هدى عبد القادر
أردت أن أكتب من فوق غيمة
لأرى الخلق بعيدين كما يجب .. بلا صوت
سأحكي عن لغة الأرصفة التي تنتظر كل الأقدام الواثقة والتائهة دون تفرقة
عن جارتي في عالم موازٍ تربي حلماً صغيراَ تطعمه دموعها مع أغنية الصباح،
في انتظار رسالة لن تحضر
والكلبة التائهة التي عادت فاقدة للذاكرة: لكنها عرفتني
سأتمادى لأصف شعور ابنتي التي لم تحضر في أول يوم دراسي، والولد الجميل الذي منحها وردة بيضاء فزرعتها في شعرها .. ولم تتوقف عن الابتسام حتى وهي نائمة في حجري
سأحكي عن البحر: الملوحة العذبة! والجموح الغادر .. عن الموجات الصغيرة التي تأكل قلاعي الرملية بحنان، لكن بإصرار
عن رائحة الخبز التي تربت القلب بعد عاصفة إحماء الفرن الطيني تلسع عيني بدموع جائعة
وزميلة الدراسة التي وضعت كيسين من قطن ليعلو صدرها فتكبر خمس سنوات دون حق!
أو الولد الأحمق الذي لم يفهم سبب غضبه كلما رأى جارته الصغيرة تسافر للمصيف كل عام
ربما لن أعرف أبداً آخر كلمات تبادلها القطار مع كل من قرروا القذف بأنفسهم تحت أقدامه القاسية
أو كيف فكر طائر كُسر جناحه واضطر للبقاء عندي ليلتين دون نوم
وجارنا الأرمل الذي اعتاد الذهاب كل أسبوع لزيارة قبر زوجته دون الاعتراف أنها رحلت!
لكنني قد أحكي شيئاً عن سطح منزلنا القديم وقد نهضت منه كل أسناني وأسنان إخوتي اللبنية كفراشات كثيرة تضحك .. ذات حلم
ويد أمي الموضوعة على جبهتي المحمومة تتحدث معها بلغة لم أفهمها إلا معها
عن رائحة الغسيل، ورائحة الدخان، ورائحة حضن عمي الراحل يمتزجان فيه برائحة محبته الطازجة دوماً
عن صوت جرس الفسحة، و”المرواح”، وجرس الهاتف أول مرة كأصوات بدايات لبهجة مسروقة
يمكنني أن أحكي عن حبي الأول الأمومي للكتكوت الضعيف الذي اقتنيته
وأول مرة تذوقت فيها جبن الروكفورد بمحاولات إخفاء مرارة العفونة بأناقة
انسحبت على الحياة
وتتابعت.