عبد الرحمن خاطر
الإنسان المؤجل
أيُّها العَميلُ الغاضِب
لا تَظُنَّني عاجِزَ الرَّدِّ
لكن بينَ صوتِكَ
ويَدي
لوائحُ
وزُجاج
يتكلَّم..
وأسمعُ
صوتَ نفسي
وهي تتآكَلُ
أمامَه
يصرُخ..
وأعدُّ أنفاسي
كمن يُوقِّعُ هُدنةً
مع قلبِه
يطالِبُ بحقِّه..
وأبحثُ عنّي
في لوائحَ
وتحذيراتٍ
لا تَعرِفُ
الأحياءَ
يظنُّني خصمَه،
ولا يَعرِفُ
أنّنا نقفُ
في الصفِّ نفسِه،
بزمنَينِ مختلفَين.
أمّا الرَّدُّ
أؤجِّلُه داخلي
كما أؤجِّلُ نفسي
إلى ما بعدَ الدَّوام،
إلى ما بعدَ النِّظام،
إلى إشعارٍ آخَر
لا يصِل.
أنا الإنسانُ المؤجَّل،
أعيشُ
مؤجَّلًا
كما تعيشُ الطَّلباتُ
في الأدراج،
لا لأني أخطأتُ،
بل لأنّني لستُ ملكي
الآن
خَتمٌ
يسقُطُ على الورق،
وأنا
أسقُطُ
من نفسي قليلًا.
حينَ يُغادِر،
يبقى صوتُه
عالِقًا
في يديَّ…
وعندَ نهايةِ الدَّوام،
أُعيدُ الكرسيَّ إلى مكانِه،
أُطفئُ الشَّاشة،
أُوقِّعُ انصرافي،
وأتركُ نفسي
قيدَ الانتظار.
أتركُ
الإنسانَ
على المكتب.
**
فهرس الرجل
حينما
اختبأتُ عندَ الجدار،
ومسحتُ وجهي
بدموعي،
رأتني أُمّي وقالت:
كِبَرُكَ
أهمُّ من دموعِكَ
لا تتركها
في العَلَن
فمسحتُ وجهي
بكُمِّ قميصي،
كأنّي
أمسحُ الإنسان
قبلَ أن يكبر.
كان أبي يقول:
لا تبكِ،
أنتَ رجل.
لا تنكسر،
أنتَ رجل.
لا تنحنِ،
أنتَ رجل
في المدرسة
كانوا يضحكون
إذا سقطَ أحدُنا وبكى،
يقولون:
انهض،
يا من لستَ رجلًا
تعلّمتُ
أن أضغطَ صدري
بيدي،
وأن أُلبِسَ الانكسار
صوتًا خشنًا
لا يشبهني
كبرنا
كما أرادوا،
رجالًا
بلا دموع.
وحين صرتُ واحدًا منهم،
لم أعد أعرف
أين تركتُ الطفل
الذي كان
يختبئ عندَ الجدار.
كلّ ما أعرفه
أنّ الإنسان في داخلي
تعلّم مبكرًا
أن يصمت…
أو ربما
لم يُسمَح له
أن يكبر معنا
**
سيرة اليد
في الليل
كانت أمي تقولي لي
نم،
حتى لا تأكلك
أمنا الغولة
كنتُ أغضب
لأنها
لم تُحضِرْ
الصديقين
الذين
تتركهم
في الحكاية
قبل أن تنام.
لم أعرف
وقتَها
أن الخوف
مثلي
لا يبقى
صغيرًا.
في الفجر
كانت تُعلِّق يدها إلى الله،
يا رب
اجعله
لا يُكرِّر أباه.
بعدها
لم تنزل يدها فورًا،
ظلّت عمرًا
معلّقة،
كأنها تتأكّد
أن الدعاء
سيجد طريقه
وحده
أما أنا
فكبرتُ
أُخفّف يدي،
كلما ثقلت،
خفتُ
أن تُعلَّق
داخل العمر.
مرّ الوقت
خفيفًا،
لم يترك
أثر قدمٍ
أصغر
منّا.
لم ترَ
حفيدًا
يأتي باسمٍ جديد،
ولا يدًا
أخفّ
من أيادينا
الثقيلةِ
بما لا يُقال.
الآن فقط
أفهم
أن أمي
كانت تحملُ البيتَ بيديها،
وتتركنا نظن
أن الجدران
تفعل ذلك.
كبرنا
قبل أن نفهمَ معنى الكِبر،
لأن أحدًا
كان يجب أن يظل معلق اليدين،
حين يتعبُ الجميع.
وحين يضغطُ عليَّ العالم
أُعلِّق يدي في الهواء،
بلا فائدة.
لا أجد
اليدَ
التي كانت تعرف
كيف تُمسك
العالم
دون أن تُسقِطه













