بدل رفو
يحتفل إقليم شتايامارك النمسا في العام الجاري 2013 بالذكرى 170 لميلاد الشاعر الشعبي الكبير(بيتر روزيكا)، وفي هذه الاحتفالية الكبرى سيعرض عدد غير قليل من المشاريع والعروض والنشاطات والأمسيات الثقافية وستكون الافتتاحية يوم 13ــ مارس بموطن ميلاده البيت الجبلي والذي شكل مركز الثقل وآخر محطة من سفر حياته، وسيتم توجيه دعوات واسعة لعشاق الأدب والفن وأساتذة الجامعات والإعلاميين والمهتمين بتاريخ مسيرة الشاعر الشعبي (روزيكا) لأنه يمثل رمزاً وملهماً لهذه البلاد التي كتب عنها الكثير، الشاعر (روزيكا) يعد للنمساويين في اقليم شتايامارك علماً من أعلام الثقافة والوطنية، نظرا لدوره الكبير في الأدب الشعبي.
لذلك وضعت صورته على طوابع البريد ونصبت له تماثيل في أكثر من مدينة في النمسا وبأشكال مختلفة بالإضافة الى إخراج فلم سينمائي يتطرق لسيرة حياته فضلا عن الكم الهائل من التحقيقات التلفزيونية والصحفية والمواد العلمية لطلبة المدارس وحتى بعض الملاحم الشعرية التي غدت تماثيلا في إقليم شتايامارك.
ولد الشاعر النمساوي (بيتر روزيكا) في قرية صغيرة على جبال الألب جنوباً من وادي (ميرز)عام 31 ـ يوليو ـ 1843 وهو الابن البكر لعائلة فلاحة جبلية تتكون من أبوين و7 إخوة، وغدت الدار التي شهدت ولادة الشاعر الشعبي اليوم متحفاً يلجأ إليه عشاق أشعاره والمحبين لأدبه الراقي، ويمكن الوصول إلى داره مشيا على الأقدام بين غابات جبال الألب مسيرة 30 دقيقة، دار الشاعر بيتر روزيكا موجودة منذ عام 1744 وتقع على ارتفاع 1150 متر فوق مستوى سطح البحر، فيها ترعرع الشاعر لغاية بلوغه سن 17 عاما وتعلم مهنة الخياطة في قرية مجاورة لقريته بالإضافة إلى عمله في الحقل والمزرعة، كتب في مذكراته “هنا الحوش والحظيرة، الميادين والمروج والغابات والأيادي دائما مشغولة بالعمل المرهق “، سوء الأحوال الجوية كانت السبب في تغيير مسيرة حياته كما كانت الضائقات المالية نتيجة القروض المتكومة على والديه سببا في مغادرة وبيع الدار عام 1868، وقتها أصيب الشاعر بصدمة كبيرة وكتب لصديقه هذه العبارات “ليس لي وطن بعد اليوم فقد عشت في جبال الألب وبالرغم من أن دارنا كانت كوخاً للفقراء إلا أنه كان لي بمثابة القصر”. في عام 1927 اشترى إقليم شتايامارك النمساوي دار الشاعر كي تحتفظ به للأجيال القادمة وكي لا ينسى الشعب أحد أهم شعرائه المخلصين للجبل والوطن، وزيارة داره هي بمثابة رحلة استجمام ومتعة والغوص في الماضي الجميل لتاريخ شاعر منح شعبه أجمل القصائد (من الشعر الشعبي النمساوي).
دار الشاعر هذه التي صارت متحفا جميلا قسم إلى عدة أقسام منها قسم السكن، الإسطبلات، مخزن الحبوب، القش، حجرات صغيرة للمؤونة وتعكس الدار من خلال مرافقها الحياة الفقيرة التي كان يعيشها الشاعر مع عائلته الكبيرة، ومنذ عام 1902 مازالت غرفة الشاعر وغرفة الدراسة موجودتان في حالتهما الطبيعية مما منح للعرض جودة عالية، ويمكن للزائر مشاهدة هذا العرض الدائم لأدوات النجارة من العصور القديمة. وكان الشاعر يعود كل صيف بعد غياب لداره هذه وقريته ليقضي أيام الحر برفقة جباله التي طالما كانت أدوات شعره الإنساني. وبجانب صالة الصحافة والإعلام في الطابق الأرضي تعرض وثيقة مكتوبة تعود لحياة الشاعر وفيها تبرز سيرة حياة شاعر من الاقليم وتم الحفاظ على وثائقه في الطابق العلوي أيضا والتي تلقي بدورها نظرة ثاقبة ومهمة على يوميات الشاعر.
صدر للشاعر 40 كتابا، توزعت مابين دواوين شعر وقصص قصيرة ومذكراته، وبعدها جمعت أعماله كلها في مجلدات خوفا من الضياع. في اشعار الشاعر سجلت حياة الجبل وعادات وتقاليد الجبليين وكذلك تضمنت وصفا الجميل للطبيعة، حتى ذنوب الجبليين رصدها في أعماله الأدبية بالإضافة الى كتابته للقصة القصيرة التي نبعت من الجبال، وبعد مغادرته بيته الجبلي انتابه الشعور بالغربة والوحدة وكتب نتاجا جماً حول الغربة والوطن، كما كانت له بصمات واضحة على الرواية النمساوية لأنه كتب عدة روايات أيضا، وفي مذكراته حين كتب لإحدى الصحف الغراتسية بأنه يكتب الشعر في بداية عمره ووقت الفراغ رد عليه محرر الجريدة (د.اليبرت سفوبودا) بأنهم عثروا على موهبة كبيرة في عالم الأدب بين جبال النمسا يسمونه “بيتر روزيكا“
بالرغم من مرور 95 عاما على رحيله إلا أنه يعد الوجه المشرق والجميل والجبل من تاريخ النمسا الثقافي.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بدل رفو
شاعر ومترجم مقيم بالنمسا