أن تحيا في سينما أكي كوريسماكي

موقع الكتابة الثقافي
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام
 قد يعتبر البعض أن المخرج أكي كوريسماكي في فيلمه الأخير لا يقدم فكرة جديدة خاصة أنه تناول في فيلمه السابق " Le Havre " قصة تحول رجل إلى ماسح أحذية في بلدة فرنسية وتستره على صبي أفريقي من المهاجريين كي لا يقع تحت وطأة الشرطة التي تلاحق اللاجئين غير الشرعيين، الأمر في فيلم "الجانب الآخر من الأمل" يختلف بالتأكيد في المعالجة التي يقدمها كوريسماكي والتي تبدأ  من نقطة سابقة للفيلم وهي ثورات الربيع العربي وإزدياد حالات الهرب والهجرة والشتات إلى أوروبا، فيتدفق من هنا الخط الدرامي الأول لشاب سوري لاجئ  "خالدعلي" يهرب من وطنه هو اخته هربًا من الموت وأملاً في الحياة ثم يلتقي مع الخط الدرامي الآخر لعجوز فلندي "ويكستروم" الذي قرر فجأة أن يهجر زوجته وعمله ليبدأ حياة جديدة تاركًا الماضي وكل ما يملك وراءه. هذا العجوز ليس النموذج الكهل الوحيد في أحداث الفيلم، لكنه الشريحة الأكثر غلبة في المجتمع الفلندي الذي يصوره لنا كوريسماكي حيث يكثر فيه العجائز الذين يعيشون الماضي بكل ملامحه، في مقابل الإكتساح الجديد لشباب اللاجئين –سواء السوريين أو العرب أو الأفارقة - الآملين في المستقبل.  

إن لغة كوريسماكي السينمائية شديدة البساطة، الكاميرا الثابتة التي تشاهد معنا الأحداث بمنتهى الهدوء والحياد، الموسيقى وأغاني الستينات وأزيائها وديكوراتها التي تنقلنا إلى زمن أخر لبلدة تعيش خارج الزمن وتغيب عن ملامحها الروح المعاصرة، هو لا يحتاج إلى التعقيد من أجل إبهارك بأفكاره، فمفرداته واضحة، واختياراته الإنسانية هي التي تخلق شخصياته اللتي -في نهاية الأمر- لا تطمح سوى في الحياة. يقول أحد اللاجئين العراقيين إلى بطل الفيلم اللاجئ السوري أنه مازال صغير ليموت، الموت هو الهاجس الذي يخشى هذا الشاب أن يقضي عليه لأنه لم يحصل بعد على عمل، والموت أيضًا هو ما دفع خالد للهروب إلى فللندا، والموت هو ما يخشى أن يكون مصير أخته مثلما كان مصير حبيبته. الخوف يطارد الشباب، لكنه لا يطارد عجائز فللندا.

هنا لا يتخلى كوريسماكي عن إنتماؤه الوطني، لكنه ينحاز دون تفكير إلى إنسانيته التي تقف في صف “الإنسان” مهما كان اختلافه العرقي أو الجنسي أو الديني أو حتى الأيديولوجي، فالللاجئ عند الفلندي المتعصب -الذي يعتدي على خالد في نهاية الفيلم- هو مجرد “آخر”، هذا الآخر غير مرغوب فيه، يشكل عبئًا يجب أن يزاح، واللاجئ عند “ويكستروم” هو مجرد إنسان يجب أن يعطيه فرصة للنجاة. هنا يستدعي المخرج الأمل في قدوم اللاجئين، ويذكر المجتمع الفللندي بصورة أو بآخرى بما حدث له في فترة الحرب التي أدت إلى هروب الكثيرين في الماضي وتحولهم إلى لاجئين، فلماذا لا نفتح صدورنا للوافدين الجدد؟ ولماذا ننسى إنسانيتنا عند مواجهة الآخرين؟ ولماذ لا نعطيهم أبسط ما يمكن أن يتمنوه؟ نعطيهم الفرصة في الحياة.

مقالات من نفس القسم