البقعة

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 54
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

جاءت إلى هنا وجلست وتحدثت كثيرًا عن أحلامها وهي تشرب عصيرها المفضل من الزجاجة مباشرة وبشكل متوالٍ. في نهاية الجلسة لم يكن لديها رغبة في المغادرة ولكني ألححت عليها، حاولت أن تقبلني أو تنزع عني ثيابي أو تفعل أي أمر إيروتيكي له اعتباره الجسدي ولكني منعتها، فأمسكت بزجاجة العصير نصف الممتلئة بأحلامها والسائل الملون ثم قذفتها على الحائط المواجه للفراش.

تركت صدمة الشظايا الزجاجية فوق الحائط مختلطة بالعصير بقعة تشبه اللوحات السوريالية، ثم غادرت.

في الليلة الأولى عقب مغادرتها العنيفة لم أنتبه إلى ما حدث، ولكن في الليلة التالية عرفت أن شيئا ما قد تغير في غرفتي، أصبحت البقعة اقرب لشاشة عرض لأحلامها!

أصبح الأمر أنها أينما نامت ومتى نامت أرى أحلامها تتحرك فوق حائط غرفة نومي!

في البداية بدا الأمر شهوانيًا مسليًا، ثم بمرور الوقت صار عذابا لا يطاق، خاصة عندما تداهمها الكوابيس كلما التقينا – في الخارج بالطبع- أو مر أحدنا من أمام الآخر في هذا المكان أو ذاك.

نصحني صديقي بأن أقوم بأعادة طلاء الحائط كي أتخلص من البقعة التي تجلب أحلامها إلى غرفتي، ورغم معاناتي في الفترة الاخيرة إلا أنني ترددت!

من يمكن أن يتخلى عن ميزة سحرية كتلك؟

أحلام الفتاة التي تحبه فوق حائط منزله!

تركت فكرة الطلاء جانبًا، قررت تأجيلها لحين أن تصبح الخيار الأخير الذي لا مفر منه.

من يدري ! ربما تدفعني أحلامها إلى نقطة التقاء لم تتحقق مع روحها رغم قربنا الشديد!

فكرت في دعوتها للمنزل مرة أخرى لكي ترى إرثها الذي تركته دون اختيار منها، لكنها لن تصدقني أبدا، ولن أتمكن من إثبات الأمر لها طالما هي مستيقظة، وحتى لو نامت أمام الحائط فبمجرد أن ألمسها كي تستيقظ سريعا سوف تتبخر الأحلام من فوق البقعة الغامضة.

ثم لماذا أريد لها أن تعرف من الأساس؟

ربما أستطيع أن أقص عليها أحلامها كل ليلة!

 لكن هذا لن يزيدها إلا تعلقا بي!

أنا طماع

أناني

شرير

قلق على وجودي وراحة بالي اكثر مما انا مستغرق في أي شئ

حتى الفتاة التي تركت أحلامها فوق جدار غرفتي تركتها ترحل !

أن التلصص على أحلام الأخرين يشبه سرقة غير مكتملة، فماذا يفيدك ان ترى ما يحلمون به إذا لم يكن لديك الرغبة في البقاء معهم أو النفاذ إلى ارواحهم!

في النهاية لم اجد مفرا من الأستجابة لفكرة الطلاء

لقد فعلت كل ما يمكن ان أرتكبه بأريحية مع هذه الاحلام

 راقبت الرؤى..

دونتها..

اخذت صورا منها بالموبيل..

استمنيت.

بل لقد فكرت في هتك السر وأحضار اصدقائي لمشاهدتها !

ولكنني شعرت بأحتقار لذاتي، وكأنني قواد او ما شابه..

أخيرا قررت طلاء الجدار بنفسي تجنبا لوجود أي شخص غريب أمامه – شخصية نسائية تحديدا من المترددات على غرفة نومي- فربما غفت هي في تلك اللحظة وطارت لي أحلامها.

كنت أفكر وأنا اصعد بعلبة الطلاء إلى البيت في أنه كيف أنني بعد كل ما شاهدته من احلامها لم أتمكن من الوقوع في غرامها الجميل؟

أنا مريض أو ملعون أو اكفر عن ذنب لا اذكره، لكنه بلا شك جرم هائل الحجم مقيت.

لا شك أنك حين تتمكن من مشاهدة أحلام احداهن ولا تستغرق في حبها فأنت إذن لا تصلح للحب من الأساس ولا تصلح أن تكون ولو ظلا عاطفيا في حياتها الملونة.

أنت لا تستحق أن تزور تلك الأحلام، انت مجرد كابوس كتب عليها أن تراه وهي مستيقظة، بينما كتب عليك أن تعيشه أنت وهي نائمة، انت لص حقير تسللت إلى رأسها الرائع وعبثت بكل الأشياء الثمينة لكنك لم تأخذ شيئا معك، بل أكتفيت بترك لعاب افكارك غير النظيفة هنا وهناك!

ان ما تفعله الان لهو محاولة متأخرة جدا لتصحيح خطأ كبير اقترفه القدر أو الكون أو المادة المظلمة عند حواف المجرة في حق هذه الفتاة المسكينة.

وقفت أمام الجدار وفتحت علبة الطلاء وقبل ان تمتد يدي بفرشاة واحدة لطمس البقعة الملونة ظهرت لي صورتي على الحائط!!

يا اللهي !

أنها تحلم بي الأن !

هذا ما كان ينقصني !

من بين كل الرؤى التي يمكن ان تزورها في قيلولتها لم تجد غيري لتحلم به!

أي قدر أسود هذا !

اعلم أنه لا احد يمكن له ان يتحكم في أحلامه، ولكن لماذا لا تكف عن التفكير بي قبل نومها حتى ولو لقيلولة قصيرة ما بين العصر والمغرب!

لماذا تحفز لاوعيها بالتفكير في قبل النوم مما يستدعيني إليها بهذه الكثافة.

انها لا تزال تحبني هذه الحمقاء!

نظرت إلى هيئتي في حلمها

كم أبدو جميلا !

هل أنا رائع إلى هذا الحد بالفعل !

هل ابتسامتي ساحرة وعيناي تلمعان بفضة الرقة وقدماي تدوسان على ذهب أفكارها!

كل هذا يجب أن ينتهي الان

شرعت في غمس الفراشة اكثر في علبة الطلاء الكبيرة وبدأت في تلطيخ البقعة سريعا لطمس صورتي الجميلة في أحلامها، دبت في هيستيرية شديدة حتى راحت قطرات الطلاء الثقيلة تتناثر على الأرض وعلى أثاث الغرفة..

لم يبق سوى شريط صغير يظهر عيناي الساحرتان في هذا الحلم الذي لا يريد أن ينتهي.

كانت عيناي في حلمها تنظران إلي!

اجل عيناي تنظران لي وانا اغمس الفرشاة للمرة الأخيرة في الطلاء واصعد لطمسهما نهائيا.

ولوهلة بدا لي أني لمحت تغيرا في نظرتي تجاهي من داخل الحلم!

ثم بدا وكأن كل السحر قد زال منهما، وحلت محلهما نظرة مرعبة ومرتعبة وكأنني اراني أطمس نفسي في احلامها!

وفجأة !

بمجرد أن امتد الطلاء الداكن فوق البقعة الاخيرة حاجبا العينان إلى الأبد دبت في يدي انقباضة وهن قارصة..

ثم بدون مقدمات شعرت كأنما تسرب الدم من انسجتي وتمزقت خلاياي في غضون ثوان قليلة وربما أقل!

لم أجدني قائما ولا موجودا كأنما طُليت بشكل الغرفة من حولي وصرت شفافا

لم اعد جسدا ولا كيانا ولا مادة

سقطت الفرشاة على الأرض كأنما لم تكن يدي تحملها قبل ثانية واحدة

تبخرت

تلاشيت

مُحيت

أصبحت روحًا أو شبحًا أو طيفًا بلا أبعادٍ حسية

ها أنا أنزلق في  طرف النفق المظلم نحو هاوية بعيدة

لقد دعيت إلى أحلامها فلم استجب

وحين قررت أن ارد لها بضاعتها خرجت من حيز الوجود كله ولم أعد

أهي لعنة أم عقاب ؟!

ترى كيف لي أن أعود؟

ترى … هل .. ماذا

أين أنا الان !  

……………………………………………………………………….

مقالات من نفس القسم

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 12
تراب الحكايات
عبد الرحمن أقريش

المجنون