إيمان السباعي
في المدن التي مات سكانها بالكوليرا
للأطفال عيون قاسية
يعلوها الصدأ
وفي قيعانها الجليد
في مدنٍ أخرى
مات سكانها تحت القصف
تذوب جثث الأطفال بمجرد اللمس،
كالورق المحروق
لا يموت الأطفال في الحروب الأهلية
يتبولون في سراويلهم ويهجرون المدارس
يدمنون مراقبة القناصة فوق أسطح المنازل
وعندما يكبرون
يتحولون لصوصًا محترفين وقتلة بالوراثة
أما المدن التي يعيش سكانها طويلا
فيموت أطفالها في المستشفى الحكومي
أو في حوادث الطرق
أو لهزال أجسادهم بعد جوعٍ طويل
بعض الأطفال يعرفون أكثر من اللازم
أولئك يموتون بجوار جثث أمهاتهم
أو يموتون معلقين في عقدةٍ خشنة
تمرنوا كثيرًا على صنعها
في غفلة الأب.
***
أطفال مجازيون يملؤون الهواء
أمرر يدي عبر أجسادهم
أسألهم
هل أنتم موتى؟
يضحكون فتبين أسنانهم الحادة
يدفعونني بشرٍّ جَلي تجاه النافذة
ليست لعبة
هم حقا يرغبون في قتلي
أتوسلُ:
موانع الحمل لا تسبب كسرًا في الساق يا صغير
من المؤكد أن ساقك المكسورة سببها شيء آخر
أتوسلُ:
عندي زهريات بلا ورد
يمكنكم التراشق بها وأنا سأكنس الأرضية
سيجرح الزجاج قدمي وأنزف دمًا حقيقيا
وليس كالدم في أفلام الكارتون
أفلتوني،
وأعدكم أنني سأفتح النافذة,
وأقفز.
***
اكتُشِفتْ الصحارى
عندما تركت الأمهات البيوت
هرباً من بكاء الأطفال
الذي فشلن في مداواته بحليبهن
في الطريق إلى النهر
كن يحملن دلاءً خاوية
ويتبادلن الشكوى
عرفوا أغنياتٍ خرجت من عمق الألم
فلم يعدن راغبات في العودة
ولم يفكرن في عطش الزوج وحب العائلة
أردن السير في الطرق المنسية
والنوم على أرضٍ خشنة لإفراغ شهوة ضارية
اختبأت تحت دم النفاس
كان الطريق يزداد وحشة في الليل
فتعود جلودهن فتيّة ومدهونة بزيت الهواء
المساحات الشاسعة من الخواء والقيظ والصقيع
أغرتهن بصمتها الأبديّ
كانت بيوتهن تطفو على الرمال كذكرى بعيدة
ولم تكن الواحدة منهن تعرف ما السراب
ولا عرفت الندم.