أفراس

موقع الكتابة الثقافي art 30
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

عمرو عاطف رمضان

إهداء: إلي جين فوندا، طبعاً..

انفلت الزِمام، وهرعنا نصعدُ في الطريق الوعر..

نمضي.. تسعةُ أفراسٍ عربيةٍ، أنا واخوتي، أمام أعيننا تزدان النجوم البعيدة، وفي دمِنا لا يهدأ هذا الحريق. ينبضُ خوفٌ في عروقنا كلَ لحظةٍ وأخرى كلسعةِ سوطٍ، فنحثُّ الخُطى..

يدغدغنا الدم الملتهبُ في عروقنا.. تسوقنا أقدامنا القوية السعيدة فيعلو الحريقُ اللذيذ في الدم، نتضاحك، نترافس، يناطح بعضنا بعضاً فتزداد اللذة. أخي “الوَرد” لا يجدُ الأمر ممتعاً، البريء الصغير يجدُ نفسهُ وحيداً، فينفردُ عند الظِل، أراهُ وراءنا عندما يبتعد الآخرون، أبدلُ النظر بينهما، ثم أًصيحُ فيهم بصوتٍ عالٍ. يرجعون في غضبٍ وسأم، ينظر “الأشهب” في عيني الصغير ويقول:

– عليكَ أن تجد مُتعتك في المُناطحة، وإلا فكيف عساكَ تصيرُ حِصاناً؟!

أشفقُ على أخي فقد أحسَّ فجأةً بضعفه! لكنه قام فلم يكن من بُد. والطريق الطويل يصعدُ كأنهُ نَفَسٌ طويل. أرى جسد اخوتي الكبارُ يمتلئ بالهواء، مع كل دفقةِ هواءِ في صدورهم تعلو الرغبة في اللعب، تزداد قوة مناطحتهم وقسوتها، وكلما زاد الألم عند أحدهم وراح يتأوه، يصيحُ آخر:

– ماذا عسانا نفعل، أنُناطحُ الحجر؟!

ويتسائل أخي “الأمهق” في حيرةٍ عن سرِ كل هذه القوة التي تحترق داخلنا وتجعلنا نرغبُ في المناطحة، يقولها ثم يضحك منتشياً، ويصهل، ويسرع راكضاً أمامنا جميعاً، يدعونا للعِراك معه، فنمضي مسرعين..

يصيبنا عطشٌ، ولكن أرواحنا تجلدنا فنمضي. تتغيرُ نظرتي تجاه إخوتي، لم أعد أرى رفقتهم بنفس الأُنسِ والسَعة، ولا أكاد أعني إلا بأخي الصغير الضعيف. أنظرُ إليه.. إنه يركض بجانبي، لكن جسده يكادُ يختفي. قال لي في صَهلةٍ عابرة:

– سأفتقدكُ يا أخي.

بدأنا نشعرُ بالجوع، قال أخي “الأشهب”:

– سأرى خلف هذا التل..

أكبرناه جميعاً بأعيننا وهو يصعد المنحنى الزلِق كطائر. ومكثِ غيرَ بعيدٍ فعادَ وهو يحمل في فمه سنابلَ عُشبٍ غليظ. في تلكِ الليلةِ أكلنا حتى انتفخت بطوننا، سهرنا، وقام اخوتي من فرط لذة الشبع يلعبون، ضرب أخي “الظليم” أخي “الأشقر” ضربة قوية، غرّتهُ قوتهُ بردِها، اغتاظ “الظليم” من شدة الضربة فانهال على “الأشقر” رفساً بقدميه الأماميتين حتى سقط، لم يمهله فقفز فوقه، يصهلُ في صوتٍ عالٍ، ويضربُ بقدميه في رأس أخيه، حتى انفجرُ الدم خارجاً منها! صرخ “الأشقر” في وهن، وأخذ جسده يهتز وأقدامه تضربُ في الهواء، ثم ماتَ في ثانية..

صاح أخي “الأشهب”:

– اللعنة على هذا التل!

يعلو الجنون والليل لا ينتهي. نمضي لا نحدثُ بعضنا بعضاً ولا نتحدثُ إلى “الظليم”، لم نرهُ عندما اختفى من بيننا، وعندما أفقنا وأخذنا نبحث عنه.. لم ألاحظ موت أخي الصغير الضعيف إلا حينَ صعدت رائحته كحلم مزعج..

لا نتوقف عن الحركة، وعندما نجوع لا نأكل، كأننا نعاقب أنفسنا على شيءٍ ما. الطريق الصاعد يزداد وعورة، والنجوم تكاد تسقط. عند المنعطفِ غادرنا أخواي “البحر” و”البشير”. و”البحر” هو أشبه إخوتي ب”الورد” الصغير. عندما مضى تدفق الدم أسرع واتسع صدري. وأخي “الأشهب” يقودُ الطريق. أتعلم منه ألا أنظر ورائي، ولكنني أتطلع حائراً فيما حولي. نمضي نتطلع إلى النجوم في آخر الطريق حتي نضجر، فنتابع خطانا ورؤوسنا إلى الأرض، يتوقف أخي “الأمهق” عن التعجب من سرِ قوةِ الخيل الجبارة. ووراءنا، في الخلف يمشي أخي “الصَموتُ” وئيداً، لا يراهُ ولا يشعرُ بوجودهِ أحدٌ غيري..

أتقدمهم جميعاً، أحثُّ خطاي، لا أنظر ورائي، أمضي بكل ما في جسدي من قوةٍ.. أركض بلا توقف.. أركض.. أركض..

 

 

مقالات من نفس القسم