إيمان مرسال: كتاباتي اعترافات كاذبة

إيمان مرسال: كتاباتي اعترافات كاذبة
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

 

 

 

حاورها: تامر فتحي

الشاعرة إيمان مرسال واحدة من شعراء " قصيدة النثر" و" مرحلة سقوط القضايا الكبري " أو "جيل التسعينيات"، تلك التسميات التي لا أظن أن أحداً من أفراد هذا الجيل يحبها، لها أربعة دواوين شعرية هي “اتصافات” 1990، “ممر معتم يصلح لتعلم الرقص” 1995، “المشي أطول وقت ممكن” 1997، و" جغرافيا بديلة " 2006. خطت إيمان من خلالها مشروعاً شعرياً مترابطاً عكس تحولات فتاة مصرية اختارت من البداية أن تكون في منطقة استثنائية فكرياً وحياتياً.

منذ ديوانها الأول " اتصافات"، وهي مثيرة للجدل خاصة مع اقتحامها، علي الرغم من عدم تجاوزها 24 من عمرها في ذلك الوقت، مناطق شائكة علي فتاة في مثل عمرها، لكنها، استطاعت بتجربتها الشعرية لفت الانتباه، كانت، كما تقول، "ابنة الأفكار الكبيرة" وتصدق في قدرتها علي تغيير العالم . ولدت في 30 نوفمبر عام 1966، في قرية “ميت عدلان”، إحدي قري محافظة المنصورة،تولي أبوها تربيتها بعد وفاة أمها وهي في السابعة. شاركت من عام 1986 حتي عام 1992 في إصدار مجلة “بنت الأرض” النسائية المستقلة وأقامت من عام 1988 حتي عام 1998 في القاهرة بمفردها حيث عملت في وظائف مختلفة ونشرت قصائدها في العديد من المجلات الأدبية المستقلة، مثل مجلة “الجراد” و”الكتابة الأخري”.

حاورها: تامر فتحي

الشاعرة إيمان مرسال واحدة من شعراء ” قصيدة النثر” و” مرحلة سقوط القضايا الكبري ” أو “جيل التسعينيات”، تلك التسميات التي لا أظن أن أحداً من أفراد هذا الجيل يحبها، لها أربعة دواوين شعرية هي “اتصافات” 1990، “ممر معتم يصلح لتعلم الرقص” 1995، “المشي أطول وقت ممكن” 1997، و” جغرافيا بديلة ” 2006. خطت إيمان من خلالها مشروعاً شعرياً مترابطاً عكس تحولات فتاة مصرية اختارت من البداية أن تكون في منطقة استثنائية فكرياً وحياتياً.

منذ ديوانها الأول ” اتصافات”، وهي مثيرة للجدل خاصة مع اقتحامها، علي الرغم من عدم تجاوزها 24 من عمرها في ذلك الوقت، مناطق شائكة علي فتاة في مثل عمرها، لكنها، استطاعت بتجربتها الشعرية لفت الانتباه، كانت، كما تقول، “ابنة الأفكار الكبيرة” وتصدق في قدرتها علي تغيير العالم . ولدت في 30 نوفمبر عام 1966، في قرية “ميت عدلان”، إحدي قري محافظة المنصورة،تولي أبوها تربيتها بعد وفاة أمها وهي في السابعة. شاركت من عام 1986 حتي عام 1992 في إصدار مجلة “بنت الأرض” النسائية المستقلة وأقامت من عام 1988 حتي عام 1998 في القاهرة بمفردها حيث عملت في وظائف مختلفة ونشرت قصائدها في العديد من المجلات الأدبية المستقلة، مثل مجلة “الجراد” و”الكتابة الأخري”.

بعد أربع سنوات من صدور ديوانها الأول عادت بديوان ” ممر معتم يصلح لتعلم الرقص” كان أهدأ نبرة لكن أشد سخرية من سابقه، وفيه كشفت إيمان عن عالمها الواقعي وذكرياتها في الطفولة، عن كيفية رؤيتها لاسمها، عن علاقتها الملتبسة بالأب الراقد في العناية المركزة، عن الأم الميتة والأصدقاء، وعن العداوة الممزوجة بالحب لـ “أمينة ” التي شاركتها غرفة الفندق في بغداد. حقق الديوان قبولاً وتأكيداً علي تجربتها الشعرية، ولقد نفدت طبعته الأولي وتم طبعه للمرة الثانية. في الثلاثين من عمرها أصدرت ديوانها الثالث “المشي أطول وقت ممكن” كان أكثر هدوءا وأعمق سخرية، بدا استكمالا لما بدأته في الديوان الثاني ولكن من خلال وعي ومرارة اكتشاف زيف الأحلام الكبيرة، ليس فقط بالنسبة لها ولكن بالنسبة للآخرين. حصلت في عام 1998 علي درجة الماجستير بتقدير ممتاز من جامعة القاهرة عن رسالتها حول “التناص الصوفي في شعر أدونيس”، ومنذ عام 1999 وهي تُدَرِّس اللغة العربية والأدب العربي بجامعة ألبيرتا في كندا، حيث تعيش مع زوجها وطفليها هناك، ديوانها الرابع “جغرافيا بديلة” يدور حول تجربة الحياة بين مكانين. ومؤخرا صدرت لها عن دار نشر أمريكية بنيويورك مختارات شعرية ترجمها الي اللغة الإنجليزية الشاعر الليبي خالد مطاوع بعنوان ” ليس هذا برتقالا يا حبيبي”.

في حي المنيل وفي مبني يقع علي مفترق شارعين، حيث تسكن إيمان مرسال في أثناء فترات تواجدها في مصر، وجدتها كما رأيتها مرة في العام الماضي، نحيفة كما هي، لكن يغلب عليها هدوء من يعرف أن “الطبيعة تصنع الأمور خيراً منه”، سألتها عن أبيها وعن الأصدقاء وعن الكتابة والأيديولوجيا.

 

* كيف حالك أنت وأبيك؟

– تغير كلانا وأظننا الآن في حالة سلام. زارني في كندا العام الماضي، وكان يصر علي أن يطبخ يومياً وعلي أن أوصله لأقرب مسجد لصلاة الجمعة. وأعتقد أنه كان فخوراً بي للحظة عندما دخل مكتبي في جامعة البيرتا ورأي اسمي مكتوباً علي الباب بالانجليزية. غير ذلك كره البرد جداً وعرف أخيراً أن الثلج الذي أحدثه عنه ليس مجازياً.

 

* في ديوان ” ممر معتم” تقولين: “عندما عدت مع الأقدام الكبيرة من دفن أمي..كان علي أن أحرس البيت من تلصص الجارات وتعودت الجلوس علي العتبة” هل لعبت بعد وفاة أمك دور الأم؟

– بعد موت أمي لعبت دورها بالتأكيد. هذا يحدث في مصر، يحدث في طبقات بعينها. لا أعرف إن كان ذلك يمكن تفاديه. لا تنس أن الآخرين هم من يعطوننا الأدوار التي علينا القيام بها، طبعاً ليس عدلاً أن تكون طفلاً ويعطيك أبوك مفتاح البيت ويطلب منك أن تغلقه. لن يكون عليك أن تغلقه مرة واحدة بل مرات، لأنك تفتحه بعد غلقه لتتأكد أنه هكذا يكون مغلقاً بجد.. لتتأكد أنك علي قدر المسئولية.

 

* مارست لعبة الاعتراف في كتابيك الثاني والثالث، ففي ديوان ” ممر معتم ” في قصيدة “الجلطة” تعترف البنت لأبيها الراقد في العناية المركزة بمشاعرها الملتبسة، كذلك تقولين:”أفضح نفسي لأختبئ وراءها” إلي أي مدي كنت واعية بذلك؟

– أولاً من قال إن ما يبدو في الكتابة وكأنه اعتراف هو اعتراف بالفعل؟

 

* لا أقصد أنها اعترافات كاملة، لكن هناك ذات تعترف في القصائد؟

– لو سلمنا أن ثمة اعترافا، فهو اعتراف كاذب . الكتابة هي فعل حذف وانتقاء، وحتي لو كنت تسرد ما حدث فأنت تفعل ذلك من لحظة وعي مختلفة ويكون ذلك -إن حدث- ليس بغرض التطهر ولا الندم، ليس من أجل الصدق. اتفقنا؟ . من شروط الاعتراف وجود “آخر” لتعترف له، سيكون من السذاجة أن نتوقع أن قارئ النص هو هذا الآخر. شخصياً أتمني أن تكون هذه القصيدة موجودة لنري دماء مراقة. لكن لا يوجد عندنا سياق اجتماعي يسمح بالاعتراف، ومن النادرأن تجد حتي سيرة ذاتية في ثقافتنا العربية غير محمولة علي تصور كاتبها عن عبقريته.

أظن أن العمل علي الذاكرة، ومحاولات القبض علي سرد مختلف يخص الوعي بهذه الذاكرة هو ما تم تلقيه في عملي وفي عمل آخرين علي أنه اعتراف. مثلاً، سرد لحظة مواجهة الأب للموت في “الجلطة” لم تكن أهميتها بالنسبة لي في اكتشاف امتزاج كراهية الأب بحبه، ولا سلطته بحنانه، بل في الرعب من أن يكون موت الأب صلحاً بيني وبينه قبل أن أعيش روعة ما اكتشفته للتو، بأني أحبه، أو بأني أكرهه. .. لا أعرف. بهذا المعني القصيدة مشروع اكتشاف لكوابيسنا الشخصية أكثر منها تقديم اعترافات لصدم المجتمع أو لكسر تابوهاته.

 

* لكن هذه الكتابة كانت تحمل داخلها نبرة تربص ورغبة في مواجهة الآخر وكأنها أقرب لعملية رسم للذات بقلم سميك.

– نعم . لكن هذا شيء آخر. مهم جدا أن تقول إن هذه الكتابة كانت نتاج لحظة تاريخية مختلفة . لحظة انهيار السرديات الأيديولوجية المتماسكة. أيضاً، كانت لحظة جيدة من حيث إحباطها وأفقها المسدود مما وفر سياقاً للبحث عن نبرات شخصية في الكتابة. الفقر والبوهيمية والصداقات والشعور بأنك لاتريد وحتي إن أردت فلن تستطيع أن تجد مكاناً لنفسك (وظيفة، زواج، حب ..إلخ)، كل ذلك ساعد في تكوين هامش لم يكن ليوجد مع الأجيال الأسبق التي كان عندها أحلام (إن لم تكن تغيير الواقع العام فعلي الأقل استخدام الثقافة لتحسين الواقع الشخصي – الطبقي تحديداً والبحث عن المجد ربما). هذا السياق حول الكتابة جعل أيضاً المنتمين لها – ورغم أنهم كانوا بلا حول ولا قوة – مركز تهديد للمستقرين. هذا تراه جيداً في حجم العنف الذي وجه ضد هذه الكتابة وأصحابها من التيارات والملل كافة.

 

* كيف تم قبولك في المشهد الأدبي ساعتها؟

– بعد نشر ديواني الأول اتصافات لاقيت اهتماماً نقدياً . أذكر ان إدوار الخراط كتب مقالاً أسعدني كثيراً وكانت التوقعات تشير إلي قدوم شاعرة (ماحصلتش) . لكن ماحدث أنني توقفت عن الكتابة – وهذا سيصبح عادة بعد ذلك- إلي أن صدر “ممر معتم” وقد قوبل بإعجاب ورفض كافيين لإفسادي.

 

* اقترن اسمك بمجموعة من الأصدقاء مثل أسامة الديناصوري وعلاء خالد وأحمد يماني وياسر عبد اللطيف هل كنتم بمثابة جماعة أدبية؟

– لم نكن جماعة أدبية علي الإطلاق.

 

* ما الذي كان يجمعكم؟

– كانت الصداقة هي الرابط الأساس وربما الانشغال ببعض الأسئلة الأخلاقية. كان من الطبيعي ظهور واختفاء أفراد. كان مثلاً هناك موقف ضد المؤسسات والتواطؤات. الحقيقة لم تكن الكتابة ولا قصيدة النثر ولا حتي التعليم ومعرفة لغات أخري، والكلبية – كما يظن البعض- هي ما يجمعنا. لم يكن مجاهد الطيب ولا عبدالحكم سليمان ولا محمد بهنسي يكتبون الشعر، وكان لنا ارتباط روحي وأخلاقي بمثقفين وفنانين من أجيال مختلفة، ومن المثير أن معظمنا ارتبط بصداقات قوية مع روائيي جيل الستينيات وبماركسيين راديكاليين وبمجانين وبمتعاطي مخدرات أكثر من صداقاتنا مع شعراء مجايلين. أيضاً عادل السيوي وبشير السباعي وأحمد حسان كانوا دائماً متورطين في حراك ومشاريع هذه الحركة. كان حضور مجدي الجابري مركزياً في بداية التسعينيات، بعد ذلك كان لهشام قشطة وأحمد طه أدوار مهمة ليس في نشرهذه النصوص التي لم يكن لينشرها أحد قط، بل أيضاً في تشجيع سياق مستقل لتلقي هذه النصوص. بالنسبة لي، كان ذلك في الحقيقة هو مجتمعي الذي أتحرك فيه، رغم وجود كتاب وجماعات أخري في المشهد الشعري المصري خلال ذلك الوقت لا تقل أهمية عن من نتكلم عنهم وبعضهم أكن لكتابته احتراماً خاصاً.

 

* كتبت عن هؤلاء الأصدقاء في قصيدة “العتبة” في ديوانك “المشي أطول وقت ممكن”، عبرت من خلالها عن أزمة جماعة مثقفة في مجتمعنا. هل تشعرين أن القصيدة اكتملت عند هذا الحد؟

– لا أعرف ؟. ربما اكتملت قصيدتي التي كتبت في 1996 والتي انتهت بـ “عندما تركتهم جميعاً/ ومشيت وحدي/ كنت قد بلغت الثلاثين”. ولكن هؤلاء الأصدقاء مازالوا هم الأهم في حياتي وربما هناك عتبات بيننا لم تكتب بعد.

 

*ما الذي كان يجمع نصوصكم؟

– رغم أهمية السؤال الأخلاقي لكتابة هذه الحركة أو اللحظة الشعرية أكثر من السؤال السياسي المباشر، ورغم الاشتراك في الشكل (قصيدة النثر)، وفي جرأة الاعتماد علي السرد، إلا أن أهم ما يجمع هذه النصوص في رأيي هو تعددها وليس تشابهها. أما ما يقال عن قصيدة النثر وغياب الأيدلوجيا وقصيدة التفاصيل اليومية وجيل التسعينيات و… فهي فيما أظن عناوين للإشارة للحركة وليس لنصوصها.

 

*وكيف هي علاقتك بالمشهد الثقافي الآن؟

– أتابع ما يكتب وما يحدث، أفتقد أصدقائي والقاهرة ولكني لا أفكر في العودة. وأعتقد أنني لو كنت قد بقيت في مصر كنت سأكون أبعد عن هذا المشهد مما أنا الآن. الحركة التي كنت فيها في قلب ما يحدث كان يجب أن تنتهي بعد براءة بداياتها، كل الحركات التي تستمر بعد لحظة البدايات تستمر بفعل المصالح.

 

* عندما يختلط الشعر بالأيديولجية يصبح ذا نبرة صاخبة.. هل يمكن اعتبار السخرية الكامنة في قصائدك انعكاسا أيديولوجيا ؟

– لا أعرف. السخرية طريقة في التعامل مع الحياة، وهي ليست طموحا في حد ذاتها.

 

* وما طموحك؟

– أن أكتب قصيدة أعيد قراءتها وتقدم لي ما لا أجده في كل القصائد التي أحبها

ـــــــــــــــــــــــــــ

البديل 19/06/2008

 

عودة إلى الملف

مقالات من نفس القسم