الأميرة العرّافة

موقع الكتابة الثقافي
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

أحمد حلمي

سألتني :لماذا تبحث دومًا عن امرأة أقوى منك؟

أجبت: لا أعلم … ربما لأني أبحث عن حماية ما، في صورة تبدو على غير حقيقتها. ربما لأني تعلمت ذلك منهُ. ربما لأنهن كن أقوى من الكثير من الرجال. فرسمن داخلي صورة تلك الأميرة المحاربة، المعشوقة التي لا يليق بها إلا ذلك الفارس، العائد من الحرب لينشر سنوات السلم والحكمة على مملكتها. صدقاً لا أعلم.

قالت: لا تعارض بين ما قلت. لكن لماذا لم تصبح فارساً واكتفيت بكونك صعلوك في أفضل حالاتك، ناهيك عن سنوات من التيه والتشرد، التي أعرف أنك عشت أغلبها متعمداً الضياع، متنقلاً في تنطع بين جوامع القاهرة وتكايا دمشق وأزقة بغداد وحانات غرناطة.

أجبت: كلهن طلبن مني أن أكون فارساً، ولم يعلمني أحداً كيف يكون الواحد واحداً، وعندما حاولت امتطاء الجواد، أخبرني أني لا أستطيع، وعندما بدأ تعلم اللعب بالسيف، أخبرني أن الكتبة أوفر حظاً وأكثر أماناً من المحاربين، وعندما بدأت تعلُّم الحكمة بعيدًا عنه لم يعرني انتباهًا، بتجاهل ساخر منه، لفتى أحمق ينفق سنوات في هباء لن يجعله أفضل من كاتب.

“يجب أن تصبح كاتبًا في ديوان الملك وإلا لن تصبح شيئًا. ستمضي إلى الظلام مع الكلاب الضالة والمجزومين، ولن تجد من يؤويك” قالها بعيون محمرة، لم تكن لتخيفني يومها، ويومها قررت أن الصعلكة هي طريقي.

تصعلكت بالشعر والربابة. رافقت اللصوص والغجر، ورحلت سيراً في قوافل التتر، ومضغطت الأفيون على أطلال “إلموتْ”، ورقصت حول شجرة التبريزي، وحاربت في جيوش الفتح والهزيمة.

وكانت هي حيث الضياء والنور، وجبر كل مكسور. رأت في عيني تيه يشبه رحليها الغجري، فأخبرتني أن اقترب دون اقتران. وأني رفيق دربها وأني لو كنت فارساً وكانت هي أميرة القلعة، لكنا اعتليناً العرش وامتطينا سحب الفرش. وكان الأوان هو الأوان ولضحك لقلوبنا الزمان. فكان العهد وبدء الوعد وانطلقت في سبيل الفرسان.

اشتريت حصانًا أعرج بمال مسروق وأمسكت بسيف أعوج من صفيح مسبوك. وصرت فارس قبيلتها، أمضي ليالي في خيمة خارج الحي وأرتحل ولا أسأل فأنا حامٍ ولست حاكم. وهي ذات الدماء الزرقاء.

ظل الحال على غير حال ومن محال إلى  محال. حتى سكنت أطراف مدينتنا القديمة. وحسبت أني سأدخل قلعتها التي بنيتها لها فاتحاً منتصراً. فقالت لي: “كيف لصعلوك ابن كاتب أن يدخل قلعة إلا أن تكون من قش. لا تحسبني أميرة، فالغجر لا يحكمهم الأميرات بل العرافات. وأنت لست بساحرٍ لتحمل ما أحمل من علم و هم.”

صرخت وبكيت وطفت على البيوت والأسواق: “يا أيها الناس اسمعوا، إني مبشركم بأميرة تكون عليكم ملكة وإني لأتابك عسكرها ومدبر أمر ملكها. فإن إطعتم سلمتم، وإن أبيتم ما لكم عندي غير العصا والسيف.” صفق الناس وهللوا. قالوا أحسنت يا فتي، فلتأتنا كل أسبوع، في نفس الساعة لتمتعنا بحكاية. والله كريم على العالمين.

لا.. لا تبكي، فهم لم يحسبوني مجنوناً، ولم أكن قد جننتُ بعد. فقط همتُ على وجهي حتى نفق الأعرج، وبعت الأعوج واشتريت ربابة وعمامة. رحلت وتهت في نفسي قبل أن يتيه الطريق عن قدمي. ألفت نوم التكايا وأحاديث السكارى. نسيت القلعة ولم أنس أني نسيت تلك الأميرة العرافة.

 

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قاص مصري 

مقالات من نفس القسم

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 12
تراب الحكايات
عبد الرحمن أقريش

المجنون