يصحبك الكتاب في رحلة لسبر أغوار الحب البشري ابتداءً من رسالة الحب الشهيرة التي بعثها جان بول سارتر إلى حبيبته سيمون دي بوفوار: “إنني أشعر بمتعة لم تتعرفي عليها بعد، متعة الانتقال المفاجئ من الصداقة إلى الحب، من القوة إلى الضعف، إلى الحنان”.
مروراً بباقة من رسائل الحب لأبرز الشخصيات على مر العصور أمثال ليو تولستوي وفلاديمير نابوكوف الذي أرسل إلى حبيبته فيرا بعد شهرين من لقائهما: “لست معتاداً على أن يفهمني أحد، لست معتاداً على هذا لدرجة أنني اعتقدت في الدقائق الأولى من لقائنا أن الأمر أشبه بمزحة”.
وفي المقابل، يسرد الكتاب جملة من رسائل انفصال كبار الكُتَّاب كرسالة أناييس نن إلى لاني بالدوين سنة 1945: “أنا لست في حاجة للإصرار على طلب الحب. أنا غارقة وهائمة في الحب… كان خروجي معك كالخروج مع الكاهن… لذلك انتظرت أول فرصة لتركك، أول فرصة تسنح لي لأتركك دون أن تبقى وحيداً وها قد جاءت”.
كما ويعرض الكتاب تعريفات شهيرة للحب لمجموعة من كبار الأدباء والمفكرين خلال مئتي سنة من تاريخ الأدب؛ “لا شيء غامض، لا علاقة بشرية غامضة على الإطلاق، عدا الحب” – كما قالت سوزان سونتاغ.
أو كما أخبرنا تشارلز بوكوفسكي الذي لعن الحب في كتابه الحب كلب من الجحيم: “الحب يشبه الضباب الذي تراه في ساعات الصباح الأولى، يستمر لوقت قصير ثم يتلاشى”. فيما تساءلت أناييس نن في رسالة كتبتها إلى هنري ميلر: “ما هو الحب إن لم يكن التقبُّل للطرف الآخر مهما كان؟”.
تعتبر القُبلة اليوم أمراً متعارفاً عليه بين العشاق على مستوى العالم كتعبير عن الحب الإنساني، فهل كانت مقبولة فيما مضى؟ ومتى كان تاريخ أول قُبلة في تاريخ البشرية؟ وما الذي حدا بالإنسان الأول وجذبه نحو تقبيل شفاه الآخر؟
في سياق هذه التساؤلات ينقل محمد الضبع في كتابه هذا تفسيرات وتحليلات ملفتة للانتباه، آخذاً بيد القارئ إلى عصور ما قبل التاريخ وصولاً إلى أعالي السماء حيث حدثت القُبلة الأولى للمجرة قبل وقت طويل جداً، وكما قال باتريك ليندر: “نحن كائنات اجتماعية بالفطرة، نريد أن نحب وأن نجد الحب”.
لكن وعلى الرغم من قدسية العلاقة بين العاشقين “فلا يمكن الحفاظ على شخص يريد المغادرة، هل تفهم؟”، كما تقول سارا فولدينق، وبعد أن يطوف بك الكتاب في عوالم الحب بمختلف متناقضاتها، يبيّن لك بأسلوب لافت ومقنع الأسبابَ الوجيهة التي ينبغي أن تدفعك “للخروج في موعد مع فتاة تحب الكتابة”، من بينها أن تلك الفتاة غامضة بعض الأحيان ولديها حياة مليئة بالألوان أكثر من أي فتاة أخرى.
كما ويتطرق الكتاب للحديث عن لذة القراءة والكتابة في مواضع عدة، قالت سيلفيا ويتمان ابنة مؤسس متجر الكتب: “كل الشخوص في متجر الكتب هذا خيالية، لذلك فضلاً، اترك ذاتك اليومية خارج الباب عندما تدخل هذا المكان الذي يسميه هنري ميلر: بلاد عجائب الكتب”.
وفيما يتعلق بهوس الكتب ومدى أهمية وتأثير المطالعة على حضارات الشعوب، يقول راي برادبيري: “لا تحتاج إلى إحراق كتب شعب كي تدمر ثقافته، تحتاج فقط إلى جعل الناس تتوقف عن قراءة هذه الكتب”، أما توماس بارتلولين فيقول: دون كتب، سيصبح الإله صامتاً، والعدالة ساكنة، وستتوقف الفلسفات والعلوم، وستصبح الرسائل غبية، وكل الأشياء ستحدث في الظلام”.
لا يخلو الكتاب من روح النكتة والطرافة، ويمتاز بلغته الواضحة السلسلة، ولا يقتصر على الحديث عن الحب بل يتعدى ذلك إلى طرح تساؤلات وتوجهات فلسفية متنوعة لكبار الفلاسفة والكُتَّاب والشخصيات العالمية وتفنيد خمسة عشرة حقيقة حول قلب الكاتب وغير ذلك الكثير.
وقبل الخاتمة رسالة وجهها كمبرلي باين إلى فناني العالم، الفنانون. الموسيقيون. الكُتَّاب. الراقصون. وكل من قد دعته ربَّات الإلهام: “انظر.. إنك لا تلطخ الألوان بعبث حول لوحة قماشية. إنك تنقذ حياة شخص ما”.
ليختتم الكتاب فصوله بقصائد المعطف كما سمَّاها تيمُّناً باسم المدونة “معطف على سرير العالم”، جاء فيها تحذير أخير لكل من يفكر بالكتابة من الروائي والشاعر تشارلز بوكوفسكيالذي دفن في لوس أنجلس عام 1994م، وأوصى بأن يُكتب على ضريحه: “لاتحاول”، ومنه:
“إذا كان عليك أن تجلس لساعات
محدقاً في شاشة الكمبيوتر
أو منحنياً فوق الآلة الكاتبة
باحثاً عن الكلمات
فلا تفعلها
إذا كنت تحاول الكتابة مثل أي شخص آخر
فانس الأمر”.
يذكر أن محمد الضبع مترجم وشاعر من اليمن، ولد في 13 مارس 1991 في جدة، عاش ودرس في مدينة جازان، وأنجز الكثير من الترجمات الأدبية المميزة التي نشرها في مدونته “معطف فوق سرير العالم”، كما نشرها في صحيفتي “الرياض” و”الشرق” السعوديتين، مشيراً إلى أن الترجمة بالنسبة له هي حالة مرهفة ومتقدمة من الإصغاء، من التقدير الشديد لكل أدب جميل تمت كتابته، وهو متعة محضة، ورحلات لا تنتهي مع الشخوص والكتاب والأبطال.