أنت السَيّدُ في هذا الحُلم

بوينج
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

عبد الرحمن مقلد

فردوسٌ نهضَ بعرْضِ الشارعِ

لم ندركْه على حالتِنا

عثرَ عليه النائمُ في وضعِ جنينٍ مقفولٍ

بجوارِ الحاجزِ

فوق سريرِ الكرتونِ المهترئِ

عند رصيفٍ منسيّ

في يومٍ محروقٍ بالقيظِ

ومصعوقٍ بالضوضاءِ وبالفوضى

عثرَ على فردوسٍ خاصٍ

يحسدُه الناسُ عليه

لو عرفُوه ولم ينزعجوا من قسوتِه

فردوسٍ وقع بحظِّ عمودٍ فقْريِّ

مكسيِّ بلحاءِ سخامٍ وترابٍ 

في رأسٍ تنبتُ فيه الحلفا

بالطينِ وبالقيحِ

ويرعى فيه القُمَلُ

وذبابٌ

وبصاقٌ يلعقُه

ويَدٌ تبتلّ

لينكحَ رَاحَتها

بالعضوِ المنصوبِ هنا في قلبِ الدائرةِ

تحت عيونِ المارةِ 

أي فينقٍ يبعثُ بين غبارِ الشارعِ حين يداعبُ

ليقومَ الحفلُ الخاطفُ في زمكانٍ

غيرَ زمانٍ ومكانٍ لا يقفانِ على جوهرِه

لا يغريه مسارُهما

 يتلاشى العَرَضُ

وتبقى جَنْاتٌ من عسلٍ ونهودٍ وعَجِيزَاتٍ وشفاهٍ

أجسادٌ فارهةٌ/ رقصٌ شبقٌ/

فردوسٌ في صورِ نساءٍ تتوالى

في رأسٍ مسنودٍ فوق الطوبةِ

بعيونٍ مغلقةٍ

حتى لا تتسربَ منها الأحلامُ المَمْسُوكَةُ من كِفْلَيْها

والمزنوقةُ بين حديدِ الحاجزِ والجسمِ الجافلِ للمتشردِ

المتوهمِ أن الكونَ انغلقَ عليه

وليس يراه سواه

يقبضُ بالشفتينِ اليابستينِ شفاهًا يخلسُ منها العسلَ

ويقطفُ منها ما يتشهى

ما حرمَتْه الدنيا

نالَ الآنَ

تلامسُ جسمٍ خشنٍ ببهاءٍ لدنٍ أبيضَ

بالثنْيَاتِ تغوصُ الأيدي

تمسكُ لا ممسوكًا.. رجْرَاجًا

لينٌ يَصْفَحُ عن كلِّ خطايا الزمنِ وهو يتماوجُ فيه

يذوبُ على العتباتِ الرخوةِ

يركبُ فوق الصورِ المأخوذةِ 

لوِثاقِ العاشقِ في المعشوقِ

يطيرُ

لا عينٌ تلحقُه

أو شرطيٌّ يصلُ

ولا تدركُه الأفهامُ

طليقٌ في الجمجمةِ

نارٌ تنشبُ في الأعصابِ

وهو يقسو

وتضيقُ الكفُّ المتَحلقةُ حول العضوِ الدافئِ

تتأوهُ من يحتضنُ

ويرتفعُ نشيجٌ وصراخٌ مفتونٌ

وعظامٌ تحييِها الناهدةُ المخزونةُ في أقصى الرأسِ

وهي تنزلقُ لكي يلقاها عند النهرِ

ويغتسلان

تعيدُ ولادتَه

يَدْخُلُها كالجنيِّ

ويخرجُ منها

يلقمُ من نهدٍ سحرَ الإشراق

يزولُ الوسخُ ويرجعٌ مغسولًا مجلولًا

ونظيفًا لرصيفِ الشارعِ

شبعًا بعد الجوعِ

يهدأ مورُ الأمعاءِ قليلًا

ملكًا يحكمُ في فردوس عرايا يتوالدن

يهيئْن له

واحدةً تتسلمُها الأخرى

لتنامَ إلى جانبِه ويجربَ فيها

في وضعِ جنينٍ مكتومٍ فوق رصيفٍ قذرٍ

نشوانًا

مأخوذًا في الرائحةِ البريةِ لنساءٍ منطلقاتٍ

بعطورٍ وزهورٍ تطرحُ فوق وسائدَ من أنداءِ الفجرِ…

عشبٌ حيٌّ في عَرقٍ شبقٍ يتنادى للجنسِ

تماهٍ فيه غناءٌ غنجٌ

ونساءٌ هيئْنَ له

ونصبنَ الأرجوحاتِ ليقضيَ بعضَ الوقتِ عليها

أنت السيدُ في هذا الحُلمِ الواسعِ

حتى لو ضاقَ العالمُ حولَك

وأخفتَ الناسَ

ليس تخافُ النسوةُ منك

لا فتياتٌ تهربُ

يقتنصُ خيالَ الواحدةِ

ويعريِها في ثنْيَاتِ الذاكرةِ

خزينُ لياليِه الكالحةِ:

أسيراتُ أفيشاتِ السينما

نجماتُ الزمنِ الفائتِ

حُلْوَاتُ المرحلةِ

عرائسُ في ثوبٍ أبيضَ

مقصوصاتٌ بالحذقِ الكافيِ

إعلاناتُ اللانْجيري

مخطوفاتٌ من أزواجٍ عبروا دون خيالاتِ الزوجاتِ

خياناتٌ بيضاءُ

بضاتٌ مَخفيّاتٌ في أوراقِ الكوتشينة

مرسوماتٌ في أبوابِ الحماماتِ العامةِ

نجماتُ الإغراءِ بأغلفةِ الصحفِ

حبيباتٌ ربّاهن صغيراتٍ وكبرن

نساءٌ يَصنَعْهُن على عينيه

يكون على ناصيةٍ وقتًا

ويصفرُّ تسمعُ جنياتٌ

تتجمعُ عند الفجر غزالاتٌ تتراكضنَ

فيدْخِلهن زريبتَه الغاربةَ

المتخفيةَ وراء العقلِ

 المتبقيةَ لم يدْهمْهَا الناسُ

ولم تعرِفْها استخباراتٌ

ليس تغطيها الكاميراتُ ولا تلحقُها الميديا

أي امرأةٍ لاهبةٍ منهن اصطادَ الآن وأمسكَها

حتى ذهلَ وتركَ الجسمَ المهملَ

ملقى فوق رصيفِ «الإسعافِ» 

وسافر مُنْتَصبًا فوق العَجُز العالي

وسّدَها ركنًا أقصى

كي تصنعَ بضعَ دقائقَ من لهبٍ

ينضجُ فيه الماءُ ثم يسيلُ وينهجُ

يتركُ بين يديِه المتوترةِ عضوًا مدهونًا بالشحم ينزُّ

بين صعودٍ أعلى البرجِ

ثم هبوطٍ حتى غابةَ سافانا في عانَتِه

مجالٌ مفتوحٌ دخلَ

 وتركَ الفوضى

ملكٌ يحكمُ في مملكةٍ

حتى المارةَ لم ينتبهوا

لو ذاقوا لأقامُوا وامتدوا بجوارِك

في وضعِ جنينٍ مقفولٍ

 ولأصبحَ هذا العالمُ فردوسًا مفتوحًا

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
شاعر مصري، والديوان صادر مؤخرًا عن دار المثقف ـ معرض القاهرة للكتاب 2023

مقالات من نفس القسم