جادّة في موتها

موقع الكتابة الثقافي
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

إلى نور حيدر التميمي في موتها الخفيف

 

قبلنا وصلتِ

إلى الضفة الأخرى من الحياة

قبلنا عبرتِ

خفيفة مثل غيمة, بينما كنا مثقلين بالخطايا

قبلنا, لملمتِ على عجالة حياتك الضئيلة،

ثمّ وثبتِ إلى موتك

خفيفة خفيفة

مثل طفل في أيامه الأولى

استيقظ من عدمه مرةً واحدة

ضحك مرةً واحدة

بكى مرةً واحدة

ثم غفا مرةً واحدة كذلك

مرة واحدة وأخيرة

ربما لأن الحياةَ لا تعودُ حياةً في تكرارها.

مرة واحدة

مرة واحدة ووحيدة

ثم رحلتِ.. إلى الأبد..

 

إلى الأبدِ يا نور؟

إلى الأبد؟

كيف يمكن أن يغيب إنسانٌ إلى الأبد؟

كيف يمكن أن ينهض شخص مسرعًا وهو يقول: سأعود بعد قليل

ثم لا يعود بعد قليل.. ولا إلى الأبد.

كيف يذهب شخصٌ إلى الحرب ثم لا يعود أبدًا؟

 وكيف لا تكف الأمهات عن انتظار أبنائها

الذاهبين إلى الحرب, الذين لا يعودون أبدا.

 

كيف يمكن ألا يصل بحارٌ إلى وجهته؟

أن تختفي كل الشواطئ من على الخارطة؟

 وألا تطل اليابسة بخجلٍ

 مثل شمس تطل بوجهها السماويّ بعد عاصفة؟

 

 كيف يمكن أن تكف أشياؤنا عن أن تصير أشياءنا؟

زوجاتنا تزوجوا بآخرين

أبناؤنا صار لهم آباء كثر

ضحكاتنا العالقة في الهواء محتها ضحكات أناس آخرين

معاطفنا المعلقة وراء الباب على عجالة

 صارت معاطف أناس آخرين معلقة وراء الباب على عجالة

غرفنا..

 بيوتنا الصغيرة..

 قبورنا الضيقة

صارت قبورَ آخرين

حين ضاقت بالآخرين قبورهم

أجسادنا

رفات اجسادنا

أعضاؤنا البشرية

أصابع أيدينا

خشخشة عظامنا

صداع الرأس

أسنانا اللبنية تحت وسائدنا وفي حفر الشمس

طقطقة عمودنا الفقري

آهاتنا

صوت أنينا

والهواء الذي ننفخ فيه حين نئن

نحن..  صرنا لآخرين

حين أراد الإله اجترار خِلقته.

الأبد؟ ما هو الأبد يا نور؟

 ربما هو رنين هاتفك الخلويّ حين أطلب رقمك ثم لا يجيء صوتك من بعيد.. ضاحكًا ومعاتبًا أو حزينا شاكيا حين تقولين :”لقد تألمتُ مثلما يتألم الملائكة” يائسًا مترنحا كأنه هواء مُتعب.

 الأبدية: هي أن أكف عن التساؤل.

 ألا أقول في نفسي: ستجيبُ بعد قليل.

 ربما تنام مثل ملكٍ على  شرفة,

ربما تئن أو ربما تفكر في ذكرى أو ابتسامة عابرة

ربما تنظر بهدوء إلى صورة وجهها في الماء,

 إلى صورة الماء في وجهها.

ربما تتأمل بحزنٍ رأسها الذي أصبح قاحلًا بفعل المرض

وجهها الذي صار شاحبها,

 وعينيها الذابلتين.

ربما لا تفعل شيئا.. ولا تفكر بفعل شيء,

 لكنها حتمًا.. ستجيب بعد قليل.

 

رأسك. كيف صار هاوية؟

لم تمت, إنها هنا.. تتجول في مكان ما” يقول الآخرون مواسين.

كيف تتجولين بهاوية فوق كتفيك؟

كيف ليديكِ أن تصيرا لا شيء؟

كيف يصير جسدك

 الذي من لحم وروحٍ وعظام, كيف يصير لا شيء؟

كيف يكفُّ إنسانٌ عن أن يصير موجودًا؟

كيف يا نور.. كنتِ جادّة هكذا في موتك؟

7 يناير 2015.

 

* نور حيدر التميمي, صديقة عراقية في الخامس من يناير 2015  أغمضت عينها على ألمها للأبد.. بعد صراع مع السرطان اللعين. أجل. للأبد..

مقالات من نفس القسم