أن تحبك جيهان .. بين الطول المبالغ فيه .. والسقوط في فخ التكرار

موقع الكتابة الثقافي
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

 

أسوأ شيء أن تقرأ عملا ً تتوقع منه الكثير، لكن عند قراءته تصاب بخيبة أمل، لأن مستوى المكتوب لم يصل للتوقعات المرجوة . وهذا بالضبط ما حدث مع رواية " أن تحبك جيهان " للروائي مكاوي سعيد و التي صدرت مؤخرا ً عن الدار المصرية اللبنانية في 700 صفحة من القطع المتوسط .

لعل أنجح ما قدمه مكاوي في روايته هو التقنية ، حيث استخدم الأصوات المُتعددة ، المُنقسمة بين الثلاث شخصيات الرئيسية (أحمد الضويجيهانريم مطر ).  ولكن رغم أن التقنية يفترض أنها تُسهل على القارئ تلقي النص لأنها تجعله مُدرك تماما ً أبعاد الشخصيات وتُمكنه  من الغوص في نفسية الشخصيات، ومعرفة دوافع أفعالها ، بل وإمكانية الإحاطة بالمشهد الواحد من أكثر من زواية. إلا أن كل ذلك  لم يستطع الكاتب توظيفه بشكل سليم ، فجنح إلي التطويل والإسهاب في التفاصيل، مما أدى إلي إصابة القارئ بالتشتت و التوهان

حجم الرواية الضخم لم يكن في صالحها أبدا ً ، كقارئ متفهم تماما ً لجوء الكاتب إلي الغوص في حياة الرواة لمعرفة جوانب حيواتهم و الإلمام بها ، لكن ما حدث في الرواية و محاولة إضافة شخصيات ملاصقة للراوي و الغوص في حيواتهم هم أيضا ً بدا لا داعي له على الإطلاق ، و سبب حالة من الملل للقارئ ، فمثلا ً شخصية جيهان الشخصية المحورية في الرواية أضيف عليها  أصدقائها بالإضافة إلي حياتها السابقة مع زوجها الراحل ، فأصبحنا أمام رواية أخرى ممتلئة بالصفحات التي لافائدة تُرجى منها ، مما أدى لخلق نص موازي أثقل النص الأصلي .

ما أثار دهشتي هو أني لم أتعاطف مع الشخصيات أو أرتبط معها بأي علاقة ود طيلة قراءاتي للرواية ، على عكس أي عمل آخر قرأته ، و معنى هذا أن الكاتب أخفق في توصيل محتوى عمله . فبنظرة بسيطة للشخصيات نجد

 أولا أحمد الضوي: رجل اختار البعد عن الحياة تقريبا ً ترك شركته يديرها أعوانه و قنع هو بالربح الضئيل الذي يأتيه من ورائها ، يرتبط بعلاقة مع ريم مطر ، صديقته المستهترة مثله . والأهم أنه لا يدرك كنه مشاعره نحو صديقته الأخرى جيهان ، للأسف يدركه قرب نهاية الرواية . الشخصية لم يكن بها أي ملمس جمالي يُحبب القارئ فيها . بالعكس الغموض يغلفها تماما ً .

شخصية جيهان : مصورة أرملة ، صارمة للغاية ، و للحق بدت الشخصية مُفتعلة ، حتى و إن كانت تشير لنموذج مُعين لمثقفات وسط البلد ألا أنهن لم يكن أبدا ً بالصرامة التي ظهرت بها جيهان في الرواية ، فنجدها لا تتهاون مع أقرب صديقاتها ، صحيح لديها مبادئ ، لكن ليست بهذه الطريقة المبالغ بها ، كقارئ صراحة لا أدري السبب الذي جعل أحمد الضوي يقع في حبها ، ألا إذا تتبعثنا المثل الشهير ” القلب و ما يريد ” . فطيلة الرواية نجدها مُتجهمة حتى وهي في أوج سعادتها يجب أن تكون مُحتدة لأي سبب . المهم أنها صارمة على الدوامبشكل مبالغ فيه!

شخصية ريم مطر : تتسم بالقوة و القدرة على التحكم في الآخرين ، فنجدها هي التي تُمسك بزمام علاقتها بأحمد الضوي ، بل تكاد تكون مُتحكمة فيه تماما ً . و أحمد منساق لها، من خلال السرد يتضح سبب هذا الانسياق ، فهو متمسك بمتعته الجسدية معها و ليس أكثر من ذلك . ريم مطر غير متزنة نفسيا ً ، وعدم اتزانها يؤدي بها أحيانا ً إلي حالات عصبية لا تقدر على التحكم فيها ، مما دفعها إلي التعدي على زوج أختها بالسكين . لكنها على الجانب الأخر تكاد تكون ملتصقة بأحمد، وعندما تدرك مدى متانة علاقتها به تتركه فجأة و بطريقة مهينة .

الضابط عماد : يكاد يكون الشخصية الوحيدة التي رغم مساؤها ألا أنها جميلة ، ضابط كبير يستغل سلطاته لأبعد مدى ، لكنه صديق حقيقي لأحمد الضوي يقف بجانبه حتى في أبسط الاحتياجات ، فنجده يقدم خصومات في المطاعم لصديقه ، ويقف بجواره في أزمة مرضه . تتعرض الشخصية لاهتزازات نفسية كبيرة بعد الثورة ، تجعله يفقد صوابه بعد اندلاع الثورة ، تحيله لشخص ضعيف مهتز أشبه بالأرنب المذعور .

جاءت أحداث الثورة في الرواية طويلة للغاية، لكن رغم طولها المبالغ فيه كانت ممتعة و نجح الكاتب في رسم صورة بانورامية للأيام الأولى للثورة تخللها رغبة أحمد الضوي بمصارحة جيهان ومحاولة انتقائه لوقت مناسب للبوح بحقيقة مشاعره لكن نفاجئ بانتهاء اليوم دون أن يبوح لها بمكنون نفسه. حتى تنتهي الرواية تلك النهاية الغامضة فلا ندري هل مات “الضوي” حقا ً أم سقط في إغماءة . فلم تكن النهاية متسقة مع الرواية و لم تناسب شعور البطل و مشاعره  المُتأججة بحبه لجيهان .

للأسف خذلتني الرواية ، لم يقدم كاتبي المفضل أي جديد ، قدم نسخة مكررة من البطل الذي يتكرر في روياته ، في روايته الجميلة فئران السفينة شخصية ضائعة أيضا ً وتغريدة البجعة شخصية لا تدري ما الذي تريده بالضبط ؟ و نفس الأمر في أن تحبك جيهان .

عكف مكاوي سعيد على كتابة الرواية ثماني سنوات ، وقدم رواية كبيرة ، لكن للأسف تفتقد لروح كتابته الجميلة

 

مقالات من نفس القسم