الأرملة تكتب الخطابات سراً ..حكاية حقيقية لا تُصدًّق

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 42
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

عزة حسين

فى عالم نسوى خالص، حيث تفاصيل قليلة ومتكررة، اخترق خطاب مجعد نافذة الأرملة القديمة ورشق إلى جوارها بالسرير، لم تكتشفه إلا بعد منام طويل لخص حياتها كاملة، لكن شعورا غامرا بالذنب اجتاحها لمشاركته سريرها كل ذلك الوقت، وكأنه رجل أكيد.

الأرملة الفارغة إلا من خطابات غرامية تعيد إنتاجها للمراهقات بدلا من خطاباتهن الركيكة، وخطابات سجينة دولابها منذ أن أعادها حبيبها القديم قبيل زواجها من صائغ المدينة، وكراريس ترمم حياتها بتصحيحها لفتيات الدروس الخصوصية، عادت مؤخرا لمدينتها الصغيرة لتختار مقبرة وتموت.

كانت تنتظر الموت بين كل يناير وتاليه، ولا تصدق أن العام عبر، تترقب مع تلميذاتها الجنازات اليومية لسكان الحى، ويدهشها حيادهن رغم معرفتهن بأغلب سكان النعوش.

تعلم كم من قصص الحب أحبطت فى شبابها كمدرسة مع كل اكتشاف وتشهير بخطاب لإحدى تلميذاتها القدامى، فقررت التكفير عن ذلك بخطابات تكتبها لأحفادهن تأسر عشاقهن وتسهم فى إرسالهن لأزواج يحببنهم.

تلك الأرملة هى بطلة الرواية الأحدث للروائى الشاب «طارق إمام» «الأرملة تكتب الخطابات سرا» الصادرة مؤخرا عن دار «العين» للنشر، بعد روايتى «شريعة القطة» و«هدوء القتلة» الحائزة مؤخرا على جائزة «ساويرس»، وهى (80) صفحة من القطع المتوسط، مما يجعلها أقرب إلى «النوفيللا» من الرواية الأطول نسبيا.

يبدو عنوان الرواية بشكله المائل وتقريريته الصادمة وكأنه أحد المانشيتات الصحفية الساخنة، أما الزهور الملونة التى طوقت شحوب المدينة، فى غلاف معبر للفنان أحمد اللباد، فقد صنعا للرواية ما يشبه اللوجو، لعتمة الأرملة التى تزحف فوقها قصص العاشقات الصغيرات.

على أن الصمت كان سيد الموقف، فبدت الرواية كاملة كمشاهد رمادية صامتة، ولا يشعر معها المشاهد / القارئ بحاجته لأى أصوات. واصطفت المقاطع كسيل شاعرى لقصيدة طويلة وهى التقنية المهيمنة على كتابات «طارق إمام»، لكنها لا تنتمى للواقعية السحرية التى تظهر فى أغلب كتابات الأديب وإن قاربتها، لأن الخيال داخلها كان مبررا وحاضرا بصفته متخيلا أو ضمن سياق خيالى ولم يقدم على أنه واقع غرائبى.

وتبدو ملحوظة الأجواء النسوية التى تؤطر تفاصيل وزوايا الرواية، لكنها بعيدة عن المفهوم الجسدى المستهلك الذى تستسلم لفخه الكتابات التى تقارب هذا التصنيف، ليس فقط لأن أغلب الأبطال تقريبا نساء، لكن لأنها عرضت لشرائح عمرية ومهنية وسيكولوجية متعددة من النساء، ووشت بالكثير من الهموم الإنسانية والوجودية لتلك الفئات دون صخب أو تظلم، فضلا عن المفارقات النسوية الهادئة التى انسحبت من خلالها كلُ من بطلاتها من سطور الرواية، ولخصت تيمتها الشخصية، فالأرملة تكتب الخطبات سرا.. «حكاية حقيقية حتى إنها لا تصدق !

 

عودة إلى الملف

 

 

مقالات من نفس القسم