د. مصطفي الضبع
تملأ الأشياء الكون منازعة الإنسان وجوده، وكما إنها تفتح أمامه مجال الابتكار فإنها قد تمثل عائقا يصل حد التحدي، وإذا كان الحكي يتخذ من الإنسان مادته الحيوية فإنه لا ينتزع الإنسان من محيطه دونما اعتماده في بيئته التي تتشكل من كم هائل من الأشياء. تظل الأشياء على حيادها في الواقع حتى يأتي الفن ليجعلها في سياق قادر على إخراجها من حياديتها، فهي تقيم حوارا صامتا بينها وبين الإنسان، وفيما بينها وبين بعضها البعض، فالأشياء تستمع للإنسان ولكنه لا يستمع لها، هي تعبر عن كثير من طبائعه وأحواله، فمنها ما هو قادر على الإشارة إلى حالة الإنسان الاقتصادية سواء نوعها أو كمها أو حضورها أو غيابها ([i])، ومنها ما هو قادر على الإشارة إلى حالته النفسية ( [ii]).
يحدد المعجم الفلسفي الأشياء بوجه عام:” ما يتصور أو يخبر عنه ويراد به أساسا الموجود، ويقابل المعدوم ” ([iii])، ومن ثم تكون مقاربتنا الأشياء معتمدة مفهومها البسيط، مفهوم الموجودات خلافا للإنسان، حيث كل ما ليس إنسانا من الموجودات الملموسة، المتجسدة في صورتها المادية فهو شيئ، وأن الفن يكون مغرما في كثير من الأحيان بأنسنة الأشياء بمنحها الفرصة للعبور إلى منطقة نفوذ الإنسان، إلى منطقة استعارية الطابع حيث تستعير الأشياء من الإنسان روحه أو بعض لوازمه، في مقابل التشيؤ الذى ينتقل فيه الإنسان إلى المنطقة المغايرة.
تتوقف الدراسة عند العلاقة القائمة بين الأشياء من هذا المنظور والقصة القصيرة رصدا لأشكال العلاقة وفاعلية الأشياء وقدرتها على تشكيل عالمها ، وتعتمد الدراسة على عدد من النصوص القصصية العربية التى اختيرت لخدمة أهدافها، ولم يكن اختيارها مقصودا بالمعنى الدقيق وإنما اعتمدت نظام العينة شبه العشوائية من مساحة القصة العربية للكشف عن معطياتها وللتأكيد على فاعلية الأشياء ومدى قدرتها على خلق بلاغتها الخاصة ومن المنطقى ألا تحيط الدراسة بكل ما صدر من مجموعات قصصية عربية أو ما نشر من قصص في الدوريات إذ هو كم هائل يصعب الإحاطة به، ومن ثم لجأ الباحث إلى الاعتماد على المجموعات القصصية دون الدوريات إذ هى تتيح فرصة التعامل مع عدد أكبر من نصوص الكاتب الواحد، و ألا تطرح كل رؤى القصة القصيرة للأشياء، وإنما هى محاولة تطمح للجدة والجدية معا إلى لفت الانتباه للعناصر الشيئية التى تكاد تكون عناصر لها دورها المنافس لدور الإنسان، كما أن الدراسة تمثل ضلعا ثالثا مكملا في منظومة رصد ضلعها الأول: الأشياء في الرواية العربية ([iv])، وتوقف الضلع الثانى عند الأشياء في الشعر([v])، وجاءت الثالثة لتكمل الدائرة لتشكيل منظور سردى لرؤية الأشياء في القصة القصيرة.
مع الأشياء تتسع مساحة الرمز، عندما يكون على المتلقى بذل الجهد التخييلى لملء المسافة الفاصلة بين الإنسان والشيء، من حيث دلالة الأشياء على الإنسان، أو بعبارة أخرى يكون على المتلقى إدراك العلاقة القائمة هناك في العمق بين الشيئ من حيث هو رمز يحيل إلى الإنسان في النهاية فالإنسان في النص يحيل إلى نفسه، مقصود لذاته قد يجسد قيمة ولكنه في النهاية أنانى يحيل إلى نفسه، في مقابل الأشياء التى لا تحيل إلى ذاتها بقدر إحالتها إلى الإنسان، تساعده على تجسيد القيمة ولا يساعدها على تجسيد قيمها الخاصة أو حتى قيمه هو الخاصة إذ هى في طريقها إلى ذلك، إلى تحقيق غايتها يكون عليها أن تشعر المتلقى أنه ليس وحده في هذا العالم وأن هناك كائنات أخرى تشاركه الوجود و أنه حتى يبلغ غاياته بالمعنى الوجودى فعليه أن يستعين بالأشياء وأن وجوده المتراكم على عدد من العلاقات ليست وقفا على البشر بالأساس وإنما هى وقف على قدرته على إقامة علاقات مع كل عناصر الوجود، علاقات لها قدر ما من الحميمية مع الأشياء، مع أشيائه الخاصة، مع قلمه، وسيارته، وسلسلة مفاتيحه تلك التى تعد بمثابة اختزال لما يملك أو يتحكم، فقط عليه ألا يرسخ في اعتقاده أنه يمتلك هذه الأشياء وأن قدرته على التحكم فيها أقل بكثير من تحكمها فيه أو على الأقل منافسته في الوجود والبقاء .
لا تعتمد القصة على شيء واحد، أو على عنصر شيئى واحد كما أن العنصر الواحد لا يستقل بالحضور و إنما يخلق الشيء مجالا حيويا يعتمد على تناغم بين عدد من العناصر الشيئية ، يبدو هذا واضحا في كل القصص التى ليس بإمكانها أن تخلو من الأشياء، وبخاصة تلك التى تستعيد شخصية تاريخية للحلول في لحظة تاريخية حاضرة، كما يتجلى في قصة ” وقائع من أوجاع امرئ القيس ” ([vi]) حيث يستعيد السارد شخصية الشاعر العربى المعروف ” ترك امرؤ القيس درعه عند السموأل وذهب إلى اسطنبول. قال سأستجير بسطان البرين وخاقان البحرين الملك الذى أتته الخلافة منقادة إليه تجرجر أذيالها. ولن يخذلنى هذا الملك وستكون هديتى له سخية سأجعل نصف مملكتى مصيفا له ولجواريه………… اكترى ناقة ركبها وقطع بها الفيافي والقفار” ([vii]).
الأشياء تشكل وعيا للسارد يستشعره المتلقى، ويوظفه، كان من شأنه أن يرى العالم رؤية تسمح له أن يصفه، وللصفات بلاغتها، إذ تعبر عن رؤية الواصف للعالم، فما الصفة غير معنى نراه كامنا هناك في الأشياء، أو نرى في هذه الأشياء من المعانى ما يكون متحققا لدرجة يكون ضروريا أن يعبر عنها، وأن تستجلى عبر صفات يطلقها من يمتلك وعيا عميقا بها وبالعالم.
هنا تكون الصفات نوعا من تفسير العالم، أو إصدار الأحكام عليه، كما أنها تكون بمثابة إشارات يصدرها مطلقها لتنبيه وعى الآخرين عبر أحكام لها دلالتها، والصفة تلعب دور الشفرة المرسلة من مطلقها لهؤلاء الذين يجب عليهم تلقيها، وفك شفرتها أو على أقل تقدير البحث عن سببية اختيار صاحبها لها دون غيرها واصطفائها لأداء دورها الدلالى، عبر تحكم وعيين: وعى المرسل، ووعى المرسل إليه.
في القصة القصيرة تتشكل الأشياء معلنة عن نفسها معتمدة منطقين: منطق العتبة الأولى (العنوان)([viii])، ومنطق المتن، في الأولى ينفرد الشيئ في الغالب بمساحة النص الموازى الضيق (العنوان)، مقارنة بالنص ذى النطاق الأوسع ، مما يجعل النص داخلا في سياق العنصر الشيئى، خلافا لمنطق المتن حيث يدخل الشيئ في سياق النص متجاورا مع عناصر أخرى بشرية في المقام الأول.
تتحرك الأشياء في فضاء النص أو في العالم الذى يتحدد بالنص خالقة أنماطا لحركتها، هى أنماط داخلة بعمق في تشكيل ثقافة المكان والإشارة إلى ثقافة الشخصية، والكاشفة بصورة أعمق عن علاقة الإنسان بالكون ممثلا في أشيائه، ويمكننا فور التعرف على طبيعة المكان المسرود أن يرتفع أفق التلقى عبر ارتفاع أفق التوقع بما يكتنزه المكان من مفردات الأشياء بداية مما هو ذو طابع كونى ( [ix]) إلى ما هو ذو طابع إنسانى.
ثمة علاقة كائنة هناك في العمق بين القصة القصيرة من حيث هى مساحة محدودة من الحكى، و المدى المتاح لرؤية الإنسان للأشياء بوصفها مساحة محدودة داخلة في وعيه بالحياة والبشر، فالمساحة الزمنية المتاحة للإنسان لإدراك الأشياء والتأمل فيها باتت ضيقة بفعل الحياة ذات الإيقاع المتسارع، ومساحات التأمل المتآكلة فيما هو متاح له في اللحظة التاريخية الراهنة.
أنماط التجلى
تتخذ الأشياء مجموعة من الأنماط المعتمدة لتجليها في القصة القصيرة، منها:
- الأشياء / العتبات.
- الأشياء المسرود عنها وبها.
- الأشياء/ الزمن.
- الأشياء علامة لغوية.
وتشكل هذه الأنماط مجتمعة الأبعاد المختلفة للأشياء تلك الأبعاد التى لا تختلف في مضمونها عن الأبعاد المميزة للمكان والمشكلة من: البعد الفيزيائى، والبعد النفسى، والبعد الهندسى، والبعد التاريخي، والبعد الأسطورى، وهى أبعاد لا تتضح تفصيلا حسب طبيعة القصة القصيرة مما يجعلها خاضعة لمبدأ التكثيف والحوار الصامت وكلها تتضافر لتشكيل مساحة حضور الأشياء ومن ثم الكشف عن أسطوريتها المانحة تميزا فارقا عن الإنسان.
وحسب جغرافية حلول الأشياء في النص، يمكن تقسيم هذه الأنماط إلى قسمين أساسيين: العتبة والمتن، يضم القسم الأول العتبة النصية (العنوان) حيث يطرح الشيء نفسه عبر العنوان في حين يضم القسم الثانى بقية الأنماط التى تمثل المساحة التى تتكشف خلالها فاعلية الشيئ ومدى قدرته على إنتاج الرمز، وهو ما قد ينجح العنوان في طرحه، فالعنوان في كثير من الأحيان يقف محايدا، مباشرا قد يحيل متلقيه إلى مرجعية خاصة ولكنه أبدا يظل محايدا دون النص أو قبل أن يتولى المتن بث قدر من المجاز فيه يجعله قادرا على البقاء بأن يجعل من المتن مساحة إخبارية إعلامية عنه في المقام الأول.
أولا: العتبة
لا تقبل الأشياء وظيفة تتأسس على وجود عابر وإنما تقبل الوظيفة المؤسسة على على وجود أساسى يتشكل من عنصر عمدة في النص من حيث كونه عنصرا غير قابل للاستغناء عنه، ليس قابلا للحذف نعنى العنوان المؤسس على مكون شيئى ([x]) يتشكل بالأساس عبر صيغتين أساسيتين:
أولاهما: المفردة المباشرة تلك التى تنص على مفردة الشيئ في صيغها وأوضاعها المختلفة (تنكيرا، أو تعريفا، إفرادا، أو جمعا) بحيث يطرح الشيئ نفسه بداية متصدرا النص القصصى، ومتصدرا إنتاج الدلالة التى ليس من الممكن إنتاجها بعيدا عن الارتكاز على مفردة الشيء، تلك المفردة التى تعمل بداية على طرح معنى أكثر اتساعا يشمل كل المعانى المتاحة للمفردة في صيغتها المباشرة، فهى قبل القراءة تشير إلى الكثير من المعانى الدالة على كل ما هو مادى أو ما هو معنوى معتمدة المدلول الأوسع لما تطرحه المفردة / العنصر وتأخذ في معظمها صيغة الجمع متصدرة تركيب العنوان، آخذة عددا من الوضعيات، منها :
- وضعية اللفظ الموصوف:
- الأشياء النفيسة، محمد عبد الحليم عبد الله ([xi]).
- أشياء تخصنا، خيرى شلبى ( [xii]).
- أشياء للحزن، محمد الراوى ( [xiii] ).
- الأشياء على غصن أخضر، نبيل عبد الحميد ([xiv]).
- أشياء صغيرة، طالب الرفاعى ( [xv]).
- أشياء صغيرة، عبد الرحمن شلش ([xvi]).
- أشياء مختلطة، شريف عبد المجيد ([xvii]).
- أشياء صغيرة بيضاء، سيد عبد الخالق ([xviii] ).
- أشياء لا يدركها، عبد العال الحمامصى ([xix] ).
- أشياء لا ترد ولا تستبدل، ميرفت العزونى ([xx]).
- شيء يموت، حنيفة فتحى ([xxi]).
- شيء حدث ذات مرة، منى الشافعى ([xxii]).
- اللفظ منفردا:
- أشياء، هدى النعيمى ([xxiii]).
- أشياء، محمد الشرقاوى ([xxiv]).
- أشياء، إيهاب الدكرورى ( [xxv]).
- الأشياء، عبد المنعم فرج ([xxvi]).
ج- اللفظ تابعا:
- الرجل والأشياء، إبراهيم أصلان ( [xxvii]).
- لكل شيئ أوان، محمد عبد الحليم عبد الله ( [xxviii]).
- كل شيء على ما يرام، السيد نجم ([xxix]).
- لا شيء، بوراوى سعيدانة ([xxx]).
د- اللفظ فاعلا:
ثانيهما: المفردة غير مباشرة: وفيها يظهر الدال للانتماء إلى جنس الشيء حيث تأتى العناصر الشيئية آخذة الأوضاع السابقة تقريبا في صورة أكثر اتساعا من المفردة حال المباشرة، وهى أوضاع وصيغ متعددة، منها على سبيل التمثيل لا الحصر:
- العنصر مفردا منكرا:
- بوابة، جمال الغيطانى ([xxxiii]).
- قضبان، مكحلة، مرآة، بشرى محمد أبو شرار ([xxxiv]).
- العنصر مفردا معرفا، ومنه:
- المعدية، محمد حسن عبد الله ([xxxv]).
- الصندوق، الصفارة، عبد الحكيم قاسم ([xxxvi]).
- المكحلة، هدى النعيمى.
- النخلة، محمد الشرقاوى.
- الدخان، السيد نجم.
- التراب، عبد العال الحمامصى.
- الكاميرا، القطار، الباب، عز الدين نجيب ([xxxvii] ).
- السور، السرير، المستنقع، الدهليز محمد الراوى.
- التمثال، محمد البساطى ([xxxviii]).
- العنصر موصوفا:
- الطبلة الصغيرة، العصا البيضاء، إبراهيم الدرغوثى ( [xxxix]).
- الطاقية المسكونة، الكحكة الحجرية، أمين ريان ([xl]).
- العنصر مضافا:
- صخرة الكومبو، بلال فضل ([xli]).
وجميعها صيغ داخلة في مقدرات النص الفنية، كما أنها تقوم بدور المحفز للمتلقي حسب مساحة التشويق التي تبثها معتمدة الفروق الدلالية بين عنصر في صيغة التنكير وآخر في صيغة التعريف مثلا، وبين عنصر منفرد يتصدر النص، وآخر ينازعه الصدارة عنصر آخر، ثم إنها منذ الوهلة الأولى تكشف عن مساحة من ثقافة الأشخاص، وملامح جغرافية المكان.
ثانيا: الأشياء المسرود عنها وبها
في القص التقليدي ([xlii]) لا تمتلك الأشياء قدراتها الدلالية الراهنة، وإنما كانت تعمل في النصوص بوصفها ديكورا، تابعا للإنسان يمنحه بعض مميزاته الاجتماعية (كأن يمتلك سيارة، أو مالا، أو عقارات)، ويتخذ الشيء هنا عددا من الأوضاع من أظهرها أن يكون العنوان مكونا شيئيا يتكرر في الاستهلال، فلا يكون هناك فرصة للمتلقى لإعمال الخيال والمشاركة في تشكيل الصورة، تبدأ قصة “القلنسوة الصغيرة” هكذا:” قلنسوة من الصوف نسجتها يد الأم في الأشهر الأخيرة السعيدة قبل أن تضع مولودها الأول، والأم من طبعها تضع قلبها في كل شيء تصنعه لابنها حتى قبل أن تراه العين ” ([xliii]) هنا تكون الأشياء داخلة في نطاق ما هو مسرود عنه وليس به، يكاد النص يقدم تاريخا ما للعنصر الشيئى، ويكاد يمثل سمة عامة في كثير من القصص ذات الطابع التقليدي، إضافة إلى سمة أخرى تتمثل في تلك الأشياء التي تبدو مجانية في سياق السرد والتي تأتى عرضا لتقدم حدا أدنى من الدلالة.
الأشياء ههنا تبدو محايدة تحكى القصة عنها ولا تقدمها داخلة في سياق الأشياء الدالة أو الأشياء القادرة على المشاركة في النسيج الحكائي بصورة أقوى، ولكنها صورة أوشكت أن تزول بشكل عام وحلت محلها تلك الأشياء التي تتأبى على أن تظل عند حيادها، وقد تمردت على وضعيتها في المتن، في المناطق المحايدة وانطلقت إلى توسيع مجال عملها بداية من العنوان كما رأينا سابقا.
عندما يحل الشيء في العنوان فإنه يهيئ المتلقي لاستقبال قصة الشيء، الشيء بوصفه بطلا، وبوصفه قادرا على أن يشغل مساحة كبرى من إنتاج الدلالة ، الأشياء هنا داخلة فيما يمكن تسميته بوعى النص، ذلك الوعى الذى يتشكل وفق منظور السارد ليقدم سياقا سرديا يمكن الحكم على قدراته الدلالية عبر قدرته على بث الحياة في أشيائه.
فيما استلهمت القصة العربية الكون وعناصره،و العالم وأشياءه، والإنسان و محيطه الشيئي تكررت مجموعة من العناصر ذات الدلالة، ليس لأنها تكررت بصورة المصادفة أو لمرجعيتها الثقافية المشتركة وإنما لأنها بدرجة كبرى تطرح رؤى مختلفة للعنصر الواحد موظفا عبر رؤية أكثر من كاتب، نتوقف عند ثلاثة أشياء منها (الصندوق – القطار – النافذة) تتنوع بين الجزئي الثابت المكاني الذى لا يستقل بذاته (النافذة)، والكلى المتحرك (القطار) الذى يحتوى على العنصر السابق مشابها البيت بوصفه الكل للنافذة، ثم الزمنى، التاريخى الجامع بين الثبات والحركة الاستقلال والالتصاق (الصندوق).
أولا: الصندوق
يعد الصندوق علامة سردية ذات طابع تراثي، يكاد يمثل عنصرا منتزعا، أو متسربا من النصوص الحكائية القديمة كما في ألف ليلة وليلة، محتفظا بأسراره، وحكاياته، وغموضه، ويمكن رصد ثلاثة أشكال للصندوق متصدرا النصوص التي أوردته :
- مفردة معرفة: الصندوق لعبد الحكيم قاسم، الصندوق لبدر نشأت ([xliv])، والصندوق لأحمد محمد حميدة ([xlv])، الصندوق لمحمد جراح ([xlvi]).
- اللفظ مضافا: صندوق مارتينا لعائد خصباك ([xlvii])، صندوق بريد لبشرى
أبو شرار ([xlviii]) صندوق الحواديت لمحمد مقبل ([xlix])، صندوق عم آدم، علاء عبد المنعم ( [l]). - اللفظ موصوفا: الصندوق الأسود لفؤاد الحلو ([li]).
والأشكال جميعها تمثل صيغا تتأسس عليها وظيفة الصندوق، تلك التى لا تبتعد عن الوظائف القديمة، ويمكن رصد أربعة أنماط أساسية اتخذها الصندوق، تمثل مراحل ذات طابع زمنى:
أولها: الصندوق الحلم ، صندوق الكنز كما يرد في الحكايات القديمة، كاشفا عن ثقافة إنسان النص وطموحه أن يمتلك مقررات الغنى والثروة بالحصول على الصندوق معتمدا على أدوات عصره أو على ما يمتلكه من أسلحة يهدف إلى تحقيق مطامحه:” الفأس هى ماله وسلاحه .. فرضت عليه صداقتها..! يدها تعرف كفيه، ويداه تحفظ مقاسها.. تمنى كثيرا وهو يهوى بها ويدمى الأرض بسلاحها أن تكشف له عن ذلك الصندوق.. الكنز.. عن مال كثير طالما تمناه وبنى قصورا مع حكاياته. لكنها لم تكن لتصطدم إلا بالحشائش، ونباتات طفيلية كثيرة لا تنتهى ” ( [lii]).
ثانيها: الصندوق القناع أو الصندوق الرمز الذى يعتمده النص في صورته التقليدية غير المقصودة لذاتها، فالسارد يستثمر فكرة القناع مسقطا ما يريد قوله عن عصره في صورة مغايرة ” في قصر مهول.. تكون القاعة رحبة ذهبية والأعمدة مرمرية.. عرش فاخر ينتصف المكان.. السلطان يروح ويجئ ثم يتوقف أمام صندوق كبير يفترش الأرض ” ([liii])، ويروح السلطان يستجوب الصندوق الذى لم يفصح عن سبب وجوده في القصر حتى يشير الوزير إلى أن الصندوق ربما كان في حاجة إلى الاختلاء بالسلطان وعندها يبدأ الصندوق في الكشف عن مكنونه:” يبدأ الصندوق في التحرك ويزحف رويدا في اتجاه كرسى العرش يتبعه السلطان حذرا مندهشا.. يتوقف الصندوق ويشرع في رفع غطائه شيئا فشيئا.. ويكون السلطان على القرب ينظر ويتطلع.. يمد يده في قلب الصندوق ويرفعها بمجموعة من العملات الذهبية ثم يدعها تتساقط من بين أصابعه محدثة رنينا عاليا مبهرا.. ولا يقوى السلطان على مقاومة الذهول.. ثم يبدو كأن الصندوق يشرح ويتحدث وكأن السلطان يستمع مأخوذا ويرد ويتحمس ” ([liv]) وعندها يتحول موقف السلطان ليصدر أوامره بان يوضع الصندوق بجانبه على العرش ولا يكتفي بذلك:” أمر ملكى.. حطموا جميع الصناديق.. صناديق الشكاوى.. صناديق الأسعار.. صناديق الإعانات.. صناديق الانتخابات.. لن يكون في هذه السلطنة إلا هذا الصندوق.. أقبل أيها الوزير.. قدم التحية والولاء لجلالة الصندوق وأطع أوامره، ويتقدم الوزير بخطو ثقيل.. ينحنى بنصفه إلى الأرض باحترام.. بينما يتمركز الصندوق في ركنه من كرسى العرش.. ويهز رأسه بابتسام ” ([lv]).
ثالثها: الصندوق المخزن وهو الصندوق الذى يختزن الحواديت مرتبطا بزمن مضى، زمن الطفولة عند من هم شباب ” نتحلق كل مغربية حول صندوقه الخشبى ونرنو بأعين متوثبة إلى عالم الحواديت الأسطورية المزدانة ببطولات الهلالى، الموشاة بطلعة ست الحسن البهية ” ([lvi]) ، أو زمن الشباب عند من هم على أعتاب الشيخوخة:” يقولون عنه باستهتار: – إنه صندوق مبروكة..! ولا يبالون أن يصنعوا ([lvii]) عليه حتى قفص الفراريج. ترفع القفص وتنحيه بعيدا. تمسح بكفيها بل وبطرف ثوبها ظهر غطاء الصندوق العزيز الذى كان يوما ما مصفحا بالصفيح البنفسجى الجميل، كان يوما ومات من حياتها مع أنه كان أجمل يوم ” ([lviii]).
رابعها: الصندوق الآلة، آلة التواصل عبر البريد، خالقا نموذجا يقترب من النموذج النفسى الذى يتوق إليه المغترب بفعل اتساع المساحات بينه وبين الوطن والأهل:” من سنوات العمر الراحلة أعرف شكله ومكانه ذلك المربع الحديدى بلونه الأخضر كحبة زيتونة من بلادى، يظهر لى بفتحته الضيقة ومداد أبيض طلى عليه رقم 1007، أعرف عتبة المكان التى أخطو عليها كلما قصدت الذهاب هناك ” ([lix]).
ثانيا: النافــــــــذة
تمثل النافذة عنصرا شيئيا ثابتا، يأخذ طابعا مكانيا، يقوم بدور الرابط بين الداخل والخارج والمعبر بين حيزين، والأداة للانفتاح على العالم الخارجى بكل ما يضم من عناصر وأشياء، إن ضيق النافذة لا يمنعها من أداء دورها المعرفي، منحها الإنسان فرصة الاستكشاف، وفرصة إدراك ما ليس متاحا في الداخل.
النافذة بالنسبة لمن في الداخل عيونه على الخارج، وهى بالنسبة لمن هو في الخارج محاولة لسبر أغوار الداخل، وهى العيون التي تترصده في حركته الخارجية.
تأخذ النافذة صورتين (النافذة والشباك)، تأخذان صيغا متعددة، منها:
- اللفظ مفردا معرفا (النافذة) متكررا عند محمود البدوي ([lx])، وبهاء طاهر([lxi])، وحسب الصيغة نفسها تأتى مفردة الشباك عند هالة قرني ([lxii]) .
- اللفظ موصوفا أو مخبرا عنه: نافذة في الدور الخامس والثلاثين لنجيب محفوظ ([lxiii]) النافذة المغلقة لبسمة الخطيب ([lxiv])، وكانت النوافذ مغلقة ([lxv]).
- اللفظ مضافا: نوافذ يوم جديد، ليلى محمد صالح ([lxvi]).
- اللفظ مضافا إليه أو مجرورا بحرف الجر: إغلاق النوافذ لإبراهيم عبد المجيد ([lxvii])،ضوء شاحب في النافذة لسيد الوكيل ([lxviii])، وردة النافذة لسهام بدوى ([lxix]).
في قصته ” نافذة في الدور الخامس والثلاثين ” يرسم نجيب محفوظ صورة لنافذة تلعب دورين أساسيين: الإدراك والعبور، إدراك صاحب البيت حقيقة الوجود الخارجى:” استولى على الإعياء والإرهاق، وذات يوم وجدتنى أطل على المدينة من هذه النافذة، عند ذاك ألهمت الحقيقة دفعة واحدة..
- الحقيقة ؟.
- وهى أن الهموم لا وجود لها.
- أين ذهبت ؟
- لم أر إلا مدينة مجردة.
- المدينة نفسها تختفي إذا ارتفعت درجة مناسبة ” ([lxx]).
ثالثا: القطــــــــار
يمثل القطار وعاء بشريا، وصورة مكانية متحركة، تجمع بين أخلاط من الثقافات المتنوعة بتنوع البشر، والسارد – أى سارد – لقصة تدور أحداثها في قطار لا يتوقف عند مجرد سرد مساحة من الحكايات حول شخصية واحدة فهو منذ اللحظة الأولى يطرح توقعا بأنه سيكون مراقبا لما هو داخله كإنسان، وداخل القطار بوصفه حيزا، وخارج القطار بوصفه أفقا لخيال يتسع ويضيق، ويتمدد بتمدد الزمن نفسه. في القطار يصبح الآخرون من المشاركين للحيز الزمانى (زمن الرحلة) يصبحون زمنا حاضرا، فيما يتحول الآخرون في الخارج إلى ماض مستمد (بالفتح)، ماض تستمد منه الذاكرة معينها، لذا تتعدد الأزمنة في النص القطاري، إذ يتحول النص في الأغلب إلى مساحتين زمنيتين: الماضي والحاضر، يتسع الماضي لمن يمتلك السيطرة على السرد، ويتحول الحاضر إلى علامة للحاضر الآني، ويروح النص يزاوج بين الاثنين في حركة تبادلية واضحة المعالم
والمتأمل للنتاج القصصي العربي يقف أمام نقطتين لهما أهميتهما في هذا السياق:
- أن أكثر النصوص القصصية المتضمنة القطار نصوص مصرية، حتى يمكن القول بأن القطار تيمة مصرية في القص، وأنه يمثل صورة وعنصرا متكررين في هذا النوع من القصة، لا فرق بين الرواد في القصة المصرية (محمود البدوي، محمود تيمور على سبيل المثال) أو الجيل الجديد من كتاب القصة المصرية ومرورا بمن يمثلون جيل الوسط.
- وأن أكثر تجليات القطار في القصة المصرية (وفي الإبداع المصري بصفة عامة) يكون عند هؤلاء الذين ينتمون بأصولهم إلى صعيد مصر، حيث يكون القطار بمثابة الحبل السرى الذى يربطهم بالعاصمة (القاهرة)أو بشمال مصر مما يجعل من تناول هؤلاء للقطار مختلفا عن تناول غيرهم ممن لا ينتمون للجنوب.
والقطار الذى ظهر عند محمود البدوي بوصفه موضوعا قصصيا، واكب القصة القصيرة في تطورها إلى أن أصبح علامة دالة على كونه تقنية لا موضوعا، و تكنيكا قادرا على أن ينتج الكثير من الدلالات في سياق القصة القصيرة، تظهر عبر مستويات سردية متعددة.
يعد القطار علامة منتجة قبل النص، كائنة قبل إنتاج القصة، ماثلة في واقع متعين، له أبعاده الاجتماعية والنفسية في علاقته بالبشر وعلاقة البشر به ولكنه عندما ينتقل إلى سياق النص القصصي يكون له الصورة المغايرة التي يكون لمجرد اختيارها من الأسباب ما يحفز المتلقي على أن يبحث في وعن هذه الأسباب وصولا إلى العلاقة التبادلية بين بين النص والعلامة المختارة، والنص عندما يستثمر الدلالات الكامنة في القطار يخالف الواقع بأن يشحن العلامة المختارة بهذا الكم الهائل من الرموز والدلالات والإسقاطات التي من شأنها أن تجعل القطار علامة على الواقع قبل أن يكون عنصرا من عناصره، والقطار بدوره عندما يحل في النص يغير الرموز الأخرى التي يمكن استخدامها في هذا السياق نقلا من الواقع، فالسيارة مثلا قد يمتلكها الفرد فتكون علامة على وقع اجتماعي وعلى درجة في السلم الاجتماعي، ويكون لذكر موديلها و زمن انتاجها الدلالة الواضحة على هذا التدرج الاجتماعي الواضح، ولكن لأن أحدا لا يمتلك قطارا أو ليس هذا من المعهود في حياة البشر، فإنه يصبح علامة على مجتمع ورمزا لتقدم أمة وتدرجها في سلم المدنية.
لا تميل القصة القصيرة إلى رسم قطار ذي صفات مغايرة لما نعرفه من قطارات، والقصص جميعها تشترك في:
- تصوير القطار في أبعاده الفيزيائية والجغرافية.
- وأنها لا تعول كثيرا على الصفات المختلفة له،وإنما هى تعول على ما يحدث فيه.
- وأنها تشير له عبر رحلة سفر، حيث يأتى حدث السفر سابقا للمتن الحكائى من خلال العتبة الأولى (العنوان) الذى يأتى محملا ببنية دلالية تشير للعنوان أو ما يتعلق به:
- القطار، حسن نور ([lxxi]).
- القطار على الشاطىء، نجدى إبراهيم ([lxxii])
- القطار لا يصل إلى البحر، منار فتح الباب ([lxxiii]).
- قطار الشمال، عز الدين نجيب ([lxxiv]).
- القطار على الشاطئ، نجدى إبراهيم ([lxxv]).
- القطار ذو الغلاف الأزرق، عبده جبير ([lxxvi]).
- طفل القطار، نعمات البحيرى ( [lxxvii]).
- سفر جمال الغيطانى ([lxxviii]).
تختزل الأحداث المسرودة في القطار العالم السردى بكل تفاصيله التقليدية، حيث النص يتحدد عبر مستويين: مستوى تقليدى يطرح نفسه للوهلة الأولى متشكلا من الزمان والمكان والأحداث والشخصيات ومستوى مغاير، تال، أعمق هو مستوى الرمز، ويمكن للمتلقى أن يدرك بسهولة هذه العلامات التقليدية:
الزمان: حيث تهتم النصوص برصد لحظة زمنية محددة إن لم تحدد مباشرة، فإن الملامح التى تتجلى في حركة المسافرين والمودعين و الزاوية التى يرصد منها السارد مسرح الأحداث يمكنها ببساطة أن تشى بملامح اللحظة الزمنية بصورة حاسمة :” حرصت على حجز مقعد مفرد إلى الجانب الأيمن حيث يمكننى رؤية الطريق المحاذى للخط الحديدى والمدن المتعاقبة المطلة على الترعة، كذا المزارع الممتدة، والبيوت المتناثرة، وأشجار النخيل التى تزداد كثافة وتراصا كلما ازداد الإيغال جنوبا “([lxxix]).
وهى صورة نستنتج منها دلالتين تمثلان قيمة واضحة:
- كون الوقت نهارا وإلا ما استطاع السارد أن يبصر هذه المجموعة من الصور التى يقدمها بوصفها صورة مدركة بصريا، تمتد من خلال العطف المتعدد الدال على امتداد المشهد بتعدد حرف العطف (الواو)، وهو مالا يمكن حدوثه إذا كان الوقت ليلا.
- كون السارد عالما بالطريق، على دراية بتفاصيله إلى حد كبير، والمكان ليس مجهولا بالنسبة له، وهو وإن كان يقطع الرحلة داخل الرحلة، بمعنى أنه يتحرك في الذاكرة، فإنه ليس مقدما على مجهول واختياره للجانب الأيمن لارتباطه بذكرى / ذكريات خاصة بهذا الجانب، والأمر لن يختلف بالطبع بالنسبة لشخص يقطع رحلة مجهولة يقاربها للمرة الأولى، ولكنه فيما يبدو على دراية بالمكان في جوانبه المختلفة،وبعض تفاصيله الدقيقة.
المكان: وهو القطار الذى يعد مكانا داخل المكان، متحرك، يشبه حدثا متغيرا، والنصوص تعتمد على تصويره في حالتين:
- الثبات/الحركة.
- الحركة/ الثبات.
والحركة من شأنها أن تحرك العالم خارج القطار وداخله من ناحية، وتحرك الانفعالات والذكريات داخل الإنسان من ناحية أخرى، والأحداث في هذه الحالة تتحرك عبر أمكنة ثلاثة متداخلة:
- الفضاء الخارجى (خارج القطار).
- القطار.
- المسافر.
مما يجعل المكان في تداخله يشبه البصلة في تداخل طبقاتها.
الأشخاص: ولا يتوقف القطار عند كونه مكانا ساكنا أو متحركا، وإنما يتحول إلى شخصية تبادل اللإنسان العلاقة أو لغة التواصل ” وكأن القطار كائن عاقل سيسمعنى “، وحالة الوحدة التى يعانيها المسافر في القطار تجعله يشعر بإنسانية ما تجاه هذا القطار الذى يتحول بدوره إلى شخصية شبه إنسانية.
الحدث: ما إن ينطرح القطار بوصفه محتضنا للحدث المسرود حتى يوضع المتلقى عند حافة التوقع، توقع الجديد المرتبط أو المترتب على حركة القطار، والأحداث ههنا تترتب على حركة القطار الآخذة في التقدم فحركة القطار معناها حركة النص المسرود،وإذا كان ثبات المكان يحرك الخيال بدرجة ما فإن حركته تعمل على تدفق الخيال بصورة أكبر، ومن ثم تقــدم عملــية الحكى مكتســبة قدرا كبيرا من الخصــوبة التى تعمل على انتاج القدر الأكبر من دلالة النص وإمكانياته.
القطار بهذه الكيفية يقدم للسرد مجموعة من العلامات الدالة، والقادرة على المشاركة بقوة في إنتاج الدلالة:
- القطار المنتج للسرد: يترتب على حركة القطار أو الاستعداد لهذه الحركة أن تنتج مجموعة من النصوص السردية تشكل مجموعة قصصية قوامها سبعة عشر نصا ” قصص من النجيلى ” لأمين ريان. عند ما يمر قطار الصعيد في منطقة النجيلى يقسمها قسمين، يصبح كل قسم منها عالما خاصا له حكاياته وخصوصيته وتحول القطار إلى قانون يحكم حياة الأفراد في حركتهم بين قسمى المكان ” فصوت مكبر الآذان هو الشيء الوحيد الذى لا يعوق عبوره المزلقان منذ شطرت السكة الحديد هذه المنطقة إلى قسمين.. يعرف أحدهما بالسبتية والآخر بحى النجيلى “([lxxx])، واستطاعت القصص أن تقدم عشرات الأشخاص والأحداث التى لازمت حركة القطار وترتبت عليها،مما جعل للمزلقان أسراره وللنجيلى أعرجه وهلاله وعنتره ،وغيرها من شخصيات العالم الذى قسمه القطار إلى عالمين متمايزين
- القطار رؤية فنية:
لأن الإنسان محكوم فيه بحركته (حركة القطار) فإنه يتحول على مستوى المكان إلى معبر بين مكانين وبؤرة زمنية للذاكرة التى تنفتح أبوابها، ويصبح بإمكان الإنسان أن ينتقل بين ماقبل القطار ومابعده أى ماقبل الرحلة وما بعدها، الماضي والمستقبل، إنها رحلة روحية في أعماق الذات التى بات بإمكانها أن تنفصل عن عالم القطار المتحرك جانحة إلى عالمها شبه الساكن يقول السارد في قصة “سفر”: ” عند بدء سفرى ألوذ بوحدتى، ولأرغب في مخاطبة من يحاورنى ولا أسعى، أرحل في رحيلى فأمضى إلى ماكان وأستشرف ماسيكون أحاول النفاذ في كنه مالم يكن ومالن يكون، ماهو غير كائن، أرى مالم أره، مالم تساعدنى أيامى المنهكة على استبصاره ” ([lxxxi]).
بعدها يروح القطار يمثل نموذجا لاختزال العالم مستثمرا حالة لا يعيشها الإنسان إلا في القطار حيث هو محكوم بمسايرة حركة العالم الذى يجابه فيه هذه الحركة المسيطرة. فالإنسان يدخل هذا العالم بوعى سرعان ما يتغير أو ينقلب إلى وعى يحرك خياله حركة ذاتية تغوص في الزمن بفواصله (الماضي – الحاضر – المستقبل).
ثم تتعدد الرؤى الفنية التى يمكن من خلالها استكشاف الوظائف المتعددة للقطار منها:
- القطار / القدر: حيث يتحرك القطار تتحرك رحلة موازية هى رحلة الإنسان على الأرض رحلته القدرية وخطواته المحددة سلفا من لدن قوى القدر :” أستعيد سفراتى العتيقة بصحبة والدى وأشقائى، عينا أبى وقعتا على ما أمر به الآن، قطعنا الطريق مرات ” ([lxxxii]).
- القطار / استشراف الزمن : حركة القطار تمتد للإمام فيما الخيال ينسحب لحركة معاكسة، مضادة، وفق القاعدة الفيزيائية (لكل فعل رد فعل مساو له في المقدار ومضاد له في الاتجاه) يعبر القطار الوقت وتعبر الذاكرة الإنسانية اللحظة لتستشرف زمنا مغايرا غنيا بكل ما هو مختزن يشكل تاريخا مستعادا من عدد من البقع الزمنية، وتجعل السارد داخلا في لحظة صوفية تنمحى فيها حدود الزمن، وتتدرج لتتحول إلى مساحة لها بعدها الأسطورى المؤسس على الحركة، فالسارد وفق حركة القطار وحركة الذاكرة يغير المشاهد، ويصل إلى نقطة أبعد بكثير مما يمكن مراقبته بالعين، هنا يتوقف فعل العين، لتنطلق الحواس الأخرى:” كم انقضى من الوقت ؟، صرت إلى رحيل، إلى حضور، إلى وصول، تأخذنى إغفاءة، يوقظنى صقل رأسى وميله المفاجئ، صوت العجلات، النخيل خارج القطار، الأشجار المولية إلى الخلف بسرعة، لم أدر النقطة التى وصلنا إليها، عندما فتحت عينى فرأيت بلادا نائية، وقرى لا أعرفها، ورجالا من الزمن القديم يعبرون جسورا من أخشاب النخيل، وبيوتا متضامة، وشيخا عجوزا يرتدى عمامة خضراء ” ( [lxxxiii]).
ثالثا: الأشياء والزمن
ونعنى بها تلك الأشياء المعتمدة على تاريخ مسبق، حتى باتت مقترنة بحدث تاريخى أو بتاريخ يجعلها علامة عليه فقميص يوسف عليه السلام، وحوت يونس عليه السلام، وغيرها، تصبح علامات مؤسسة للتاريخ من ناحية ومن ناحية أخرى تصبح سقفا أو مستوى لكل ما يجانسها من أشياء.
الأشياء هنا تخلق تناصا مع وقائع وأحداث ونصوص سابقة، وتحرك متلقيها بين قطبين أساسيين: النص السابق في سياقه التاريخى، واللاحق في سياقه المغاير، وليس بإمكان المتلقى أن يتجاوز السابق إن هو أراد أن يلم بدرجة أعمق باللاحق ذلك الذى ينفتح ليصنع تاريخا له يمتد بطول المساحة الزمنية بين النصين في اقترانهما بأحداث معينة
في قصته ” يوسف والرداء ” يربط إبراهيم أصلان بين بطله والشخصية المأثورة (شخصية يوسف عليه السلام)، عبر الرداء (القميص) الذى يخلق مجالا حيويا من العلامات الدالة، تلك التى يمكن بلورتها في:
- عنوان القصة يجمع بين علامتين أولاهما إنسانية(يوسف) الذى يرتفع ليكون رمزا بشريا دالا على كثير من المعانى والطبائع البشرية، وثانيتهما شيئية (الرداء) الذى يصبح علامة على صاحبه ويمتلك القدرة على أن يكون علامة على كل ما يعنيه صاحبه من معان ليست بعيدة بالمرة عن نطاق الطبائع البشرية، وهو ما يجعل من الرداء علامة جامعة.
تأتى القصة في عشرة مقاطع يتضمن أولها عددا من العلامات ذات الطبيعة الزمنية الممهدة لظهور الرداء بوصفه العلامة السردية الأساسية:” كنت أقف في الساحة الصغيرة المتربة، بين دائرة من البيوت القديمة العالية.
كنت وحدى.
وكان الليل في أوله ” ([lxxxiv]).
لنقف إزاء الصفات الدالة الداخلة بقوة في التأويل، فالمتربة أشارت إلى بقائها على حالها القديم، حال ما قبل المدنية الماثلة، ويتأكد الأمر مع الصفات (القديمة، العالية) وبداية الزمن (الليل في أوله).
ويطرح المقطع الثانى نوعا من الاشتباك مع لحظة ماضية، فإذا كان المشهد السابق يحيل إلى مساحة زمنية تؤسس للحظة إنسانية يكون فيها المتكلم هو يوسف أو أحد إخوته، فإن
- عنوان القصة عنوان قافز لم يكتف بتصدره النص وإقامة علاقة معه وإنما تصدر المجموعة كلها ليجعل من نصوصها – رغم استقلاليتها بعناوينها الخاصة – نصوصا تأخذ من معانيه وما يطرحه بطرف، وهو ما يتأكد من خلال نقطتين أساسيتين: أولاهما غياب عناوين النصوص الأخرى من عناصر أو أسماء شخصيات يمكنها أن تنازع العنوان القافز دلالته أو تنافسه في الدخول إلى معترك إنتاج الدلالة وإنما تأتى العناوين داخلة في سياق العنوان القافز، لدرجة تبدو العناوين معها مجتمعة لخدمة العنوان الأكبر ويمكن رصد العناوين جميعها في ارتباطها به وهى على الترتيب: ولد وبنت، الضوء في الخارج، بندول من نحاس، رياح الشمال، المأوى، القيام، الغرق، مع ملاحظة أن النصوص جميعها تشترك في طرح معانى الفقد والأخوة والخيانة والاغتراب وغيرها مما يمتد بدلالته إلى ما تطرحه قصة يوسف في الثقافة العربية، يضاف إلى ذلك النهاية التى تأتى في المقطع العاشر والأخير وبطريقة توحى بأنه نص مقتبس من نص قديم أو سابق ” سترتك، أخذتها بنفسى إلى البيت، أخبرتهم، أنك بحالة جيد” ([lxxxv])، منتجا مشهدا جديدا يتأسس على شخصية الأخ في علاقته بأخيه، معتمدا على علامة لها دلالتها (السترة) بوصفها تطورا زمنيا على القميص القديم، منتجا دلالة ليس من السهل استيعابها إلا باستدعاء القصة المعروفة مع تغير تفرضه ظروف المشهد الجديد، فالنص في النهاية ليس استعادة للقصة القديمة وإنما هى عزف مغاير على الأوتار نفسها . وثانيتهما غياب أسماء الشخصيات في القصص وانفراد يوسف بكونه العلامة المتفردة التى تنضوى تحتها جميع الشخصيات مما يجعل المتلقى مدفوعا إلى إعادة معظم الضمائر الغائبة المتكررة في النصوص إليه بوصفها العلم الوحيد ( [lxxxvi])ذلك العلم المقترن بعلامة لها طبيعتها الخاصة الرداء، تلك العلامة التى تكاد تتكافأ في التعريف والشهرة مع شهرة قصة يوسف نفسها، من هنا يكون العنوان بهذه الوضعية قادرا على اكتناز الكثير من المعانى والدلالات الكامنة في معظم النصوص إن لم يكن كلها.
وتستدعى قصة ” يونس البحر ” النبى يونس عليه السلام، ولا تصرح باستدعائه مباشرة، وتروح طوال الأحداث تجعل المتلقى على وعى بما يجعله مهيئا للربط بين يونس بطلها (القصة)وسميه النبى، طارحة عنصرين فقط: يونس، والبحر، يونس (دون اسمه الثانى) محافظة على المتلقى داخل إطار فكرة التمهيد لظهور السمى، وحتى لا يكون الاسم الثانى عائقا يفصل بين الشخصيتين، والبحر بوصفه الرابط والعنصر الأساس في بناء القصة القديمة أو في تشكيل القصة حسب مصدرها الأساسى (القرآن الكريم) ( [lxxxvii])، ولا تفصح عن العلاقة إلا في الصفحة الأخيرة:” قالوا يونس بلعه الحوت مثل سميه النبى، وهو الآن في بطن الحوت يأكل ويشرب ويسبح بحمد الذى نجاه. يونس لابد يوما أن يعود، وكل آت بميعاد ” ([lxxxviii]) طارحا الجانب الأسطورى في الشخصية، وهو جانب لا يتوقف عند يونس الجديد وإنما يتجاوزها إلى محاولة أسطرة للبحر وأشيائه، مفصحا عن السارد وهو يعرب عن نفسه في النهاية وقد صقلته التجربة ليكون له خروجه الخاص وفعله مع الأشياء بوصفها مدارا للاختبار:” أخرج إلى البحر الكبير وأصل إلى الحوت، أشق بطنه، آتى بلحمه وعظمه وزيته، مهرا لعيون الصبية، وللتروس السمراء.
أخرج إلى البحر الكبير أشق بطن الحوت، وآتى بلحمه وعظمه وزيته، على مركبى، في عز النهار” ([lxxxix]).
وفي قصة ” سفينة نوح ” ([xc]) تستدعى السفينة مطروحة في العنوان دون التصريح بها في نص قصير لا يتجاوز الصفحة الواحدة، فالنص يطرح سيارة متهالكة مترنحة ينتظرها الجميع بوصولها ينشب صراع محموم ينتج عنه بحيرة من الدماء لتتحرك القصة حركة في الزمن مستدعية الحادث القديم، مدخلة إياه في سياق إنتاج دلالتها ودافعة المتلقى إلى السعى للربط بين العنوان والنص بوصفه مشابهة مع الفارق الدلالى بينهما.
اجتياح الأشياء
يمكن للدراس أن يرصد الأشياء في وجودها التاريخى، تاريخ النصوص وخروجها من محيطها الاجتماعى والثقافي ليلحظ أن تطورا طبيعيا لحركة الأشياء وفاعليتها في النص يوازى أو يكافئ حركة الأشياء خارج النص أو تطور العلاقة بين الإنسان والأشياء في حياته على الأرض،وهو ما يدخل جميعه في تشكيل معيار فنى له أهميته في سياق الحكم على نص أو مدى نجاح الكاتب في تشكيل نصه بصورة أكثر فنية، ومع الألفية الثالثة كان على الكثير من المواضعات الفنية أن تتغير بتغير الكثير من أشكال الحياة الإنسانية، وتغير أشكال العلاقات بين بنى الإنسان بعضهم البعض، وعلاقتهم بمحيطهم الآخذ في الاتساع فلم تعد الأرض هى البيئة المحلية للإنسان، ولم يعد مفهوم البيئة المحلية نفسه هو المفهوم القديم الذى يعنى المدينة بمعناها الضيق.
إزاء ذلك أوجدت الكتابة لنفسها آفاقا جديدة ومغايرة منحت خلالها الأشياء مساحات أكبر بكثير مما كان عليه الأمر في السابق فإذا كانت الأشياء قد اتخذت عددا من الأوضاع التى تمثل مراحل توظيف لها، وتحدد عددا من الأدوار المختلفة التى لعبتها على مدار تجلياتها في النص بداية من كونها مجرد ديكور، أو مجرد علامات تدور في فلك الإنسان بوصفها ممتلكاته الخاصة فإنها لم تتوقف عند ذلك كله، وإنما راحت تطور أداءها في حلولها النصى فأخذت وضعية جديدة هى وضعية السارد تلك التى اعتمدتها الأشياء في معظم قصص المجموعة القصصية ” اجتياح ” ([xci]) حيث الأشياء تكاد تتخلى عن أوضاعها القديمة ليكون لها وجودها المستقل عن الإنسان، وتروح تنافسه بجدارة وجوده الدال.
بداية تربط القصص بين العناوين غير الشيئية في الغالب، والعنصر الشيئى الحال في النص، ويمكن الكشف عن تجليات العلاقة بين العناوين الموحية والأشياء من خلال رصد عدد منها على النحو التالى:
- هوية عنوان لقصة ترصد حركة مسمار ص 7.
- تشظ عنوان لقصة تدور حول شظايا زجاج السيارات على الأسفلت ص 13.
- غربة عنوان لقصة ترصد رحلة شجرة ص 15.
- رش عنوان لقصة تربط بين زجاجة عطر وبندقية ص 21.
- صفعة حول كرة جولف ص 23.
- طلقة حول طلقة بندقية ص 35.
- اجتياح حول رحلة شجرة واجتياح الإنسان لها ص 57.
و على هذه الشاكلة تأخذ الأشياء أوضاعها الصارمة في إنتاج دلالتها، و ابتكار أوضاعها الأقدر على منحها طاقة التأثير الأقوى في إنتاج جمالياتها الخاصة، مانحة نفسها مساحة أوسع بكثير مما هو متاح لها، وهو ما لفت انتباه المتلقى الناقد فعمل الكاتب خلال المجموعة: ” يكاد يكون ثورة ضد تقليد الواقع والسائد باسم قوانين الفن المستقلة ذاتيا، والمعنية بوجهة نظر الكاتب وزاويته الشخصية المشرفة إلى الأمور، وأحد المتطلبات العملية لهذه الاستقلالية، هو جدة التناول، وجدة المواضيع وما تحيطها من أجزاء صغيرة لها جمالية متساوية. يمكن القول إن القاص الشاب محمود الورواري قد انحاز في “اجتياح” إلى انطباعية ما، ليست وقفا على المشهد الطبيعي الذي يُنظر له كظاهرة بصرية، والتي تغدو معها قيمة الإنسان ليست أكثر من قيمة شجرة، بل إلى مصالحة من نوع ما، وعدم تعارض بين الموضوع و هامشيته” ( [xcii]).
وعلى مدار المجموعة تأخذ الأشياء وضعيتين تتحددان بنوعية الضمير المستخدم:
- ضمير الغائب: وفيه تصبح الأشياء أبطالا للحكى لا يلتفت السارد إلى غيرها، ولا يدخل في دائرة اهتمامه سواها لتكون هى مركز العالم، هى العناصر الأكثر حضورا والأكثر تأثيرا في تشكيل اللوحة السردية التى لا تتوقف عند قصة واحدة وإنما تتضام المشاهد لتشكل لوحة كبرى قادرة على تقديم صورة سردية يمكن للمتلقى التداخل معها وصولا إلى ما ينتجه السرد من مقولات تدخل بقوة في اكتمال دائرة الإبداع، وعلى المتلقى هنا أن يتجاوز ما هو تقليدى متحركا إلى منطقة التجريب، منتبها إلى طبيعة المسرود عنه، الأشياء في حلولها الإنسانى: ” ضج الأسفلت.. ضاق وتألم مما تفعله شظايا الزجاج المتناثرة عليه من بقايا صدام، إذ تحول بها الدهس إلى غزغزة وتمزيق. همت الشظايا لتبكى فحال التناثر دون ذلك.. حاولت تجميع نتفها لكن تكرار الدهس والسحق حطم خيوط التلاقى.. مالت في حنو ومسحت وجه الأسفلت متخلية عن شراسة وشوك لم تقصدهما إذ فرضتهما قسوة السيارات وعنفها.. لم يأمن الإسفلت بداية هذه اللمسة التى تمادت في شجنها حتى تحولت إلى حرير وثق المصالحة ” ([xciii]).
وفق هذا الضمير تأتى معظم قصص المجموعة في سياق يتحرك بين أنسنة الأشياء على حساب المساحة الافتراضية المتاحة للإنسان، أو التى كان من المفترض أن يشغلها الإنسان في النصوص، فالمتلقى يدخل سياق القصة، أية قصة متوقعا أن يقرأ عن البشر، و أن يتابع أحداثا صنعها البشر، ويقع تأثيرها المتبادل بين الاثنين، ولكنه يرى مساحة الأشياء المتزايدة طارحة أسئلة لها تأثيرها الخاص في الدلالة، وفي توجيه المتلقى لطرح أسئلته الخاصة التى لا تبتعد بالتأكيد كثيرا عن مجال فعل الأشياء.
- ضمير المخاطب: وفيه تتحول الأشياء إلى شخصيات حوارية، يتكشف فيها السياق عن صوتين: السارد، والمخاطب، صوت السارد الذى يحل في القارئ، ويجعله وسيلته للتعبير، مما يدخله (المتلقى) بعمق في نطاق المشهد السردى، هنا يتوارى السارد متخليا عن فرادته لصالح تعدد الساردين بتعدد المتلقين، وهو ما يسمح بتعدد أشكال التلقى حسب حالة كل متلق وثقافته ومزاجه وهو ما ينعكس على مساحة اكتناز الدلالة الكامنة في الأشياء، ويضفي عليها مساحة أكبر من الأنسنة والحميمية:” من بين أشجار المشتل اختاروك. كنت شجرة مشرقة، تبتسمين دائما، ترقصين لأية نسمة تأتيك محملة بأحلام وعطر
أنت الـ….
يقلبون في أوراقك الغضة.. يتحسسون أغصانك الطازجة.. يجذبونك ناحية أنوفهم.. يتركونك تنتفضين كحمامة تهفهف في قفص !
أنت الـ…
يبحلقون في أرضك… يشيرون بأظافرهم ناحية نهاية الساق وبداية المتسع.. يرسمون حولك دائرة محددة كقيد حديد محكم القفل.. ” ([xciv] ).
بعد الجملة الأولى ومع تقدم السرد يعتمد المشهد على تناسى المجاز الأول حيث يروح المتلقى يتعامل مع الأشياء بوصفها بشرا، ويخلق نوعا من الصراع بين قوتين: المخاطب، والجماعة البشرية التى يكرر فعلها بتكرار ضمير الجماعة (يقلبون – يتحسسون – يتركونك – يبحلقون – يشيرون – يرسمون – يجذبونك – يقتلعونك – يخرجونك – يلقونك – يردمون………) ما يزيد على الأربعين مرة، في مقابل عدد محدود من أفعال ضمير المخاطبة الذى يأتى في صورتين مغايرتين: صورة ما قبل فعل الجماعة وهى صورة الوضع الآمن والسعيد للشجرة قبل فعل البشر، ثم صورتها فيما بعد فعلهم مما يشير بشدة إلى النتائج السلبية لهذا الفعل البشرى غير الرحيم.
هنا تكون الأشياء قادرة على أن تعكس صورة ما للبشر من زاويتين:
1- زاوية السارد: من حيث اعتماده الأشياء دون غيرها لتشكيل صورة الإنسان بالوضع الذى يبدو فيه الإنسان غير قادر على أن يعبر بنفسه عن نفسه أو غير قادر على الاستغناء عن الأشياء، تلك القادرة على الإشارة للعالم بصورة أقوى.
- زاوية الأشياء نفسها: وكيف أنها تسجل رؤيتها للإنسان ذلك الأكثر قسوة، وتكتب شهادة عن جبروته وقدرته على أن يكون مخربا:” يفجرون زهور هدأتك… يقتحمون بابك.. يفضون غلاف سكينتك.. يبعثرون أوراقك.. يمزقون قصيدة لم تكتمل. إذ تنقصها الفرحة ” ([xcv])، إذا واو الجماعة ههنا تصرح بالفعل الجماعى للبشر بشكل مباشر فإن صورا أخرى قادرة على التعبير عن ذلك بشكل مجازى، فالسيارات وهى تتحرك بقسوة في الطرقات مجاز عن سائقيها من البشر، وتعبيرات من مثل:” قسوة السيارات وعنفها “، و” السيارات تشابهت في جحودها ” ([xcvi]).
عبر القصص جميعها أعلنت الأشياء قدرتها على اجتياح العالم وفرض سيطرتها على الكثير من مكونات وعى الإنسان، وامتلاكها من الوعى قدرا يسمح لها أن تشكل طرائق القص وفق رؤيتها للعالم والإنسان.
رابعا: الأشياء علامة لغوية
ليست الأشياء مجرد عناصر تشكل جغرافية النص، وتساهم في ملء فراغات المكان، والإشارة إلى بعض مميزات البشر عن بعضهم البعض، وإنما ينضاف إلى ذلك دور تكون فيه الأشياء عنصرا فاعلا في تشكيل لغة النص وإثراء نسيجه فالأشياء – وهى في قمة الحسية – بوصفها مفردات لغوية قد تمنح النص من الدلالات ما ليس بإمكان المفردات المغايرة أن تمنحه حيث مفردة كالسيف أو القطار أو الباب قادرة على إثراء الدلالة عبر قدرتها على الإنتاج في سياقات متعددة وهو ما لا تقدمه المفردات التى تشير إلى ما هو معنوى، من هنا تتجاوز الأشياء أدوارها التقليدية لتثرى عالمها بما هو أعمق أثرا من ذلك.
منذ العنوان تلعب الأشياء دورها في النسيج اللغوى للقصة، وهو دور يتأسس لغويا على العناصر الشيئية وحركتها في العنوان أو المتن ، مع التأكيد على أهمية ثلاث مواضع يرتفع فيها موضع الدلالة، منطقة العنوان، ومنطقة الاستهلال ، وجملة الختام إذ تصبح هذه المناطق متفردة بتصدرها أو استهلالها أو كونها الجملة الختامية التى لا كلام بعدها، والتأكيد على هذه المناطق لا ينفي الأهمية عن غيرها من المواضع في المتن وإنما لأن القراءة أحيانا لا تتمعن فيما يرد في المتن من جمل وعبارات وأبنية لغوية لها أهميتها في سياق إنتاج الدلالة.
الشيء هنا يتشكل وفق عدد من الصيغ ذات الدلالة الخاصة منها تمثيلا لا حصرا :
- الشيئ مبتدأ: يكون النص خبرا للمبتدأ وهو ما يجعل النص (سواء كان النص كاملا بالنسبة للمبتدأ العنوان، أو الجملة الواحدة في حالة الشيء عندما يكون في سياق المتن)يتحول إلى مساحة من القص عن الشيء دون غيره وهو ما يتناسب مع رصد تاريخ الشيء كما في النصوص التقليدية القديمة، أو استجلاء فاعلية الشيء في النصوص الحديثة.
- الشيئ فاعلا: ويكون الإقرار بقوته وقدرته، منبها إلى أن للأشياء فعلها المنفصل عن الإنسان مما ينقلها إلى منطقة مجازية أبعد مما سبق، منطقة تقترب من منطقة الأسطورة في مفارقتها منطقة الحقيقة أو المباشرة: ” هذه الليلة قرر الباب أن يسخر من كل خبرته وحواسه….. هذه الليلة – هى في الحقيقة – بداية علاقة جديدة مع الباب ” ([xcvii]).
- الشيء مفعولا به : وهو ما يشى بفعل إنسانى يتوزع بين الرحمة والقسوة، والشدة واللين، وغيرها من الدلالات التى يمكن لمحلل نفسى أن يرصد الفعل الإنسانى مستنتجا منه حالة نفسية لإنسان أسقط ما بداخله من عنف على الأشياء الضعيفة، أو فرغ شحنة قهر على ما حوله من أشياء غير بشرية أو انتقم من الآخرين من بنى جنسه بتحطيم الأشياء مثلا.
……………………
هوامش وإشارات
[i] – يتجلى ذلك في نظرة المجتمع لامتلاك الإنسان سيارة ذات طراز معين ليكن طرازا حديثا مثلا، ويمكن العودة للجملة الحوارية التى كانت تتكرر في أفلام الستينيات والتى تحمل مضمونا اجتماعيا واقتصاديا في آن واحد، تجد أحدهم يردد عبارة: فلان عنده عربية 6 متر.
[ii] – تراجع الأشياء التى تتحرك في أحلام الإنسان، سواء أكانت أحلام النوم أو أحلام اليقظة، ويعتمد عليها التأويل كثيرا في رصد بعض ملامح تكوينه النفسى، وكتب تفسير الأحلام تقسم الأحلام إلى أبواب حسب الأشياء المرئية ومدى تكرار رؤيتها وعلاقة ذلك بحالته النفسية.
[iii] – مجمع اللغة العربية: المعجم الفلسفي – القاهرة 1983 ص 104.
[iv] – راجع: مصطفي الضبع: الأشياء وتشكلاتها في الرواية العربية – حوليات الآداب والعلوم الاجتماعية – مجلس النشر العلمى – جامعة الكويت – الكويت 2004.
[v] – دراسة غير منشورة .
[vi] – إبراهيم الدرغوثى: كأسك يا مطر – دار سحر للنشر – تونس 1997، ص 87.
[vii] – السابق نفسه.
[viii] – تجاوزنا لوحة الغلاف التى يمكن عدها العتبة الأولى قبل العنوان، فالمجموعات التى توقفت لديها الدراسة لم تلفت الأشياء فيها منتجى الأغلفة من الفنانين التشكيليين بالقدر الذى يمكن اعتماده في التأويل، باستثناء المجموعات التى قفز فيها العنوان الشيئى ليتصدر المجموعة كما في مجموعة المكحلة لهدى النعيمى، وفي مجموعة ” بقعة حمراء ” للكاتبة السعودية هدى بنت فهد المعجل، حيث تحتوى لوحة الغلاف على بقعة حمراء هى ترجمة للعنوان، اللوحة هنا بطريقتها المباشرة تلك تمثل مساحة ابتعاد للمتلقى عن مجازية الفن ورمزيته الدالة إذ تغلق أفق التلقى المؤسس على ما يطرحه الخيال المتشكل بوحى اللغة التى ترجمت بطريقة مباشرة تبعدها عن إنتاج دلالتها بطريقة أعمق.
[ix] – نعنى بالأشياء الكونية، تلك الأشياء الأقرب للطبيعة كالشمس والقمر، والجبال والمحيطات، والأنهار، والتى تخرج عن نطاق السيطرة الإنسانية، تؤثر في الإنسان ولا يؤثر فيها بالقدر نفسه، بقدر تأثيرها فيه، وتأثيره فيها يكون بصورة جزئية ليفيد منها لكنه ليس قادرا أبدا على اكتناز كل قوانينها، ومن ثم امتلاك تلك الأسرار التى يمكنه من خلالها السيطرة الكلية عليها.
[x] – اعتمد الدرس النقدى خمسة مكونات من عناصر المشكلة للعنوان هى بمثابة أنواع:
1- المكون الفاعل (الشخصية).
2- المكون الحدثى.
3- المكون الشيئى.
4- المكون المكاني.
5- الزمنى.
انظر: شعيب حليفي: النص الموازى للرواية (استراتيجية العنوان) – مجلة الكرمل – العدد 46/1992.
[xi] – محمد عبد الحليم عبد الله: الضفيرة السوداء – مكتبة مصر – القاهرة، د.ت، ص 97.
[xii] – خيرى شلبى: أشياء تخصنا – الهيئة العامة لقصور الثقافة – القاهرة 2003، ص 7.
[xiii] – محمد الراوى: أشياء للحزن – كتاب المواهب – المركز القومى للفنون والآداب – القاهرة 1981.
[xiv] – نبيل عبد الحميد: الأشياء على غصن أخضر – الهيئة المصرية العامة للكتاب – القاهرة 2001، ص 63.
[xv] – طالب الرفاعى: أبو عجاج طال عمرك – دار الآداب – بيروت 1992، ص 5.
[xvi] – عبد الرحمن شلش: المرافئ البعيدة – الهيئة المصرية العامة للكتاب – القاهرة 1996، ص 81.
[xvii] – شريف عبد المجيد: مقطع جديد لأسطورة قديمة – ميريت للنشر والمعلومات – القاهرة 2002، ص 23.
[xviii] – سيد عبد الخالق: الآخرون وأغنية لضحى – الهيئة المصرية العامة للكتاب – القاهرة 1990، ص 107.
[xix] – عبد العال الحمامصى: للكتاكيت أجنحة – الهيئة المصرية العامة للكتاب – القاهرة 1995، ص 102.
[xx] – ميرفت على العزونى: حبات الفراولة – كتاب رؤى للإبداع – المحلة 2001، ص 7.
[xxi] – حنيفة فتحى: السماء أيضا تبكى – المؤسسة المصرية العامة للتأليف والأنباء والنشر – القاهرة 1966، ص 31.
[xxii] – منى الشافعى: البدء… مرتين – شركة الربيعان للنشر والتوزيع – الكويت 1994، ص 137.
[xxiii] – هدى النعيمى: المكحلة – مطبعة آمون – القاهرة 1997، ص 7.
[xxiv] – محمد الشرقاوى: النخــــلة – الهيئة العامة لقصور الثقافة – القاهرة 2004، ص 31.
[xxv] – إيهاب الدكرورى: حامل الراية – الهيئة العامة لقصور الثقافة – القاهرة 1999، ص 58.
[xxvi] – عبد المنعم فرج: جسد في ظل – مركز الحضارة العربية – القاهرة 1998، ص 51.
[xxvii] – إبراهيم أصلان: حكايات من فضل الله عثمان – ميريت للنشر والمعلومات – القاهرة 2003، ص 29.
[xxviii] – محمد عبد الحليم عبد الله: جولييت فوق سطح القمر – دار مصر للطباعة – القاهرة 1977، 145.
[xxix] – السيد نجم: عودة العجوز إلى البحر – دار الوفاء لدنيا الطباعة والنشر والتوزيع – الإسكندرية 2000، ص 35.
[xxx] – بوراوى سعيدانة: أخبار حمدان القرمطى وأتباعه – مطبعة بسيس سوسة – تونس 1995، ص 24 (قاص تونسى له مجموعتان قصصيتان ورواية قيد النشر).
[xxxi] – محمد الفخرانى: بنت ليل – الهيئة العامة لقصور الثقافة – القاهرة 2002، ص 75.
[xxxii] – مصطفي الأسمر: ابتسموا للحكومة – مطبعة التأهيل الشامل – دمياط الجديدة 1996، ص 3.
[xxxiii] – جمال الغيطانى: ثمــار الوقت – مؤسسة أخبار اليوم – القاهرة 1989،ص 100.
[xxxiv] – بشرى محمد أبو شرار: اقتــــــلاع – مطبوعات القصة – الإسكندرية 2004، ص 145، ص 147، ص 153.
[xxxv] – محمد حسن عبد الله: سر الأسرار – مؤسسة أخبار اليوم – القاهرة 1980، ص 71، ص 99.
[xxxvi] – عبد الحكيم قاسم: الأشواق والأسى – الهيئة المصرية العامة للكتاب – القاهرة 1984، ص 15، 67.
[xxxvii] – عز الدين نجيب: مشهد من وراء السور– الهيئة المصرية العامة للكتاب – القاهرة 2001، ص 5، 38، 117.
[xxxviii] – محمد البساطى: أحلام رجال قصار العمر – الهيئة المصرية العامة للكتاب – القاهرة 1984، ص 73.
[xxxix] – إبراهيم الدرغوثى: كأسك يا مطر – مصدر سابق ص 44، ص 75.
[xl] – أمين ريان: برجـــالاتك – الهيئة العامة لقصور الثقافة – القاهرة 1997، ص 7، ص 111.
[xli] – بلال فضل: بنى بجـــــم – دار ميريت – القاهرة 2005، ص 43.
[xlii] – من المنطقى أن يكون لمصطلح القص التقليدى بعدا زمنيا يجعله منطبقا فقط على النصوص الأقدم في سياق القصة العربية، والدراسة تستخدمه وفقا لهذا المنطق مع الوضع في الاعتبار أن المصطلح ما زال يستخدم من لدن بعض الكتاب المعاصرين.
[xliii] – محمد عبد الحليم عبد الله: جولييت فوق سطح القمر – مصدر سابق ص 14.
[xliv] – بدر نشأت: معطف الكلمات – الهيئة المصرية العامة للكتاب – القاهرة 1994، ص 73.
[xlv] – أحمد محمد حميدة: شوارع تنام من العاشرة – الهيئة المصرية العامة للكتاب – القاهرة 1986، ص 15.
[xlvi] – محمد جراح: الشـــــونة – مركز الحضارة العربية – القاهرة 2003، ص 31.
[xlvii] – عائد خصباك: صندوق مارتينا – كتاب العربى – العدد الثامن والستون – أبريل 2007، ص 297.
[xlviii] – بشرى محمد أبو شرار: اقتــــــلاع – مصدر سابق، ص 29.
[xlix] – محمد مقبل: الرماديون – فرحة للنشر والتوزيع – القاهرة 2003، ص 25.
[l] – علاء عبد المنعم: يوم تكلم الظل – سلسلة الكتاب الأول – المجلس الأعلى للثقافة – القاهرة 2006، ص 91.
[li] – فؤاد الحلو: إلا الليل – طبعة خاصة – ص 31.
[lii] – محمد جراح: الشــــونة – مصدر سابق، ص 32.
[liii] – بدر نشأت: معطف الكلمات – مصدر سابق، ص 73.
[liv] – السابق ص 76.
[lv] – السابق ص 77.
[lvi] – محمد مقبل: الرماديـــون – مصدر سابق ص 25.
[lvii] – هكذا في الأصل والأدق ” أن يضعوا “.
[lviii] – عبد الحكيم قاسم: الأشواق والأسى – مصدر سابق، ص 16.
[lix] – بشرى محمد أبو شرار: اقتـــلاع، مصدر سابق، ص 29.
[lx] – محمود البدوى: قصص من الإسكندرية – مطبوعات مكتبة مصر – القاهرة 2002، ص 191.
[lxi] – بهاء طاهر: بالأمس حلمت بك – الهيئة المصرية العامة للكتاب – القاهرة 1984، ص51.
[lxii] – هالة قرنى: خمس بنات – الهيئة العامة لقصور الثقافة – القاهرة 2002، ص 7.
[lxiii] – نجيب محفوظ: شهر العسل – دار مصر للطباعة – القاهرة، د.ت، ص 187.
[lxiv] – بسمة الخطيب: النافذة المغلقة – كتاب العربى – العدد الثامن والستون – أبريل 2007، ص 256.
[lxv] – أشرف حسن عبد الرحمن: يوم مناسب للقتل – الهيئة العامة لقصور الثقافة – ثقافة المنصورة – المنصورة 2002، ص 52.
[lxvi] – ليلى محمد صالح: لقاء في موسم الورد – دار سعاد الصباح – الكويت 1994، ص 59.
[lxvii] – إبراهيم عبد المجيد: فضــــاءات – الهيئة المصرية العامة للكتاب – القاهرة 2001، ص 151.
[lxviii] – سيد الوكيل: للـــروح غناها – الهيئة المصرية العامة للكتاب – القاهرة 1996، ص 51.
[lxix] – سهام بدوى: عــــــزف منفرد – الهيئة المصرية العامة للكتاب – القاهرة 2002، ص 83.
[lxx] – نجيب محفوظ: شهر العسل – مصدر سابق، ص 212.
[lxxi] – حسن نور: عينان زرقاوان – الهيئة المصرية العامة للكتاب – القاهرة 1995، ص 19
[lxxii] – نجدى إبراهيم: سفر الحب – مصدر سابق ص 6.
[lxxiii] – منار فتح الباب: القطار لا يصل إلى البحر – الهيئة المصرية العامة للكتاب – القاهرة 2000، ص 45.
[lxxiv] – عز الدين نجيب: مشهد من وراء السور– مرجع سابق ص 201.
[lxxv] – سفر الحب – الهيئة العامة لقصور الثقافة – إقليم القاهرة الكبرى – القاهرة 2003، ص 6.
[lxxvi] – عبده جبير: الوداع: تاج من العشب – الهيئة المصرية العامة للكتاب – القاهرة 1985، ص 31.
[lxxvii] – نعمات البحيرى: نصف امرأة – دار الثقافة العربية للطباعة – القاهرة 1977، ص 59.
[lxxviii] – جمال الغيطانى: ثمــار الوقت – مصدر سابق، ص 34.
[lxxix] – السابق ص 35.
[lxxx] – أمين ريان: قصص من النجيلى – المجلس الأعلى للفنون والآداب والعلوم الاجتماعية – القاهرة 1977.
[lxxxi] – السابق ص 35.
[lxxxii] – جمال الغيطانى: ثمار الوقت – مصدر سابق، ص 36، والمشهد ترجمة لقول الشاعر:
مشيناها خطى كتبت علينا ومن كتبت عليه خطى مشاها
[lxxxiii] – السابق ص 46.
[lxxxiv] – يوسف والرداء، مصدر سابق، ص 41)والتحديد من عندنا).
[lxxxv] – السابق ص 48.
[lxxxvi] – باستثناء اسم يبدو عارضا ليس بالإمكان الاعتماد عليه في إنتاج الدلالة النصية، وهو اسم ” إيفا ” الوارد في قصة ” رياح الشمال ” من المجموعة ذاتها، ويكفي الإشارة إلى أنه ليس داخلا في شبكة العلاقات سواء على مستوى القصة أو على مستوى المجموعة كما أنه ليس مطروحا للدخول في منافسة مع العلم الوحيد المتصدر. انظر ص 31 من مجموعة ” يوسف والرداء “.
[lxxxvii] – ﭧ ﭨ ﭽ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﭼ الصافات: ١٣٩ – ١٤٤، وتتكرر بعض التفاصيل في سورة يونس 98، وسورة القلم 47-50.
[lxxxviii] – اعتدال عثمان: يونس البحر – الهيئة المصرية العامة للكتاب – القاهرة 1987، ص 95.
[lxxxix] – السابق ص 95.
[xc] – آمال الشاذلى: ضجيج الصمت – دار الوفاء لدنيا الطباعة والنشر – الإسكندرية 2002، ص 17.
[xci] – محمود الوروارى: اجـتيــــاح – دار الآداب – بيروت 2002.
[xcii] – عناية جابر: اجتياح – جريدة السفير، والمقال منشور عبر موقع أدب وفن على شبكة الانترنت:
http://www.adabwafan.com/display/review.asp?id=AEEB37B5-5625-4DC6-8AEE-56AEE64DAF7E
[xciii] – محمود الوروارى: اجتيـــــاح – مصدر سابق، ص 13.
[xciv] – السابق ص 15.
[xcv] – السابق ص 31.
[xcvi] – السابق ص 13، 14، والصورة المجازية ذاتها يمكن متابعتها في كثير من النصوص القصصية، نمثل لها بالطفلة الصغيرة بطلة قصة نظرة ليوسف إدريس، تعبر الطفلة الطريق متجاوزة السيارات المسرعة، يقول السارد: ” ولم أحول عينى عنها وهى تخترق الشارع العريض المزدحم بالسيارات………… وأخيرا استطاعت الخادمة الطفلة أن تخترق الشارع المزدحم في بطء كحكمة الكبار………. وكادت عربة تدهمنى وأنا أسرع لإنقاذها ” راجع قصة نظرة ليوسف إدريس من مجموعة ” أرخص ليالى ” ص 12.
[xcvii] – سيد الوكيل: مثـل واحـــد آخـــر – دار الاتحاد للطباعة – القاهرة 2003، ص 56.