استعارات جسديَّة

استعارات جسديَّة
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

نمر سعدي

النرجسيَّةُ جرحٌ في القصيدةِ؟

أم في القلبِ؟

أم هيَ ظلُّ الذئبِ في جسدِ الأُنثى؟

أم النايُ في أضلاعها؟

وعلى أجفانها حبقٌ يبكي لأتبعَهُ؟

أم ماردٌ في كتابِ البحرِ؟

أم نزقُ الغاوينَ في كلِّ وادٍ

لا تمرُّ بهِ إلَّا الفراشاتُ والغزلانُ؟

أم أثرٌ لا يُقتفى

كانَ قبلَ الحُبِّ ضيَّعهُ

فمُ المُحبِّ على عينيْ حبيبتهِ

وجئتُ من ظلمةِ الرؤيا لأرفعهُ؟

*

وكأنَّ زهرَ البرتقالِ على أظافرَ كالمحارِ

كأنها جورجيَّةٌ وكأنَّ شمسَ الساحلِ السوريِّ في دمها

وما من شاعرٍ يوماً رآها أو أحبَّ صفاتها أو نثرها الرعويَّ

إلَّا واستقالَ من الكتابةِ والندى البلديِّ

كانَ محمدُ الماغوطُ يشهدُ أنها أحلى نساءِ سلميةَ الصحراءِ

والقمحُ الحزيرانيُّ / والرُمَّانُ / والعنبُ / العبيرُ / أصابعُ الزيتونِ / ليمونُ الخريفِ

الطائرُ الليليُّ في غاباتِ عينيها

ورائحةُ الصدى والحبرِ تشهدُ

أنها أحلى نساءِ سلميةَ

الفرسُ المجنَّحةُ / القصيدةُ / والصديقةُ / والحديقةُ في الجسدْ

*

النايُ قلبي ، والصدى المجروحُ هاويتي

أقولُ: لعلَّ شخصاً آخرَ ارتجلَ الغناءَ

وأوقدَ الحنَّاءَ في امرأةٍ

لها خصرٌ من البلَّورِ والصدفِ المضيءِ

لعلَّ ظلَّاً في الظهيرةِ

هبَّ من قمصانِ رغبتها

ليطردَ عن دمائي النومَ..

كانَ عبيرُ نهديها على مرمى احتراقِ

العوسجِ البشريِّ..

هل لصليبها أمشي؟

وهل بأظافرٍ قزحيَّةِ الألوانِ تستهدي دمائي؟

أو أرى وجهي ليصبحَ قبضَ ريحٍ؟

تأكلُ الطيرُ الغريبةُ خبزَ أشعاري

وتشربُ خمرَ أسراري وترحلُ فجأةً عني..

انطفأتُ من الحنينِ، من السرابِ

ومن شموعٍ لا تضيءُ

ومن قصائدَ لا تجيءُ

ومن عصا الرؤيا

ومن شبقِ التفتُّحِ في ورودِ الصيفِ

من عصبيَّةِ الشعراءِ في الفشلِ الذريعِ

وفي اجتراحِ المعجزاتِ..

إذنْ سأكتبُ ما أُريدُ

لجيدِ تلكَ المرأةِ الذهبيِّ

للنسيانِ.. للحُبِّ السريعِ

لشاعرٍ فوقَ الصليبِ

لجهلةٍ في الأربعينْ

*

كمن يعانقُ عنقاءً وينفضُ عن

عينيهِ ذرَّ غبارٍ من حرائقها

ينسى قصائدها الزرقاءَ يكسرُ صلصالَ

استداراتها الأولى كعاشقها

يضمُّ أوركيدةً في جسمها فيرَى

ما لا يَرى في سواها من حدائقها

كمن يُقبِّلُ عينيها على ظمأٍ

لملحِ ليلكها أو شهدِ دافقها

*

هل أتركُ القمرَ المحطَّمَ في سريرِ الحُبِّ

كامرأةٍ تزنِّرُ خصرَها بالزعفرانِ وبالكنايةْ؟

لا الماءُ في العُشبِ القليلِ وفي قصائدِ شاعراتِ الليلِ

لا ولهُ العناقِ ولا المزاميرُ الحديثةُ

لا التململُ في الظهيرةِ

لا الكلامُ الفوضويُّ عن الصداقةِ

لا الصداقةُ / لا الحنينُ الهامشيُّ / ولا الغوايةْ

تكفي لأجمعَ من حدائقها الكثيرةِ ما اشتهى نحلي

من الزهرِ المعلَّقِ في جهنمَّ..

هل رجيماً صرتُ يا امرأةً

تفسِّرُ حزنها الدهريَّ بالنعناعِ

فتنتها بطعمِ الشهدِ بالليمونِ

سُرَّتها بشمسِ بحيرةٍ خضراءَ

قهوتها برائحةِ ابتداءِ الصيفِ

رغبتها بضوءٍ لا يُرى ويُمسُّ..

آهاً منكِ يا امرأةَ النهايةْ

*

أتبعُ أنفاسي وهي تخرجُ على هيئةِ فرسٍ تارةً

وعلى هيئةِ شجرةِ ليمونٍ تارةً أُخرى

أتبعها مغمضَ العينين

كما يتبعُ العاشقُ خيالَ المعشوقِ

والشاعرُ قصيدتهُ

والبحرُ غيمةً عطشى

*

حكمةُ اليومِ:

لو كنتِ سيَّدةً ليتامى الكلامِ إذن لتعاليتِ عن جرحكِ العاطفيِّ

كما تفعلُ الملكاتُ

ولو كنتِ سيَّدةً للرمالِ وللأبجديَّةِ

لو كنتِ.. لو

لسمعتِ المحارَ الذي في دمي وأنينَ الرخامْ

ولو كنتِ سيِّدةً للمرايا التي يستحمُّ بها مطرٌ هامشيٌّ

وتطفو زنابقُ أوفيليا فوقها في الظلامْ

لأحببتِ لي ولنفسكِ ما تشتهينَ لنفسكِ

لو كنتِ.. لو..

لأضأتِ بعينيكِ قلبَ الرماديِّ

أو لسكنتِ هديلَ الحمامْ

*

لي صديقٌ يفكِّرُ كيفَ يقايضُ خمسةَ آلافِ شاعرةً افتراضيَّةً بامرأةْ

حقيقيَّةٍ لا تكذِّبهُ حينَ يحلمُ أو حينَ يقصصُ رؤياهُ ليلاً عليها

يناولها الماءَ، يمسحُ عنها الغبارَ النظيفَ الذي لا يُرى

ويُغازلها في طريقِ الغدوِّ القصيرِ

يشدُّ على يدها ويقبِّلُها في السُرى

لي صديقٌ جميلٌ غريبٌ عن الحيِّ

يحلمُ طولَ النهارِ وينسى العصافيرَ خلفَ السياجِ

وزنبقةً في كتابِ المزاميرِ

أو أثراً لأصابعِ قارئةٍ في الخريفِ

تحاولُ أن تمسحَ الحزنَ من دونِ جدوى ببعضِ ذرورِ الفراشاتِ

أو تشعلَ الشهوةَ المطفأةْ

*

حلمتُ ليلةَ البارحة بالجواهري

كانَ يجلسُ على كرسيٍّ هزَّاز

وكنتُ أضغطُ بكلتا يديَّ على يدهِ اليمنى

فيما ركبتايَ تلتصقانِ بالأرض

نسيتُ ما قالهُ لي

ونسيتُ قصيدتي التي أعجبتهُ

قبلها بيومين حلمتُ بفيدريكو غارسيا لوركا

كُنَّا نتناولُ قهوةً بالحليبِ على إحدى شرفاتِ غرناطةَ

وسقيفةٌ من اللبلابِ تعرِّشُ فوقنا

قالَ لي بعذوبةٍ بالغةٍ: القصيدةُ أبسطُ ممَّا تظنُّ يا صديقي

القصيدةُ حمامةٌ تهدلُ على نافذةِ قلبك

أو قمرُ نعناعٍ يضيءُ وحدتك النهاريَّة

حلمتُ قبلَ شهرٍ بامرأة شَعرُها طويلٌ وشديدُ السوادِ

تشبهُ دليلةَ شمشون

دوَّختني برقصها وبرائحةِ تبغها

وعندما نمتُ قصَّتْ ضفائرَ قصائدي كلَّها وغادرتني

تركتْ رسالةً صغيرةً تقولُ فيها:

الحُبُّ وردةٌ تتفتَّحُ في الدركِ الأسفلِ من الجحيمِ

حلمتُ قبلَ عامٍ بوطنٍ مهجورٍ

يدلُّني على رغباتي البعيدةِ بفراسةِ بدويٍّ

عندما يضحكُ ينهمرُ الملحُ من دموعهِ البيضاء

ليسقي نخلتهُ اليتيمةَ

الشيءُ الوحيدُ الذي لم أحلم بهِ بعدُ

هو بحرٌ بلا آخرٍ يسكبهُ اللهُ على أعصابٍ شاعرٍ وهيَ تحترقُ

مثلَ جميزةٍ في الأساطير الفرعونيَّة

*

أُحاولُ أن أهدأَ الآنَ

بعدَ انهياراتِ روحي على الرملِ

بعدَ احتراقاتِ قلبي على الماءِ، بعدَ الندمْ

على ما أضعتُ من الشِعرِ والفرَحِ المختلسْ

بعدَ ظلِّ الصراخِ المكمَّمِ

بعدَ نداءِ الغريقِ على امرأةٍ في أعالي الجمالِ

أحاولُ أن أتماثلَ للحزنِ أو للألمْ

بما قد يُعيدُ توازنَ روحي إليَّ

ويُصلحُ ما أفسدَ الدهرُ من كهرباءِ الدماغِ وكيمياءِ قلبي..

وما في القصيدةِ من ضغطِ دمْ

أُحاولُ إطفاءَ ما هو مشتعلٌ في دمائي

وتهدئةَ الوردةِ الأنثويَّةِ

ما بينَ نهدينِ بعدَ الهياجْ

ولا أستطيعُ سبيلاً لذلكَ يا امرأةً

مزَّقتْ كلَّ قمصانِ عُشَّاقها ذاتَ ليلٍ

فنفسيَ أمَّارةٌ بالتنهُّدِ أو بالهوى

ونفسُكِ أمَّارةٌ بالتوحُّدِ أو بالزواجْ

*

جسدانِ من زيتِ الشموعِ

وراءَ نافذةٍ من اللبلابِ يشتعلانِ

مزولتانِ.. واحدةٌ لمعنى الماءِ

والأخرى لرصدِ الظلِّ في الألوانِ

بوصلتانِ للفوضى

ونرجستانِ للنسيانْ

*

من تلكما الحوراءُ

سيَّدةُ القلوبِ

محارتي الزرقاءُ

من بضفائرٍ جَعديَّةٍ شعَّتْ على عينيَّ

من بقصائدٍ سِحريَّةٍ نزلتْ من الأعلى

ومن لبياضها وهجٌ غنائيٌّ..

لمشيتها الزنابقُ والوعولُ

وغيمةٌ ضلَّت طريقَ البحرِ؟

كلُّ معذَّبٍ بكلامها ضلِّيلُها الأبديُّ

عبدُ جمالها وسليلُ خيبتها

وحارسُ وردها الليليِّ في شمسِ الرخامْ

*

للظهيرةِ أم لهواءِ الزنابقِ

أم لأصابعِ تلكَ الفتاةِ الجليليَّةِ ارتجَّ قلبي عليَّ؟

سأمسكُ أطيافها بيديَّ

سأقبضُ يوماً على ظلِّها

باشتهائي وبالنزقِ العاطفيِّ..

الجليليَّةُ ابنةُ وردِ الخريفِ

تُسمِّي الغصونَ بأسمائها

وتربِّي الفراشةَ في صدرها

ربَّما صادفتني على درجِ الحيِّ

أو ربَّما غرَّرتْ بي ولم أنتبه للسنابلِ في شَعرها

*

أُحاولُ ألَّا أُحبَّ التي لا تُحَبُّ

وأن أكتبَ الآن شيئاً خفيفاً

كإلقاءِ زهرِ التحيَّةِ قبلَ المنامِ على الساهرينَ

ولكنَّ كلباً شريداً

إذا ما أتتْ فكرةٌ للقصيدةِ يطردُها بالنباحِ

وشخصاً من السُكرِ يجأرُ في الشارعِ العامِ

وامرأةً لستُ أعرفها في دمائي تئنُّ

سأسهرُ حتى الصباحِ

لأكتبَ من دونِ جدوى

وعندَ انتهائي سأرمي القصيدةَ في سلَّةِ المهملاتِ وأذهبُ للنومِ

*

في الحقيقةِ لا أقصدُ امرأةً في المجازِ مُعيَّنةً

كي أهشَّ على وحدتي بانتظارِ هبوبِ ضفائرها

واقترابِ أصابعها من جبيني

ولكنني كالسكارى أعيشُ على أملٍ

أن تمرَّ العصافيرُ من فجوةِ القلبِ ذاتَ خريفٍ

كما قالَ لي نادلُ المطعمِ اليومَ..

لا أقصدُ امرأةً بل أُسمِّي جميعَ النساءِ

فخاخاً من الكيدِ أتبعها إذ تغنِّي

وأعني الذي لا أقولُ

وأكتبُ ما لا أُريدُ من الشِعرِ

كيما أُتمِّمَ نقصانَ هذا الهباءْ

*

لن أكتبَ شِعراً عنكِ بعدَ اليومِ

كي لا أزجَّ بقلبي في مساربِ التفاصيلِ الدقيقةِ جدَّاً

لما يُسمَّى بالصداقةِ المنتهيةِ الصلاحيَّةِ

التي تشبهُ إلى حدٍّ بعيدٍ دروبَ النملِ الطائرِ

من قالَ إنَّ القلبَ نحلةٌ ووجهكِ وردةٌ لا تنطفئُ؟

قميصُكِ كانَ غيمةً تحرسُ وجهي فيرتدُّ جميلاً

صدركِ كانَ شجرةَ لوعتي

ويدكِ حجري المائيَّ الملوَّنَ

لا تزالُ دمائي ترنُّ كمنبِّهِ الساعةِ

أو كنجمةٍ تصلُّ في باطنِ الأرضِ

حتى بعدَ عامينِ من طيِّ كتابكِ

*

شجرةُ ليمونٍ مزهرةٌ

تتزاحمُ فيها صباحاً سقسقةُ طيورِ الكركس الملوَّنةِ

ينابيعُ فارغةٌ من مائها وطافحةٌ برمادِ التنهدَّاتِ

غيومٌ قطنيَّةٌ تستحمُّ برذاذها شمسٌ مراهقةٌ من نسلِ شهرزاد

استعاراتُ شاعرٍ صينيٍّ قديمٍ

نسيَ قلبَهُ مستعراً في أحدِ أنهارِ نسائهِ الكثيراتِ

براعمٌ تتفتَّحُ في بحيرةٍ أوفيليا

حبقٌ مهتاجٌ في الخريفِ

نهاياتُ الصيفِ المعلَّقةُ على ظلالِ القصائدِ وأسيجةِ التوتِ البريِّ

ذلكَ هو جسدُ المرأةِ التي نصفَ عمري أحببتها عبثاً

وحاولتُ نسيانها في النصفِ الثاني، ولكن بلا جدوى

*

أحتاجُ إلى صنعِ كوكتيلٍ فريدٍ من العطور الغربيَّة والشرقيَّة

حتى أحصلَ على رائحةِ جسدكِ

أحتاجُ إلى أن أعضَّ ساقَ غزالةٍ متوحِّشةٍ

لكي أعرفَ نوعَ دمكِ الكحليِّ

أحتاجُ إلى أن تفترسني وردةٌ ليليَّةٌ

كي أسكنَ في جوفِ نهاركِ

أنا اليتيمُ بلا بحرٍ وبلا كثبان من الطيورِ المهاجرةِ

يتبعني قلبُ امرأةٍ كالأمِّ الولهى

تلكَ التي يداوي جمالُها مرضَ الريحِ

*

أُريدُ هدوءاً لأكتبَ لا صخباً في البصيرةِ

أو جمرةً في كتابِ الندى

واشتياقاً لأنسى خطيئةَ غيري

وماءً نظيفاً لأبصرَ شهوةَ نرسيسَ فيهِ

أُريد انتباهَ الحيارى لما تتركُ الفتياتُ العذارى

من العطرِ في الحرمِ الجامعيِّ

وما يصنعُ الحُّب بامرأةٍ

كي تخلِّصَ طائرها من يديها ووشمِ العنقْ

*

أصدقائي وحيدون وامرأتي ليسَ تشبهُ فروغ فرخزادَ

لكنها قد تضيءُ الطريقَ إلى آخرِ النصِّ..

كوني لبريَّتي قمراً يا فتاتي ولا تتركيني وحيداً

ألمُّ خطاكِ عن الأرضِ

أسقي زنابقكِ المنزليَّةَ في الفجرِ

أمشي على هديِ نوَّارِ صدركِ

أو لمعانِ ضفائركِ المتراخي النزِقْ

*

أورثتني الكوابيسُ نومَ الظهيرةِ والصيفُ أورثني السُهدَ

والنادلُ الأجنبيُّ البكاءَ على أيِّ شيءٍّ

ولو كانَ يأسَ الفراشةِ من نزوةِ الطيرانِ..

فتاةٌ بجيدِ مهاةٍ وعينينِ سحريَّتينْ

أورثتني كنايةَ أمطارها وتردُّدَ أنفاسها في الحبقْ

*

تشُمِّينَ شهوةَ من أصطفيهم من الناسِ لي أصدقاءً

فتبتعدينَ.. تعُدِّينِ للعشرةِ

الشعراءُ على حدِّ فكرتكِ النمطيَّةِ مستذئبونَ

يعضُّون سيقانَ كيدِ غزالاتكِ الناعماتِ

ولكن برفقٍ شديدٍ

رُعاعٌ / قليلو حياءٍ / مراؤونَ / غاوونَ / أو همَلٌ فارغونَ..

ستذوينَ وحدكِ أو ستعُدِّينَ

حتى انطفاءِ جمالكِ من دون جدوى

فهل لفراشتكِ العصبيَّة أن تتهجَّى انهياراتِ قلبي

وأن تقتفي أثري منكِ مزولةٌ من رياحِ القلقْ؟

*

آهِ لو لم أكن نرجسيَّا لما كنتُ عمَّا عليهِ

من الصخبِ الداخليِّ ومن شغفي بالكلامِ الخفيِّ

ولو لم أكن نرجسيَّاً كما شئتُ يوما لنفسي

لحطَّمتُ كلَّ وصايا النساءِ على الماءِ

أو لم أصرْ شاعراً

ولجمَّعتُ عطرَ الرخامِ من الدمعةِ الأُنثويَّةِ..

لو لم أكن نرجسيَّاً لما كنتُ يوماً أنا أو سوايَ التي أتقمَّصُ

أوجاعَها / روحَها / حبرَ عزلتها / سرَّ وحدتها /

غيمَها المعدنيَّ / انكساراتها /

خوفها من هبوبِ الزنابقِ

أو طيرانِ النوارسِ عن جيدها /

نومَها في النهارِ / تململها في ليالي الأرقْ

*

تريدُ امتداداً لفيروزَ في بحرِ حيفا ونسوتها

كامتدادِ الندى في أغاني الرعاةِ

تريدُ امتداداً لفيروزَ أو ظلِّها في المدى

لا لتشربَ من صوتها حينَ تظمأُ

أو لتُفتِّحهُ مثلَ زنبقةٍ في السياجِ القديمِ

وتأكلهُ مثلَ تفَّاحةٍ إذ تجوعُ

وتهديهِ للطيرِ في أوَّلِ الليلِ

أو لكلامِ اليدينِ المُسوَّرِ

بالغمغماتِ ونارِ العبقْ

بل لتكملَ عشقكَ لامرأةٍ من سلميةَ

وامرأةٍ من زقاقِ المدَقْ

*

مكتوبٌ أن تركضَ خلفَ ظلالٍ امرأةٍ عبثاً

أن تذهبَ أشعارُك فيها أدراجَ الريحِ..

ومكتوبٌ أن تلدَ التفَّاحةُ أفعى الشهوةِ

أن تلدَ الظبيةُ ذئباً ترضعهُ حولينِ

ومكتوبٌ مكتوبٌ مكتوبْ

أن تنفخَ طولَ حياتكَ في قلبِ امرأةٍ مثقوبْ

*

أحتاجُ نقرةَ طائرٍ في القلبِ

كي أزنَ الصدى بهواءِ أغنيتي وبالليمونِ

أو حجراً صقيلاً كي أحكَّ عليهِ

خصراً لازورديَّاً لاحدى العاشقاتِ

وقُبلةً مائيَّةً أحتاجُ كي أزنَ احتراقاتِ الجسدْ

برمادها الفضيِّ

أو بأنينِ عينينِ استفقتُ على صراخهما

من الحلمِ الأخيرِ.. ولا أحدْ

أحتاجُ عطراً ما شتائيَّاً.. نسائيَّاً

لأنسى بعضهنَّ إلى الأبدْ

*

ماذا سأكتبُ بعدَ صوتكِ

ذلكَ الصوتِ الذي فتَّحتهُ بيديَّ مثلَ الأقحوانةِ

أو شمَمتُ ثيابهُ مثلَ النسيمِ؟

كأنني قارورةٌ لهوائهِ ولمائهِ

لندائهِ الكليِّ والعاري على الأشياءِ..

صوتكِ ضُمَّةُ المطرِ الحزيرانيِّ أو عبقُ الغيومْ

وتعرُّقٌ لأصابعِ العُشَّاقِ

مكحلةٌ جمعتُ سرابها من أبعدِ الأزهارِ عن نزقي

عصا سحري / ندى ناري

تردُّدٍ موجةٍ في وصفِ نهدَينِ

احتواءاتُ الطبيعةِ للأنوثةِ

والخريفِ لسيِّداتِ الأرضِ في الشِعرِ القديم

*

لم أكن أعرفُ أنَّكِ جميلةٌ كلَّ هذا الجمالِ

فقط اليومَ عرفتُ ذلكَ بسببِ شجرةِ حزنٍ قلَّمتُ أغصانها

وبسببٍ رسالةٍ يقولُ صاحبها لي فيها: غيِّر موضوعَكَ..

رددتُ عليهِ بتحويرٍ شعريٍّ لجميل بثينة

لكلِّ حديثٍ بينهنَّ عذوبةٌ

وأيُّ حياةٍ غيرهنَّ أريدُ

لو أنَّ صحراءَهنَّ تتبعني إلى آخرِ البحرِ

فأنا وحيدٌ كديكِ الجنِّ الحمصيِّ

وكلُّ امرأةٍ أراها

هي (وردُ) التي تسكنُ مرآتي

لا يفصلُ بيننا سوى لوحٍ من ظنونِ الماءِ

*

هل نحلةٌ قلبي وجسمكِ أبعدُ الأزهارِ؟

هل مطريَّةٌ روحي ونثركُ أوَّلُ الصحراءِ؟

أقطفُ عن أصابعكِ الندى المهتاجَ

أرفو معصميكِ بقُبلةٍ

وأُحيطُ خصركِ بالينابيعِ الصغيرةِ والبراعمِ

سيِّدَ الغاوينَ كنتُ ولا أزالُ

ولستُ أُشبهُ في اعترافاتي

ولا بهوايَ مولانا جلالَ الدينِ

وابنَ الفارضِ المجروحِ بالندمِ السماويِّ..

الغناءُ يقودني في الليلِ أو في الزمهريرِ

كأنَّ حُبَّ الراقصاتِ يشيلُ عن جسدي الأغاني

*

لا علاقةَ للبيتِ بالنجمةِ الحالمةْ

لا علاقةَ للوردِ بالمزهريَّةِ أو بنسيمِ الترابْ

لا علاقةَ لامرأتي بالسرابْ

لا علاقةَ للذئبِ بالظبيةِ النائمةْ

لا علاقةَ للمُشتهى بالجسَدْ

لا علاقةَ للماءِ بالشجرِ

(السروُ يولدُ من ظلِّهِ)

لا علاقةَ للقهوةِ العدنيِّةِ

بامرأةٍ ضيَّعتْ قلبها بينَ وصلٍ وصَدْ

لا علاقةَ لي بالعبارةِ

سيَّانِ رؤيايَ ضاقتْ عليَّ

أو أتسعَّتْ كلماتُ الأبدْ

لا علاقةَ للطيرِ بالنافذةْ

لا علاقةَ لا

*

لا أقرأُ الشِعرَ القديمَ ولاالحديثَ

وأكتفي بتأمُّلِ الأشياءِ من حولي

أرى بينَ السطورِ قصيدةً رعويَّةً

تمتدُّ حتى أبعدِ الخلجانِ

من حجرٍ جليليٍّ عليهِ

نقوشُ مزمورِ الحنينِ إلى الفراغِ..

عناقَ شخصينِ استقالا من هواءِ المستحيلِ

مجرَّةً زرقاءَ في لغتي المضاءةِ بالرمادِ

مسلَّةً ضوئيَّةً / عنقاءَ

كحلاً للضفيرةِ أو لموسيقى المساءِ

يقولُ صوتٌ داخليٌّ فيَّ: لا تقرأ سوى عينينِ تائهتينِ

لا تقرأ سوى حزنِ الجمالِ الأُنثويِّ

على الفراغِ أو انطفاءاتِ الظلالِ

*

السعادةُ نسبيَّةٌ كالمحبَّةِ ليست تُباعُ ولا تُشترى

هي ما لا ترى

فيكَ من أنجمٍ في مياهكَ تسبحُ أو في الثرى

السعادةُ نسبيَّةٌ كالمسافةِ بينَ وضوحِ الهوى وسرابِ النزقْ

وبينَ الحياةِ وبينَ القلقْ

هي ليستْ شفاءَ الفتاةِ الجميلةِ من نورسٍ خائفٍ في العنقْ

والسعادةُ ليستْ أصابعَ موشومةً بالحبقْ

وليستْ زواجكَ بامرأةٍ تشتهيها

وليستْ رماديَّةً كغيومِ الخريفِ

وليستْ حياديَّةً كالجمالِ الطفيفِ..

السعادةُ منكَ وفيكَ وضوءٌ خفيفٌ يضيءُ النفقْ

وزهرةُ لوزٍ على فمِ أحلى النساءِ

تضيئكَ من داخلٍ في الظلامِ ولا تحترقْ

*

بحيرةِ طفلٍ يُفكِّرُ كيفَ سيهربُ من غرفةِ الدرسِ

في الغدِ.. كيفَ سيفلتُ من خوفهِ وامتحانِ العلومِ..؟

أفكِّرُ.. أو يحلمُ الآنَ شخصٌ غريبٌ هنا بالنيابةِ عني

بعينينِ مفتوحتينِ على ليلهِ النرجسيِّ..

وتتركُ سيِّدةٌ حلمَها في السريرِ

وتخرجُ في الليلِ يتبعها ظلُّها بالنيابةِ عني..

هنا إمرأةٌ كالحديقةِ تحمي زنابقها بيديها.. هنا

شتاءٌ يغمغمُ: لا.. لا فكاكَ من التبغِ بعدَ هوى الأربعينَ ولا..

لا شفاءَ من الحُبِّ..

ماذا أقولُ؟!

بحيرةِ طفلٍ أُفكِّرُ..

كيفَ ستملأُ جرحي الأغاني؟

وكيفَ سأقبضُ يوماً على ما يُسمَّى هواءَ الحنينِ؟

*

نعانقُ أنفسنا في الرواياتِ

كالنادمينِ على خطأٍ عابرٍ ما اقترفناهُ

إلَّا لننسى اعترافاتنا وهبوبَ الشمالِ على لوزنا..

لم نقل أننا معدمونَ

ولم نتكحَّلْ بمرودِ أسمائنا..

نشتهي نسوةً لا يقفنَ على نأمةٍ في صباحِ الخريفِ

ولا يتألَّمنَ من وجعِ الانتظارِ

ولا يتأوَّهنَ في ذورةِ الانكسارِ..

نعانقُ أشباهنا في الحياةِ

ونتركُ دمعَ حبيباتنا في ندى القمحِ..

أو في شقوقِ الجدارْ

*

التبغُ موسيقايَ..

موسيقايَ سيِّدةٌ لهذا الليلِ

فاتنةٌ أُعانقها على عجلٍ

وأذهبُ دونَ أن أدري إلى أينَ..

النساءُ حدائقي والتبغُ موسيقايَ

ها أنذا أعودُ إليهِ منتشياً كعصفورٍ

أطيرُ على سحابتهِ

فليسَ التبغُ عندَ سوايَ موسيقى

وليسَ سفرجلاً وضبابةً في القلبِ عندَ سوايَ

موسيقايَ هذا التبغُ

روحُ النايِ في قلبيِ وسرُّ هوايَ..

فاكهتي الأخيرةُ / نزوتي / صلصالُ آدمَ فيَّ

من فصلِ الشتاءِ إلى الشتاءِ يعودُ

*

سيدلُّني وترٌ على جرحِ الكلامِ

لأنَّ ما في النصِّ من مائيَّةِ الألفاظِ لا يكفي

لكيْ أنسى الغيابَ..

ولا لينكسرَ السرابُ على رذاذِ الضوءِ

قلتُ: لعلَّ في المعنى طباقاً لا يُفسَّرُ

واكتفيتُ من التباريحِ الصغيرةِ بالإيابِ وبالقصائدِ..

قلتُ: أتبعُ ظلَّ هذا الليلِ كالصعلوكِ

وامرأةَ الزنابقِ في المنامِ..

وفي معلَّقةِ الغرامِ الجاهليّْ

عيناكِ نرجستانِ نائمتانِ

قلبكِ آخرُ الأصدافِ لو ضيَّعتهُ..

سيدُّلني قلبي عليهِ

يدُّلني قلبي عليّْ

*

اليومَ تسألني الجميلةُ إيزميرالدا: كيفَ أنتَ..؟

أنا؟! وحيدٌ وافتقدتكِ منذُ عامينِ.. افتقدتكِ منذُ راحَ الصيفُ..

منذُ قصائدي الأولى.. افتقدتكِ واشتعلتُ من الحنانِ

أو انطفأتُ من الحنينِ إليكِ..

يا ليمونةً غجريَّةَ الأغصانِ والأزهارِ

يا زيتونةً عربيَّةً تحتارُ بينَ صدى أبيها أو رهافةِ أُمِّها..

يا إيزميرالدا لا تغيبي بعدَ موتِ أبيكِ عن عينيَّ

يا أحلى صبايا المغربِ العربيِّ

يا ابنةَ أضلعي..

لا تذهبي مني ولا تتمنَّعي

عنِّي.. أُحبُّكِ.. كم أُحبُّكِ..

هل دمائي من دمائكِ؟

هل دموعكِ من بقايا أدمعي؟

*

الشاعرُ سندبادٌ ضالٌّ

يستعيرُ ثيابهُ من قصائدِ شمسِ التبريزيِّ

ويدخِّنُ سجائرَ الأرقْ

يجهلُ الطريقَ التي تُفضي إلى الأسماءِ

وحينَ يسألهُ الآخرونَ: من أنتَ؟

يجيبُ بأنهُ نسيَ اسمهُ في سريرِ امرأةْ

*

منذُ سنواتٍ طويلةٍ وأنا أركضُ

وراءَ قصيدةٍ رعويَّةٍ لسركون بولص

قصيدةٍ تشبهُ كحلَ الوردةِ السوداءِ

أو غبارَ الفراشةِ الفضيَّ

أقبضُ عليها كمن يقبضُ على طائرٍ ليشمَّهُ

أو على صوتِ امرأةٍ آشوريَّةٍ

مُشبعٍ برائحةِ زيتٍ مقدَّسٍ

وحجارةٍ بطعمِ الحليبِ الجبليِّ والعسلِ البريِّ

منذُ سنواتٍ والقصيدةُ تنأى عني

كلَّما طاردتها كولدٍ متشرِّدٍ

وشممتُ فراغها في كلتا يديَّ

*

ثمَّةَ فزَّاعةٌ للمعاني

لا تريدُ الكلامَ ولا الانصرافَ

وثمَّةَ أسئلةٌ لا إجابةَ عندي عليها..

لعلَّ الخريفَ يؤرِّقنا ولعلَّ المسافةَ ما بينَ أرواحنا وخطانا

ستحملُ عنَّا قصائدنا دونَ قصدٍ وتتسِّعُ اللهفةُ البشريَّةُ

حتى أرى آخري فيَّ ينحازُ للصيفِ

أو يتمرأى بعينينِ من أُقحوانٍ وبُنْ

كيفَ يصغي الرخامُ لأنَّةِ إحدى النساءِ إذنْ

لا لأنَّ الملالَ يدبُّ بروحينِ تنفصلانِ دبيبَ الجرادِ؟

ولكن لأشياءَ أُخرى إضافيَّةٍ

كهشاشةِ أُغنيةٍ عن ليالي الحصادِ

وأشياءَ أُخرى ضروريَّةٍ

كابتسامةٍ سيِّدةٍ في الصباحِ بلا سببٍ، وكطعمِ النعاسِ..

فلم يعُدِ الحُبُّ أرجوحةً

تتدلَّى من السقفِ في غرفةِ النومِ..

لم يعُدِ الحُبُّ منفىً ولا وطناً

لم يعدْ سكنَ اثنينِ في جسدٍ واحدٍ..

فهل للأنوثةِ أيضاً خريفٌ

وللاشتهاءِ ذبولٌ جميلْ؟

*

إلى أيِّ نوعٍ من الوردِ والجلَّنارْ

ينتمي فمُكِ المتأوِّهُ؟

لا.. لن أقولَ بأنكِ مثلُ الحديقةِ مقفلةٌ

ومعي.. أو بقلبي مفاتيحها كلُّها..

لن أقولَ بأني نسيتُ كتابَ القصائدِ

حينَ تذكَّرتُ نثركِ

فوقَ الوسادةِ كي يستريحَ

من الشغفِ الآدميِّ قليلاً وكيْ لا يغارْ

*

ليلٌ أزرقُ وقبَّعةٌ تخرجُ منها العصافيرُ المبتهجةُ بلا شيءٍ

ليلٌ أزرقُ وعباءاتُ غيومٍ لنساءٍ لم يصلنَ بعدُ من سِفرِ المزاميرِ

شاعرٌ يبحثُ عن لغةٍ في الشِعرِ الجاهليِّ

كيْ يصفَ خلخالَ إمرأةٍ لا يسمعُ سوى رنينهِ الخفيِّ

ولا يرى سوى لمعانهِ الكثيفِ الضوءِ

شاعرٌ أو عابرُ ليلٍ أزرقَ في لوحاتِ سلفادور دالي

*

لمنْ أُرتِّبُ ليلي؟ أيُّ أُغنيَّةٍ

أختارُ وحدي؟ وتُفَّاحُ الشتاءِ لمنْ؟

لا حُبَّ في الحُبٍّ

لا أرضٌ ستتَّسعُ

لشهوةٍ امرأةٍ من خمرةٍ وشجنْ

لمنْ سأقصصُ رؤيايَ؟

الفراشةُ في جسمي

من العطشِ الروحيِّ تندلعُ

لمنْ أُقلِّمُ أزهارَ الضبابِ لمنْ؟

*

راقصةُ الفلامنكو الجميلةُ

تلكَ التي من حفيداتِ لوركا

النحيلةُ كالغصنِ..

راقصةُ الفلامنكو التي لا تشيرٍ إلى قمرٍ في السماءِ

ولكن لمن يتفحَّصُها من بعيدٍ بعينينِ من وهجِ الهندباءِ

تضيءُ المكانَ بوشمٍ على شكلِ حوريَّةٍ تتأهَّبُ للطيرانِ

ويتبعُها شجرٌ عائليٌّ إلى آخرِ الأرضِ

يتبعُها مطرٌ هامشيٌّ

وظلٌّ لخاصرةِ الشمسِ

فالنسوةُ الغجريَّاتُ

أجملُ ما في الطريقِ إلى البيتِ والأُغنياتْ

*

وكامرأةٍ في الخريفِ تُطيِّرُ نورسَها المتوجِّسَ من غيمةٍ

أو تُرقِّصُ ظلَّ بنفسجها في الظلامِ

أُدرِّبُ نثري على الطيرانِ فيسقطُ..

عشرونَ عاماً أُدرِّبُ قلبي على الطيرانِ

ولا أنجحُ..

القطُّ أغفى على درجِ البيتِ

والأُقحوانُ على حالهِ

الكلبُ ملَّ النباحَ ونامَ على جوعهِ

والنداءُ الخفيُّ على حالهِ

نسوةٌ يتقاسمنَ قهوتهنَّ وخبزَ الصبابةِ..

شخصٌ يعاكسُ سيِّدةً في الهزيعِ الأخيرِ: أُذكريني لأنساكِ..

لي رغبتانِ تضيئانِ عينيكِ أو شهوةَ الليلِ

أحتاجُ صوتكِ يأخذني من يدي في الزحامِ

لكي لا أضلَّ طريقي الخريفيَّ أو أستضيءَ

بعينَيْ سواكِ..

وأحتاجُ صوتكِ يُبعدُ عني المجازَ الرديءْ

*

تمشي الغجريَّةُ مشيَ الظبيةِ أو مشيَ الغيمةِ

تمشي كالفرسِ العربيَّةِ حيناً

وكراقصةِ البارِ المشدودةُ أحياناً أخرى

يجلوها الفستانُ الضيِّقُ

يكتبها سرُّ التكوينِ وتمحوها عاطفةُ الماءِ..

الغجريَّةُ نايٌ يتلظَّى

شجرٌ بحريٌّ يتعرَّى من رغبتهِ

مطرٌ ليسَ يبلِّلنا إلَّا في الأحلامِ

الغجريَّةُ مثلُ القطَّةِ تتركُ منضدةَ الريشِ وتذهبُ

لا لتعدَّ أصابعها في الريحِ الخضراءِ

ولا لتغنِّي مثلَ المهزومينَ

ولا لتردَّ ضفيرتها لنسيمِ الشمسِ

فطيرُ أنوثتها مقهورٌ وعلى قدميها تبكي العنقاءْ

الغجريَّةُ تتركُ زينتها في البيتِ وتذهبُ

كي تتحوَّلَ نرجسةً تتنهَّدُ في ليلِ الصحراءْ

*

لا أحفظُ قصائدي عن ظهرِ قلبٍ

ولا أسماءَ النسوةِ اللواتي أقمنَ وتشمَّسنَ فيها

وأرخينَ شعورهنَّ على شجرةِ لبلابٍ في الشرفةِ الغربيَّةِ

فأنا بالكادِ أحفظُ رقمَ هاتفي أو بريدي

لكني أُحبُّ يفتشينكو لأن صهيلهُ يصلُ القلبَ من أعالي سيبيريا

وهو يُلقي بشعرهِ من نوافذِ الحريَّةِ

نيابةً عن كلِّ الشعراءِ المنسيِّينْ

*

أيُّها الفوضويُّ المملُّ كلحنٍ رتيبْ

لا علاقةَ لي بأحدْ

لا علاقةَ لي بصلاةِ الأحدْ

لا علاقةَ لي بالمرايا ولا بوصايا الزبدْ

منحتني خطايَ إلى أثرٍ لا يُرى

في متاهِ الفراشةِ أو في مدارِ الحليبْ

*

(سأراكَ في الأمسِ القريبِ)

يقول جان دمو لبعضِ الأصدقاءِ

ويقتفي بالقهقهاتِ سعالَهُ

وكثعلبٍ نزقٍ يخطُّ قصيدةً عن موتِ عصفورٍ

ويسألُ عابراً عن ظلِّهِ الشتويِّ

أو عن لغوِ حيرتهِ..

الأنيقُ.. المهملُ.. الضلِّيلُ.. والصعلوكُ

يرتقُ قلبهُ بعبارةٍ أُخرى

ويتركُ للرياحِ وللعصافيرِ اليتيمةِ والصدى أسمالَهُ

*

أنتِ لن تكتبي الشِعرَ يوماً ولا النثرَ

لن يتنهدَّ بينَ يديكِ مَحارُ اشتهاءاتكِ الأنثويَّةِ

لا الشجرُ الاستوائيُّ سوفَ يظلِّلُ خصركِ

إن لم تُحبِّي كما ينبغي للوحيداتِ

أو تجعلي جرحكِ النرجسيَّ ضفيرةَ لبلابةٍ

شرفةً للأغاني القديمةِ..

لن تعرفي طعمَ جسمكِ

ما لم تثوري على كلِّ عُشَّاقكِ الآخرينْ

*

كيفَ أُغمضُ عينيَّ عن ذكرياتِ نساءٍ

ينظِّفنَ أيديهنَّ من الشوكِ والأُرجوانِ

يلِّمعنَ ثلجَ أصابعنَّ بحنَّاءِ توتٍ

ويحبسنَ في ماءِ أجسادهنَّ حمامَ الخريفْ؟

كيفَ أُغمضُ عينيَّ عن حبقٍ في ظهيرتهنَّ وغيمٍ خفيفْ؟

*

ليسَ من عادتي أن أكونَ كثيرَ الكلامِ ولا الصمتِ

لكنني كنتُ لامرأةٍ وحدها ما تريدُ وما تشتهي

كنتُ نقصانها واكتمالَ دوائرها

شمعها الجسديَّ وفضَّتها..

ملكاً خلعتهُ العبارةُ عن عرشِّهِ

والرؤى ثبَّتتْ قلبهُ..

سائساً لخيولِ أبيها

سلالاً لدمعِ يديها

ظلالاً لأشباحها في الظلامِ

ارتعاشاً لضحكتها..

قوسَ ماءٍ لأحزانها الأُنثويَّةِ..

وهيَ تزيِّنُ خلخالها بالأغاني

وكاحلها بمراثي النساءْ

ليسَ من عادتي أن أكونَ

كثيرَ الهُيامِ الاباحيِّ لكنني كنتُ

للمرأةِ المومياءِ وللجسدِ المومياءْ

*

لم نختلفْ أبداً على تفسيرِ لونِ هوائنا الجبليِّ أو طعمِ الكآبةِ

كلُّ ما في الأمرِ أنَّ دوارنا البحريَّ بوصلةٌ تُشيرُ إلى السماءِ

وشمسنا تفَّاحةُ المرجانِ أو شجرُ الصدَفْ

كلٌّ يتمِّمُ لغوهُ الأرضيَّ في الأشياءِ أو في الأبجديَّاتِ القديمةِ

أو يعلِّمُ ضدَّهُ شجوَ العصافيرِ المُصابةِ بالشغفْ

لم نختلفْ أبداً ولم نبحثْ عن الولهِ المكابرِ

في احتمالاتِ الأنوثةِ أو سريرِ الحُبِّ..

من أسمائنا ريحٌ تهبُّ على بنفسجةٍ تعيدُ الليلَ

في تنهيدةٍ شتويَّةٍ للمنتصفْ

لم نختلفْ أبداً.. ولا لنْ نختلفْ

*

تستحمِّينَ بالماءِ كي يتحوَّلَ ضوءاً خفيفاً

فتندلقُ الذكرياتُ على ظهركِ المتوجِّسِ من نرجسٍ في يديَّ

ويحترقُ الماءُ كالعطرِ أو كالبخورِ

هو الماءُ سرُّ حجابكِ أو كشفُ فتنةِ بعضِ مراياكِ

أوَّلُ خصركِ.. آخرُ كتفيكِ..

عبدُ اشتهاءاتكِ المدلهمَّةِ

سيِّدُ أمطاركِ الاستوائيَّةِ..

الماءُ توأمُكِ..

الماءُ صارَ غريمي وصارَ نديمي اللدودْ

*

هي غُصَّةٌ في الروحِ ناعمةٌ.. وجارحةٌ

تُغطِّي بالترابِ وبالندى جرحَ الكلامِ

وأبجديَّةُ عاشقٍ سيفيقُ يوماً ما على حربٍ

فلا يجدُ الحقيقةَ قربهُ تنحازُ للزيتونِ

أو لأصابعِ الرؤيا ولا يجدُ الكلامَ

وما يضيءُ بهِ المسافةَ بينَ هاويتينِ أو دمعَ الخيامِ

ولا خطى الماشينَ فوقَ رياحِ تلِّ الزعترِ المنسيِّ..

فالموتى الحيارى فيهِ كانوا يُبصرونَ الأرضَ

مثلَ فمِ الحبيبةِ في سماءِ الله من ورقِ الغمامْ

هي غُصَّةٌ بيضاءُ.. فارهةٌ

دماءُ الوردِ في صبرا وشاتيلا وفي جسدِ الرخامْ

*

كمن يتعقَّبُ ظلَّ القصيدةِ أو قمراً لا يضيءُ.. كمنْ

يُبقِّعُ بالشهوةِ الليلَ أو يرتقُ النهرَ بالرائحةْ

لا مرايا تقدُّ قميصي من الخلفِ.. لا قُبلةٌ مالحةْ

ترتقُ الحُبَّ في جسدي بالغيابِ وبالبارحةْ

فلمنْ كلُّ هذا الحنينِ؟

لمن كلُّ هذا السرابِ لمنْ؟

*

أضعتُ كتاباً لبورخسَ في صغري في سقيفةِ بيتٍ قديمٍ

ملوَّنةٍ بالعصافيرِ.. زرقاءَ.. خضراءَ.. صفراءَ..

مكتظَّةٍ بالفراشاتِ شفَّافةً كالنداءِ.. مكثَّفةً كالصدى

وأضعتُ حصاناً من الخشبِ المهاغونيِّ في غابةٍ استوائيَّةٍ

وقصائدَ مكتوبةً بمياهِ التباريحِ أو برذاذِ النسيمْ

أضعتُ نساءً.. وأمكنةً.. وحدائقَ منسيَّةً.. ونجوماً خريفيَّةً.. وأغانٍ

ومنذُ ثلاثينَ عاماً أُفتِّشُ عنها بلا أيِّ جدوى

كطفلٍ يُفتِّشُ في غرفةِ الحلمِ عن لعبةٍ من هواءٍ، وفي حفرةٍ عن غيومْ

*

الوحيداتُ يحتجنَ تقليمَ لبلابهنَّ

الذي امتدَّ في الليلِ خارجَ أسوارِ أجسادهنَّ

كحاجتهنَّ لبُنِّ الظهيرةِ

أو للغناءِ الذي يشبهُ المطرَ المتواصلَ..

يحتجنَ ثرثرةً عن أساطيرِ عشَّاقهنَّ القدامى

ويحتجنَ شمساً لتلميعِ أحلامهنَّ

ويأساً خفيفاً ليكتبنَ أسرارهنَّ..

الوحيداتُ يحتجنَ تقليمَ لبلابهنَّ المراوغَ قبلَ أظافرهنَّ..

وتأجيلَ معنى الفراغْ

*

فيا امرأةً ملوَّعةً أُسمِّي

شذى ليمونها ناري ومائي

نسيتكُ في فضاءِ الكحلِ حتى

رأيتكِ كالغزالةِ في النداءِ

حدائقكِ الكثيرةُ فيكِ ربَّتْ

حرائقكِ المطيرةَ في دمائي

أُسمِّي صوتكَ النعناعَ.. وحدي

ألمُّ خطاكِ في ليلِ اشتهائي

*

عانقْ القصيدةَ على عجلٍ كمن يتأهبُّ للسفرِ

قبِّلها كامرأةٍ جميلةٍ قبل تلويحةِ الوداعِ

أو أُنفخ لها قبلةً في الهواءِ كما تنفخُ صباحاً لإحداهنَّ

أقصدُ تلكَ التي لا تريدُ الخروجَ من قلبكَ

مع أنها طردتكَ من قلبها آلافَ المرَّاتِ

القصيدةُ انتظارٌ فضيٌّ على بوَّابةِ الرغبةِ

لا يُجيدُ التناحرَ مع الآخرينَ

فالغزلانُ لا تحسنُ القيامَ بوظائفِ الجنودِ

هي فقط تحرسُ ظلالَ البريَّةِ وحدودَ النسيانِ

وأشجارَ الليمونِ التي تشربُ قهوةَ الصباحِ

بمعزلٍ عن كائناتٍ تغزلُ ثوباً جديداً للأرضِ

القصيدةُ امرأةٌ ترقصُ على وقعٍ أنغامٍ غيرِ مسموعةٍ

وفراشةٌ كلَّما سمعتْ حرباً ترغي في مكانٍ ما تتأهبُّ للطيرانِ

*

بملاقطِ الألمِ المكابرِ والنبيلِ

رفعتُ عن شفتينِ ناعمتينِ

عن خصرٍ كحقلِ التوتِ

عن صدرٍ من الياقوتِ

أجملَ وردةٍ بريَّةٍ حمراءْ

شِعري يُذكِّرني فلا أنسى

أنوثتكِ التي استعصتْ

على التفسيرِ والتعريفِ والتحليلِ والإنشاءِ

هل تنسى الظلالُ الضوءَ؟ هل ينسى الترابُ الماءْ؟

قلبي يعذِّبني.. لأنكِ آخرَ الدنيا.. لأنكِ أولُّ الأشياءْ

*

تردَّدتُ كالغُصنِ في الريحِ

كالعاشقاتِ الصغيراتِ

كالماءِ في النثرِ / كالظلِّ في الشِعرِ

كالشجَرِ المُقتنى / كالعبيرِ المراوغِ

كامرأةٍ سلَّمتْ قلبها للطيورِ..

تردَّدتُ قبلَ كتابةِ هذي القصيدةِ

قبلَ اقتفائي خطاكِ وضحكتكِ الخلبيَّةِ

قبلَ الذهابِ إلى النومِ

قبلَ انحنائي على قصبِ الليلِ

قبلَ اشتهائي لعينيكِ في قمَّةِ الارتباكْ

تردَّدتُ كيما أُدرِّبَ قلبي على الصدِّ

كيما أراني بمنعزلٍ عنكٍ.. كيما أراكْ

*

أفتحُ نافذةً للنهارِ تطلُّ على مطرٍ أوَّلٍ

وعناقٍ طويلٍ لرائحةِ البُنِّ في شارعٍ ضيِّقٍ والحنينِ

على بُعدِ أُغنيةٍ تتفتَّحُ حولَ حقولِ الصباحِ

كما يتفتَّحُ في جسدِ امرأةٍ أربعينيَّةٍ برعمُ البرتقالِ الأنوثيِّ

أو جرحُها النرجسيُّ الذي لا يُقالْ

*

قدمايَ رقصةُ موجةٍ وأصابعي

الناياتُ والغاياتُ والأوتارُ

وفمي بنفسجةُ الضبابِ وكاحلي

جهةٌ لمعناها تصبُّ النارُ

فكأنما أمشي ولا أمشي ولي

حبقٌ يضيءُ غوايتي ومَحارُ

ورمادُ عنقائي وجانداركُ التي

من حبِّها تتوهجُّ الأشعارُ

وخضابُ أوفيليا وماءُ جمالها

تُسقى بهِ الأرواحُ والأزهارُ

تركتْ لأنكيدو البحيرةَ كلَّها

مفتوحةً.. أزرارُها النوَّارُ

وخريفُ إلسا في النساءِ ودمعةٌ

يحتاجها أراغونُ أو إيلوارُ

*

القصيدةُ لا تكسرُ الشوقَ

لا يُكسَرُ الشوقُ إلَّا بماءٍ عنيدٍ

يُساقي رمادَ ورودِ الشفاهْ

ولا يُكسرُ الشوقُ إلَّا بتفَّاحتينِ اثنتينِ

تشقَّانِ عريَ القميصِ الذي هفهفتهُ المياهْ

القصيدةُ لا تكسرُ الشوقَ

لا تنحتُ الآهَ من شهقةٍ في الأصابعِ

لا تصلُ الفمَ بالفمِ والخصرَ بالخصرِ

واللسعةَ الأُنثويَّةَ بالضفَّةِ المشتهاهْ

القصيدةُ عُريانةُ القلبِ في زمهريرِ الحياةْ

*

شيءٌ خفيٌّ ما يحرِّضني لأغفرَ أو لأدخلَ في الهلامِ الدائريِّ..

أنا المدجَّجُ بالشتاءِ وبالرياحِ السبعِ..

قلتُ: لعلَّني أنسي.. ولكنْ ما الذي فعلاً أُريدُ من الحياةِ، من الكتابةِ، من ثمارِ حنينِ آدمَ للتفتُّحِ والنهوضِ من الترابِ، من النساءِ اليائساتِ من الرجالِ؟

بداخلي رجلٌ يقاسمُ ذئبةً خبزاً ويمضي دونَ أن يدري إلى أينَ.. الهشاشةُ حصَّتي وفراشتي الصفراءُ.. هل يبكي الرجالُ لأنَّ حظَّاً ما تعثَّرَ في الطريقِ؟

لأنَّ حُبَّاً ما تأخَّرَ؟

رغبتي زرقاءُ.. لا كالبحرِ.. لا كصدى الغيابِ.. ولا كصوتِ الماءِ.. لا كالريحِ

حينَ تحكُّ كحلَ الساحلِ العاري.. ولا كالغيمِ.. لا كأصابعِ التمثالِ وهوَ يُشيرَ نحوي في الحديقةِ.. رغبتي زرقاءُ من شوقِ الأنوثةِ للجمالِ..

من استعاراتِ الصدودِ أو الوصالِ

من احتراقاتِ الأهلَّةِ في السريرِ وفي الجسدْ

*

على امرأةٍ بأنوثتها لا تثقْ

لا يُعوَّلُ..

حتى ولو كانَ سيَّدَ أعضائها الماءُ

أو طارَ عن صدرها حجَلٌ واحترقْ

*

مقالات من نفس القسم