عبد النور مزين
اللعنة.
أكنت مجنونة؟ أم كنت عابرة على ذلك الجسر الناري الممتد بين جنونين؟ والأفعوانية التي تزلزل كياني منذ ذلك المساء على مشارف المرجة الزرقاء وكل الحريق الذي ألهب خصري وامتد حريقا في تضاريسي، أكان نداء الجسر أم كان بركان لهب ينتظر اللحظة لينثر دفعة واحدة شلال الشظايا في أثير القبيلة؟
وشمس الضحى كانت وردة نبتت من حريق بعيد.
ونمت بعينين عسليتين بين أحضان الطابور الخامس وعينين عسليتين هاربتين. وحده الوهم ظل ظلا حارسا لعينيها حتى حلت اللوكيميا وأقامت في السهل الأخضر لساحلها.
هكذا كبرت شمس الضحى ما استطاعت كطلقة، وظلت في باريس روحا وظلت شظية.
(جارتي اللوكيميا) كتبتها كلها في باريس. لم أكن قد سودت إلا بضع صفحات ونحن ندخل تلك البوابة القديمة لدار النشر. كانت أليس فويغاسيير تعرفها وتصر في إلحاحها للذهاب إليها. كانت متأثرة بما حكيت لها عن شمس الضحى وعن كل الحرائق التي شوت الجسد والروح منذ ذلك المساء الذي عاد فيه القلب لينشوي في تلك الفضاءات التي تلي ليكسوس على مشارف المرجة الزرقاء.
] درادر.
مسقط رأس القلب البعيد
نبع لظمأ الجسد اللعين وهوية
درادر
لهب حيث شب في الخصر الحريق
واليدان سهلان من سنابل جمر
والحلم ينمو وهما ويحيا شظية. [
هكذا قرأت ألِيس ذلك المقطع الصغير بعد أن سمعت الحكاية. كان ذلك كافيا كي تقنع تلك الناشرة بالحي اللاتيني.
كانت أليس فرحة وصامتة في طريق العودة. تسكعنا قليلا وشربنا الكثير من البيرة الإيرلندية وعدنا إلى الأستوديو بالتيكيلا والكثير من الطاباس. كنت أفكر كل الوقت ونحن في طريق العودة كيف لي أن أنصب على سواحل جسدي اللعين كل تلك المضادات الأرض جوية والأرض بحرية لأواجه أي غزو محتمل.
تلك الليلة تبدت أليس في كامل إمبرياليتها وهي تحشد كل جيوشها المحمولة على بوارج الرغبة والبيرة والتيكيلا. وحدها الشظية ولهب يديه البعيد على خصري كانا ترياقا وكانا حقول ألغام أمامية.
هناك في الحي اللاتيني وأنا أمضي عقد النشر لجارتي اللوكيميا ولدت من جديد.
إيريسيا آيت دردرين. صرتُ جسدا من كلمات.
واستلمت أول شيك، ثمنا للحكي والكلمات.
تلك الليلة كانت الذكرى طوق نجاة وكانت مقاومة لإمبريالية لم أعهدها من قبل. هكذا انتصبت في مسام الروح، تلك الليلة، حرائق يديه على خصري ونحن هناك على مشارف المرجة الزرقاء لتستحيل كتائب مقاومة على سواحل الجسد الملتهب.
لم أعلم بالهزيمة إلا لاحقا في الصباح. نمت حتى العصر. لا تعترف الامبريالية بالهزيمة. من أين أتتك الهزيمة يا أليس؟ من ذكرى حريق يديه على خصري، أم من شلال التيكيلا يا أليس؟
كنت أعرف أنها لن تردعها هزيمة أولى. وكانت لأليس فويغاسيير طرق الاستنزاف طويلة الأمد.
هناك غير بعيد عن الاستوديو، سكبْت لهب (جارتي اللوكيميا) كأنها كانت تحرق دواخلي. سريعا سالت مني نارا من كلمات. هناك علمت أن اللعنة جزء من الهوية. تلاحقني كشظية في الذاكرة. تتقد كلما أصررنا على النسيان.
وكيف كان لي أن أنسى شمس الضحى التي ولدت ونمت شظية من زمن اللهب على مشارف المرجة الزرقاء، هناك فيما يلي ليكسوس.
أليس لا ولن تعرف أبدا (عش الحمام) هناك في درادر. ولا نورين لوكلير عرفته.
عبير الذاكرة من،عش الحمام، أكثر فتكا من عبير الغابة الموحشة وأكبر من عبور شظية خلسة بالقلب. الجدول المنسي على أطراف البلدة والبوص الأخضر الملتف والظلال والذكرى اللعينة التي قادتني إلى هناك. كل شيء ما يزال على حاله. الصمت والخرير وحفيف الغاب وكونسيرتو القبرات والسمان.
آه من الذكرى يا إيريسيا.
طفولتي التي كبرت وهذا الجسم اللعين الذي برعم وأزهر فقط من سماد يديه. كيف عدت ذاك المساء إلى (عش الحمام) مكبلة القلب بذكرى كل تلك الحرائق بين يديه.
والطفولة نهر هادر لا يموت إلا شلالات في جروف القلب السحيقة.
وعش الحمام في القلب ذكرى جنوني الذي لم يمت.
هناك كان هو أيضا ذاك المساء.
كيف أقولها لك يا أليس كي تعرفي جذور هزيمتك تلك الليلة.
كيف تفهمين عنف الذكرى كي تقتنعي ببراءة التيكيلا. لا جدوى من حرب الاستنزاف يا أليس فويغاسيير. هكذا قلت في نفسي وأنا أتلذذ هزيمتها تلك الليلة، وانتصار الذكرى لحرائق يديه على خصري ذلك المساء، في عش الحمام، هناك في درادر على مشارف المرجة الزرقاء فيما يلي ليكسوس باتجاه الجنوب.
وشمس الضحى نبتة نارية أيتها القبيلة.
فكانت كما سكبتها في (جارتي اللوكيميا) كأس نار تجرعتها على مهل بين جنون وجنون. ليتك عدت من ذلك الهروب. هروب عينيك العسليتين من عينيها العسليتين منذ أن أخبرتك.
كم كان باردا حجر المقعد في حديقة المارستان وأنت هناك على وجه القمر، هناك في الأعالي. هكذا قالت الحفريات من الكلمات المدفونة خلف تلك الصورة في الألبوم. شمس الضحى بيني وبينه في تلك الصورة وهي محاطة بذراعه. ما أزال أرى هالة الوهم وكيف نمت بذور جنوني في وجه القبيلة قبل أن تقبل اللوكيميا وتقيم بيننا.
…………..
*كاتب وروائي من المغرب
*مقطع من رواية تنشر قريبا