فإننا نبقى إزاء تأثير طاغٍ لمنتوج هذا الجيل شعريًّا، حيث استكمل التسعينيون ما بدأه السبعينيون من سبر لأغوار التجريب، متخلصين من جل عيوب النص الشعري السبعيني، التي تجلَّت في الإغراق في الغموض، والألعاب اللغوية التي تصل إلى حد العقم في بعضها، مع استبدال هذه المآزق بأخرى، لصيقة بظروف تكوين هذا الجيل، على مستوى البنية المعرفية، والظرف الإنساني الراهن، في حينه… عندما ظهر النص التسعيني كانت الساحة الشعرية في مصر تكاد تكون في حالة موات، فخلق حالة من القلق، وربما الصدمة؛ فلم تكن الذائقة الشعرية قادرة على مواكبة الخروقات التي مارسها ذلك النص على منظومة تلك الذائقة المستقرة، أو استيعابها؛ ما أدَّى إلى إزاحة رسمية شبه كاملة له (للنص)، ولأصحابه بالضرورة. الآن لا يمكن إغفال هذا الدور الذي لعبه التسعينيون في تدشين نص جديد، مغاير، أتاح له الظرف التاريخي، الذي تمثل جزء منه في معاصرة إعادة تشكيل العالم، أن يفتح نوافذ جدَّدت هواء الشعرية العربية الراكد.
وتجليات تأثير التسعينات على الشعر المصري (والعربي) تتعدَّد؛ فمن منطلق ارتكاز قصيدة التسعينيين على المشهدية، واعتمادها السرد كعنصر رئيسي لبنائها، وإعادة اللغة إلى عنصرها الأرضي، وأنسنة الشاعر ذاته، أو ردِّه إلى عاديَّة الحياة؛ بقيت القصيدة التالية متشبثة بتلك “المكتسبات”، وحفرت أعمق في ذات المسارات، وربما -حاليًّا- خلقت فضاءات جديدة كذلك.
نقطة أخرى مهمة، لا يمكن تجاهلها، وهي أن السرد، الذي أغوى التسعينيين، استحوذ على بعضهم بشكل كامل، فتحوُّل قطاع لا بأس به منه إلى كتابة الأنواع السردية: الرواية، القصة القصيرة… وحتى في هذه، أظن أن منجز التسعينيين، وعماده نصهم الشعري، صاحب تأثير بالغ على التطور الكبير الذي حدث للرواية العربية في عمومها، سواء بمنجزهم الروائي الذي أفاد بشكل كبير من التجربة الشعرية الخاصة، أو بسريان هذا التأثير في محيط الكتابة.
أسهم نص التسعينيين أيضًا (لأسباب عدة) في إيجاد مساحة لا بأس بها للشعر المصري في المجال العالمي، بترجمة كثير من شعراء هذا الجيل إلى لغات مختلفة، رغم أنهم وُجِدوا في فترة رمادية (مصريًّا)، لا تدفع -في رأيي- لهذا القدر من الاهتمام، سوى لأسباب تتعلق بنصهم في الأساس، ولأسباب انحيازاته الإنسانية، وكونيَّته، النابعة من قراءة واعية لأبناء هذا الجيل -في معظمه- للمشهد الأدبي العالمي.
ربما احتاج النموذج التسعيني هذا إلى مزيد من الدأب فيما بعد الانطلاق، لإيجاد حلول فارقة لأزمة الشعر، وهو ما لم يتحقق سوى لدى قلة من شعرائه، وهو سبب واضح لتضاؤل تأثير التيار (من حيث كونه تيارًا)، بعد مرور هذه السنوات التي قاربت على ربع القرن، وربما أيضًا -وعودة إلى ما سبق- بانصراف كثير منهم إلى كتابة أشكال أخرى.

مقالات من نفس القسم