أُنْشُودَةُ الْبَرَارِي: مُقَاتِلَةُ الْأَبْرَاجْ

amal salem
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

أمل سالم

– حَاشِيَةُ الْفَوْضَى:

يَقُولُ دِيُونِيسُوس:
يُوشِكُ اللهُ أَنْ يُوقِعَنِي فِي حَيْرَةْ؛
أَنَا أَمْ أَنْتَ؟ مَنْ فِي الْأَمَامِ وَمَنْ خَلْفَهُ،
مُضَرَّجًا بِمِغْنَاطِيسِيَّةِ الْآخَرْ،
مُكَبَّلًا بِخُطْوَتِهِ اللَّا مَحْدُودَةِ،
الْمُتَّسِعَةِ كَالْمِيلَادْ.

رَأَيْتُنِي هُنَا وَهُنَاكَ،
رَأَيْتُكَ مَرَّتَيْنْ،
وَعَيْتُ كَشْفِي: أَنَّ اللهَ تَجَلَّى مَرَّتَيْنْ.

وَشَّكَ اللهُ الِاخْتِيَارْ.

-1-

صَوِّرِينِي عَلَى جِدَارِ رُوحِكِ بَسَاتِينَ خُلُودْ،
وَاقْطِفِي مِنْ شَجَرَتِي ثَمَرَتَيْنْ؛
لَنْ آتِيَ هَذَا الْوُجُودَ مَرَّتَيْنْ.

 

اكْتُبِينِي فِي سُكُونِكِ زَهْرَةً تُهْدِي الرِّيحَ غُبَارَ طَلْعِهَا،
بُرْعُمًا يَتَوَارَى مِنْ قَطْرَةِ مَاء،
طَائِرًا مِنْ فَرْطِ حَنِينِهِ يَفْقِدُ جَنَاحَيْهْ
وَيَطِيرْ.

 

مَنْ وَجْدِهِ
يَسْتَقِرُّ عَلَى عُشْبِ الذَّاكِرَةِ أَوَّلَ طَرِيقْ،
وَظِلًّا كالرَفِيقْ.

 

بِكَ اسْتَوَيْتُ،
وَقَدْ كُنْتُ قَبْلَكَ لا شَيْ،
طَيِّنًا لازِبًا كَانَ قَلْبِي،
فَصَارَ فَخَّارًا لا شَيْ دَاخِلَهُ يَنْضُب.

 

بِكِ اسْتَقَمْتُ،
قَبْلَكِ لا عُودَ لِي وَلَا وُقُوف.

 

لَمْ أَكُنْ أَعْرِفُهُ،
تَوَارَى فِي اللَّهَبْ،
ذَلِكَ الَّذِي شَكَّلَنِي/ الْكَلِمَةُ مِنَ الْحُرُوفْ.

كَيْفَ أَرَى وَجْهَهُ بِعَيْنَيْنِ بَصِيصُكَ لَيْسَ بِهِمَا؟!

بِكِ رَأَيْتُ،
فَعَرَّفْتِنِي،
عَرَّفْتُهُ،
لَحْظَةَ السَّعِيرِ.

 

بِكِ نَضَجْتُ وَارْتَأَيْتُ،
صِرْتُ رَطْبًا أُفَيِّئُ الْأَرْضَ الْبِكْرَ وَالَّتِي فَقَدَتْ عِذْرِيَّتَهَا.

تَنْمو النَّبَاتَاتُ مِنِّي وَتَخْضَرُّ،
تَرْعَى الْأَنْامُ جَمَالَهَا،
وَبِبَهَائِهَا يَسْرَحُونَ.

 

أَنَا الْقُرْبَانُ لِمَا أَجْهَلُهُ، لَيْسَ بِسِوَاكَ.

 

آنَسْتُكِ أَنَا،
فَمَكَثْتُ عَلَى شَفْرَةِ الْأَزْمِنَةِ الْمُتَّقِدَةِ،
أُوَزِّعُ الْهُدَى وَالْهَدْيَ وَالْهَدَايَا.

 

قِدِّيسٌ يَعْرِفُ مَا يَجِيء،
يَعْرِفُ الْأَبَدِيَّةَ الْمُتَلَأْلِئَة،
الْمُنْجَبَةَ مِنْ حَجَرِي صَوَّانٍ وَسَحَابَتَيْن.

 

بِك عَرَفْتُ بَقَائِي،
كَسَرْتُ سَلَاسِلَ عِقَابِي،
مُبَارَكٌ هُوَ الأَتُونُ الآتِي،
فَالْمَجْدُ لِلْهَشِيمِ.

حاشِيَةُ الْبَرَارِي:
اُكْتُبْ وَاكْتُبْ فِي الْحَدِيقَةِ زُهُور – (أَوْ تَذَكَّرْ)
وَاكْتُبْ وَاكْتُبْ لِلزُّهُورِ عِطْرَهَا الْفَوَّاح – (كَأَنَّهَا الْآنَ)
وَاكْتُبْ وَاكْتُبْ عَنْ بَوْحِ الْفَرَاشَاتِ لِلرَّحِيقِ – (تَخْرُجُ مِنْ أَصْلَابِهِنَّ)
مَا جَدْوَى إِطْلَالَةِ الزُّهُورِ عَلَى الْقُبُورِ! – (شَهِدْنَا)

 

“وَخَلَقَ الْإِنْسَانَ الْيَوْمَ السَّاذَجَ وَفِيهِ اسْتَرَاحَ”

 

سَأَحْكِي حَدُوتَةً آخِرَ اللَّيْلِ لِطِفْلٍ،
وَسَأَرْوِي عَنِ الْغَابَاتِ الْبَعِيدَةِ الْمُظْلِمَةِ كَعَيْنٍ عَمْيَاء.
سَأَصِفُ مَا بِهَا مِنْ أَشْجَارٍ عَالِيَاتٍ بَاسِقَاتٍ تَكْسُوهُنَّ الْقُدْرَةُ
كَلِحْيَةِ شَيْخٍ يَحْتَضِرُ.. وَجْهُهُ سَمَاءٌ.
سَأَرْسُمُ مَا بِهَا مِنْ حَيَوَانَاتٍ،
حَتَّى إِذَا جَنَّ اللَّيْلُ اخْتَبَأَتْ،
مِثْلَمَا تَخْتَبِئُ الشَّمْسُ مِنَ الْغُرُوب.
وَلِلْطِفْلِ أَنْ يَتَخَيَّلَ صُورَةَ السَّاحِرَةِ،
تَجِيءُ فِي الظُّلْمَةِ طَائِرَةً،
كَبُومَةٍ،
تَسْتَقِرُّ عَلَى سَطْحِ الْبَيْتِ،
مُنْتَظِرَةً الْمُتَيَقِّظِينَ لِتَسْحَرَهُمْ حَيَوَانَاتْ.
وَعِنْدَمَا لَا يَخَافُ الطِّفْلُ،
وَلَا يَنَامُ مُتَدَثِّرًا فِي خَيَالَاتِهِ،
يُولَدُ النُّورُ،
وَيَكُونُ اللَّيْلُ قَدْ فَات.

 

هَذَا حُلْمِيْ.
يَوْمَ قُلْتُ: هَذِهِ أَحْوَالِي خُذِيهَا إِلَيْكِ، وَجُودِي عَلَيَّ بِوُجُودِي. جَمَعَتْهَا رِحْلَاتِي مِنْ قَارَّةِ الحُبِّ إِلَى قَارَّةِ العِشْقِ مُنْذُ عَرَفْتُكِ، وَمِنْ صَحْرَاءِ التَّذْكَارِ إِلَى شَاطِئِ النِّسْيَانِ، مَا كُنْتُ أَقِفُ حَامِلًا حَنِينِي وَوَجْدِي لِضِيَاءِ عَيْنَيْكِ!
وَهَذَا: ابْنِ لِي بَيْتًا فِي قَلْبِكِ، وَانْسِجِي مِنْ خَلَايَاكِ ظِلًّا لِي عِنْدَمَا أَغْفُو، وَعِنْدَمَا أَمُوتُ أَدْفِنِي بَيْنَ نَهْدَيْكِ.
فَأَبَتْ.
لَمْ يَكُنْ حُلْمًا.

 

لَنْ أَلْتَقِيَكِ لَيْلًا؛ أَخْشَى أَنْ يَجْرَحَكِ -عِنْدَمَا يَأْتِي- النَّهَارُ.
وَاللَّيْلُ حَانَةُ الحُبِّ وَالعِشَّاقُ نُجُومُهُ،
سُكُونُهُ لَوْعَتُهُمْ وَخَمْرُهُمْ مِنَ الجَوَى!
كَيْفَ إِذًا لا تَرَاوِدُنِي الظُّنُونُ كَمَحَطَّاتِ لِمُسَافِرٍ؟
لَنْ أَلْتَقِيَكِ عَلَى أَرْصِفَةِ القِطَارِ؛ مَصَابِيحُهُ مُرْعِبَةٌ كَعَيْنِ المَحْتَضِرِ،
كَلَحْظَةِ غُرْبَةٍ وَاخْتِصَارْ.

 

لِلْغُرَبَاءِ،
الَّذِينَ يَنَامُونَ الآنَ فِي دَمِي،
يَتَمَدَّدُونَ فِي عَيْنَيَّ.
وَحِينَ تُنَادُونَ اسْمِي،
يَنْسِلُّونَ وَاحِدًا وَاحِدًا خَلْفَ حُرُوفِهِ.
وَحِينَ تَنْظُرُونَ رَسْمِي،
يَتَلَوَّنُ بِأَلْوَانِهِ.

 

لِلْغُرَبَاءِ:
كَوِّنُونِي،
فَغُرْبَتُكُمْ مَوْتَى.

 

الَّذِينَ يَأْتُونَ فُرَادَى،
كَمَا أَتَوْا يَذْهَبُونَ!
رُؤُوسُهُمْ: بُرْعُمُ زَهْرَةٍ تَخْرُجُ مِنْ أَصْلِ الحَنِين.
رَائِحَتُهُمْ: عَقْلٌ أَضَاءَ، فَقِيلَ لَهُ: كَمْ أَنْتَ مُنِيرٌ! خَفَّتَتْكَ سَحَابَةٌ؛
أَنْأَى الظِّلُّ فِي زُجَاجَةِ بَلُّورٍ، فَأَضَاءْ.

لَا تَتْبَعُوهُمْ أَبَدًا،
وَلَا تَحِيدُوا عَنْهُمْ كُلَّ الحَيْدِ.

الَّذِينَ…
يَرْحَلُونَ مِثْلَمَا يَأْتُونَ،
قُلُوبُهُمْ وِسَادَةٌ،
وَكُلُّ الأَطْفَالِ يَنَامُونَ،
فِي حِضْنِ كُلِّ الآلِهَةِ،
          كُلِّ الرَّبَّاتِ،
وَالآلِهَةُ الرَّبَّاتُ يَعْزِفْنَ لَهُمْ،
                    عَلَى قِيَاثِرِهِنَّ بِسِتَّةِ أَوْتَارٍ،
                        وَرَبَابِهِنَّ،
                        وَنَايَاتِهِنَّ،
عَزْفًا مُسْتَطِيلًا بِاسْتِطَالَةِ نَوْمِهِمُ الْمُطْمَئِنِّ.

 

الَّذِينَ…
أَرْبَابٌ.
فَلَا تَفْتَحُوا لَهُمْ،
وَلَا تُغْلِقُوا الأَبْوَابَ.

 

-2-

الْحَقُّ الْحَقُّ أَقُولُ:
(أَنَّهُ لَمْ يَعُدْ لَكَ أَيَّامٌ،
وَلَمْ يَعُدْ لَكَ خُطًو،
وَأَنَّ تِلْكَ الحَيَاةَ الَّتِي حَيَّيْتَهَا مِنْكَ غَاضِبَةٌ؛ لِذَا أَسْلَكَتْكَ مَسْلَكَ الأَشْرَارِ، أَوْقَفَتْكَ عَلَى طَرِيقِ الخُطَاةِ.
بِالضَّبْطِ حِينَ أَسْلَمَتْكَ لَهَا، أَجْلَسَتْكَ مَجْلِسَ المُسْتَهْزِئِينَ.
مَا جَدْوَى شَجَرَةٍ مَغْرُوسَةٍ عِنْدَ حَافَةِ نَهْرٍ وَتُثْمِرُ؟
الثَّمَرُ لَيْسَ صُنْعَ الشَّجَرَةِ بِقَدْرِ مَا هُوَ صُنْعُ النَّهْرِ.
وَمَاذَا لَوْ أَنَّ النَّهْرَ جَفَّ؟ أَوْ ضَنَّ بِمَائِهِ عَلَى شَجَرٍ؟
هَلْ ثَمَرٌ يَكُونُ هُنَاكَ؟!)

 

كُنْتُ كَالشَّجَرَةِ، وَعِنْدَمَا تَهِبُّ هِيَ كَالرِّيحِ، أَصِيرُ دُبَالَةً أَلْقَتْهَا شَجَرَةٌ، وَعَلَى الرِّيحِ أَنْ تُقِرَّهَا كَمَا تَرْضَى.
عَلَى اليَابِسَةِ أَصِيرُ، أَوْ فِي قَدَمِ خِنزِيرٍ مَحْظُورٍ فِي عَفِنَةٍ سُدًى.

الْحَقُّ أَنَّنِي لا أَسْتَطِيعُ الحَدِيثَ عَنْهَا فِي غَضَبٍ، لِأَنِّي لا أَسْتَطِيعُ فَكَّ قُيُودِهَا.
إِنَّنِي لا أَنْظُرُ إلَيْهَا إِلَّا إِلَى أَعْلَى، إِنِّي صَنَعْتُ مِنْهَا سَمَاوَاتٍ، وَصَنَعْتُ مِنْهَا رَبَّاتٍ، وَأَسْكَنْتُهُنَّ سَمَاوَاتِهَا، ثُمَّ صَلَّيْتْ.

 

مَا جَدْوَى قَلْبِكَ الخَزَفِيِّ إِنْ ظَلَّ سَلِيمًا أَوْ تَكَّسَرْ؟
هَلْ يُضِيرُّ السَّمَاوَاتِ أَنْ تَتَفَلَّقَ الأَرْضُ بِزَلَازِلَ، أَوْ تُحْرِقَهَا حُمَمٌ وَبَرَاكِينُ، أَوْ يُعْصَفَ مَا عَلَيْهَا؟!
الْحَقُّ أَنَّهُ لا خَلَاصَ لَكَ مِنْهَا، وَلَنْ تَسْلَى عِبَادَةُ الأَرْبَابِ.
لا مُعِينَ لَكَ وَلَا عَضُدْ.
وَلَنْ تَرَأَفَ السَّمَاوَاتُ كُنْتَ شِرِّيرًا أَمْ تَقِيًّا، فَأَعْلَمْ أَنَّهَا لا تَسْمَعُ الدُّعَاءَ، تَتَسَمَّعُ الأَنِينْ.

 

– هَامِشُ الْبِدَايَاتِ

يُخْبِرُنِي صَدِيقِي الذِّئْبُ أَنَّ الذِّئَابَ مَلَأَتِ الْمَدِينَةْ!
وَعَلَيَّ الْحِرْصُ حِينَ أُحْضِرُ طَعَامَ الْأَطْفَالِ.

يَقُولُ الْإِمَامُ عَلِيٌّ: ” تَذَأَّبُوا… “

لَمْ يَعُدْ ثَمَّةَ فَائِدَةٌ.
كُلُّ حَبَّةِ مَطَرٍ تَحْمِلُ ذِئْبًا سَائِلًا،
وَيَنْبُتُ مِنْ عُشْبَةِ الْأَرْضِ الذِّئْبُ الصُّلْبُ،
وَمِنَ الْأَبْخِرَةِ الْمُتَصَاعِدَةِ مِنْ كُوبِ الشَّاي الَّذِي نَحْتَسِيهِ عِنْدَ لِقَائِنَا:
الذِّئْبَةُ الْكَبِيرَةُ.

بِالْأَمْسِ كَانَتْ تَرْعَى أَطْفَالَهَا عَلَى أَطْفَالِنَا،
وَقَبْلَ الْأَمْسِ جَاعَتْ فَأَكَلَتْ طِفْلًا لَهَا.
وَإِلَى إِنْسَانٍ مَسَخَتْ طِفْلَهَا الَّذِي عَوَى بِصَوْتٍ أَفْزَعَهَا،
فَأَخْرَجَهَا مِنْ نَهْشِهَا.

وَكُلَّمَا جَاعَتْ أَنْجَبَتْ.

الْمَدِينَةُ ذِئْبَةٌ كَبِيرَةٌ،
أَكَلَتْنَا الْمَدِينَةْ.

 

-متن شجرتين:

وَقَالَ الرَّبُّ الإِلهُ:

»هُوَذَا الإِنْسَانُ

قَدْ صَارَ كَوَاحِدٍ مِنَّا

عَارِفًا الْخَيْرَ وَالشَّرَّ.

وَالآنَ

لَعَلَّهُ يَمُدُّ يَدَهُ

وَيَأْخُذُ مِنْ شَجَرَةِ الْحَيَاةِ أَيْضًا

وَيَأْكُلُ

وَيَحْيَا إِلَى الأَبَدِ.«

                                         (تك 3: 22)

مقالات من نفس القسم

علي مجيد البديري
يتبعهم الغاوون
موقع الكتابة

كورونيات

يتبعهم الغاوون
نورهان أبو عوف

الساحر