بطولة

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 22
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

البشير الأزمي

عَفَصَاتُ البعوضِ تركت ساقيْ أبي ويده اليمنى متورمة..

باتَ أبي يُقالبُ نوماً ثقيلاً، حرمتهُ الْعَفَصَاتُ من الاستمتاع بالنَّوْمِ ليلةً كاملة. كلمتُه، نظر إليَّ بعينين شبه مغلقتين وتمتم.. ضاعت تمتمتُه واختلطت بشخير لم يكسره سوى أجراس كنيسة بلاثا بريمو وهي تقرع وتختلط بأذانٍ يصل من صومعة مسجد قريب.

قبل يومين سمعتُ أمي تشكي أبي إلى جدتي.  وصفته بالمتهور وبعدم تحمل مسؤولية الأسرة:

” أضحى رجلاً صلفاً. أفشلُ في أن أنتزع منه بسمةً، هو الذي كانت ضحكته يردها الصدى فيعرف الجميع أنه أشرف على الحي.”.

أنصتَتْ جدتي إليها بتمعن، وقالت:” كلامك يشبه شَنِين المطر..”. استغربتْ أمي هذا التشبيه. كانت تنتظر من جدتي أن تقف إلى جانبها.. أن توافقها على رأيها.

أردفت جدتي:” أنت تسامحينه كثيراً وترخين له الحبل، شدي الحبل جيداً ولا ترخيه.. الرجل كالخيل إن أنت أرخيت لها الحبل ابتعدت .. “.

” حبذا لو كان خيلاً..”، قالت أمي واستدعت تنهيدة عميقة، وتابعت:” الخيول أصيلة حقاً، لكن هو    لا يشبهها إلا في الأذنين الصغيرتين، لا يصغي لكلام الحق والمنطق… والعينين الكبيرتين اللتين لا تكفان عن ملاحقة عورات النساء.. لو كنتِ شبهته بالحمار لقتُ أصبتِ. باع الأرض وخسر المال في البحث عن المُتَعِ الرخيصة؛ الخمر والنسوان.

لم يرق كلام أمي جدتي وقالت:” الأرض أرضي.. ورثتها عن أبي.. كانت غير صالحة للزراعة، بها أحجار كثيرة.. قضيت وقتاً طويلاً في إزاحة الأحجار، استعنت ببعض معارف المرحوم لإصلاحها، تَرَّبَناها وغرسنا أشجاراً، سرعان ما أعطت ثماراً. قلتُ لزوجك، وهو في أزهى مراحل العمر ستصبح الأرض أرضك، بعد موتي.. من يومها أضحى يستعجل موتي.

كان أبي قاعداً في المنور يصغي لحديثهما..  لف سيجارة ووضعها خلف أذنه، قام ومشى. مشى وهو يحاذر وكأنه يخشى أن يدوس على نثار الزجاج. قالت له جدتي:” أخشى عليك أن تتعثر في ظلك.”.. تلاشى كلامُها في خضم الصراخ الذي يعلو ويطبق على الصمت.. الصمتُ حجابٌ سميك.. هزَّ رأسه غير مُبالٍ وابتسم. تعرف جدتي أنه يخفي عجزه وفشله خلف ابتسامة بلهاء.. قالت بصوت أرادت أن يصله:” أخشى أن يصطدم رأسك بجدار الوهم”. التفتت نحو أمي وقالت:” سيذهب إلى مقهى القرية ويقضي الوقت كله في الحديث عن بطولاته الوهمية.. سيوهم من ينصت إلى حكاياته المكررة أنه لعب دوراً بطولياً معارك صبرا وشتيلا. سيُخرِجُ صورة أكل العث أطرافها وهو بلباسه الحربي صحبة فدائيين. في الحقيقة إن الصورة غير واضحة والشخص الذي يدعي أنه هو، لا تبان ملامحه واضحة. وسيروي عن بطولاته.. بطولاته الوهمية سيروي لمن في المقهى عن حصار بيروت وكيف حدث، كنتيجة لانهيار وقف إطلاق النارِ الذي أقرته الأمم المتحدة. وكيف انتهى الحصار بخروج منظمة التحرير الفلسطينية بالقوة من لبنان وعودته، هو، إلى القرية.. أقصد إلى المقهى.. أعرف أنه سيذهب إلى المقهى ولن تتوقف آلة الكلام عنده.

أفتح الجارور، أُخرج ألبوم الصور، أبحث عن صورة أبي باللباس الحربي، أنزع الصورة من الألبوم أحدق فيها، أبي يبتسم كأنه يريد أن يحدثني عن شيء.. لستُ متأكداً أن من في الصورة أبي.. آخذ الصورة أعيدها إلى الألبوم وأضعه في الجارور..

 

مقالات من نفس القسم

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 12
تراب الحكايات
عبد الرحمن أقريش

المجنون