د. مصطفى الضبع
نوادي الأدب، الهيئة العامة لقصور الثقافة
بما تملكه من إمكانيات (مواقع وموارد بشرية) تعد الهيئة العامة لقصور الثقافة المؤسسة الأكثر قدرة على العمل وسط الجماهير (هل توجد في مصر مؤسسة ثقافية تمتلك 495 موقعا غيرها ؟ ) أي هي أخطبوط، والأخطبوطية هنا تعني دلالتين متضادتين :
- تعني أنها الأقوى بما تملك من مقدرات الانتشار والعمل الجماهيري.
- وتعني أنها الأضعف في الأطراف، تلك التي من المفترض أن تكون هي اللاعب الأساسي في خدمة الثقافة في الأقاليم بمعنى استقطاب العناصر البشرية الناقدة وتنمية قدراتها ( من الأدباء والباحثين في الجامعات والمعاهد ) لتكون الأقاليم مصدرا أو مفرخة (كما يحب البعض أن يسميها) والضعف لا يكتفي بالأطراف وإنما يتمدد إلى العمق الملموس مما يعني الانكماش في اتجاه القلب.
عبر ثلاثة مراحل أساسية تشكلت الهيئة بوصفها كيانا ثقافيا ضخما ( قرار إنشائها باسم الجامعة الشعبية (1945)، ثم تغير اسمها إلي الثقافة الجماهيرية ( 1965) ثم إلى ” الهيئة العامة لقصور الثقافة ( 1989 )، ويقوم الكيان على إحدى عشرة إدارة مركزية (رئيس الهيئة – المالية والإدارية –الثقافية – الفنية – الدراسات والبحوث – التدريب وإعداد القادة الثقافيين – إقليم القاهرة الكبرى وشمال الصعيد – وسط وجنوب الصعيد – غرب ووسط الدلتا – شرق الدلتا – القناة وسيناء )، مما يعني تاريخا طويلا وخبرات غير محدودة وإمكانيات شديدة الخطورة حال استثمارها.
مما يعني كونها مجموعة من المؤسسات داخل مؤسسة واحدة بحجم وزارة، الهيئة تكتيكيا تفتقد المشروع الثقافي طويل المدى، تفتقد الخطة القادرة على استثمار المتاح ليس أدل على غياب الخطة أن نوادي الأدب الفاعلة في الأقاليم فاعلة بجهود أفراد، وسأحكم هنا تجربتي الشخصية، كثير من الأدباء والمثقفين عرفناهم في أقاليمهم قبل أن تستقطبهم القاهرة وماكنا لنعرف هؤلاء إلا لأنهم كانوا عوامل استقطاب وجذب في أقاليم تركوا فيها بصمتهم، والقائمة طويلة منها على سبيل المثال : سعد عبد الرحمن ( أسيوط) – محمد عبد المعطي (الفيوم ) – قاسم مسعد عليوة (بورسعيد) – محمد الراوي (السويس ) – فؤاد حجازي ( المنصورة ) – محمد الشهاوي (كفر الشيخ )- محمد العتر وسمير الفيل (دمياط) – رجب سعد السيد (الإسكندرية) – إسماعيل بكر (بني سويف ) – محمد عبد المطلب،و فاروق حسان (سوهاج ) وما أكثر الأسماء في كل محافظة من هذه المحافظات.
وحتى الآن هناك نوادي أدب مازالت قادرة على استثمار جانب من جوانب إمكانياتها (الفيوم – دمياط – على سبيل المثال ).
تقوم نوادي الأدب الفاعلة على عناصر عمل ثقافي جاد وفي مقدمتها :
- خطة دقيقة على المدى البعيد تضعها الثقافة العامة وتتابعها بصرامة.
- حسن اختيار القائمين على نوادي الأدب.
- استقطاب وتشغيل الأدباء في الأقاليم وبحسبة بسيطة لايقيم أدباء مصر في مدينة واحدة فهم موزعون في القرى والمدن، ماذا لو أننا كلفنا كل اديب للعمل في محيطه الجغرافي (ندوة شهرية في أقرب نادي أدب، وبعدها ندوة في أقرب مدرسة، وبعدها ندوة في أقرب مكتبة عامة، أو ندوة في أقرب جامعة، وهكذا ).
- المنطقي أن تقع على عاتق عشرات من نوادي الأدب على مستوى مصر مسؤولية تقديم ناقد واحد كل خمس سنوات (ليس مهمتها تقديم المبدعين فقط وإنما أيضا تقديم المبدع الموازي، الناقد )
وهي مسؤولية تتشارك كل قيادات الهيئة على مدار خمسة عشر عاما على الأقل تتشارك في تحملها من خلال إهدار الكثير من الإمكانيات وفي مقدمتها نوادي الأدب التي تعد الفرصة الضائعة في خدمة النقد بطريقة واعية حيث نوادي الأدب تشبه الساحات الشعبية التي اعتمد عليها كشافو مواهب كرة القدم في اكتشاف أعظم لاعبي الكرة في مصر والعالم، وهي واحدة من أهم طرائق اكتشاف المواهب، العين الفاحصة للاكتشاف التي لا تنتظر في موقعها وإنما تروح تتنقل بين ساحات الاكتشاف، غير أن نوادي الأدب عجزت عن أداء هذا الدور لأسباب عدة في مقدمتها :
- اللوائح المقيدة وخاصة المالية منها فالاعتمادات المالية لنوادي الأدب لا تتناسب والمطلوب منه.
- العامل البشري المتمثل في سيطرة أنصاف الموهوبين على كثير من نوادي الأدب.
- الجينات الوراثية لنظام الشللية وتشغيل النوادي بطريقة الشلة مما يوقع النادي في دائرة مفرغة لاعتماده على أسماء معينة تتكرر ولا هم لها سوى تحصيل مكافآت هزيلة لكنها ذات قيمة عند الباحثين عليها.
- غياب التخطيط والمتابعة من الإدارات المعنية في الهيئة لأنشطة النوادي في الأقاليم المختلفة.
وفق هذا المنظور مشكلة الهيئة العامة لقصور الثقافة أنها لم تحرص على تشكيل كوادر بشرية كافية قادرة على تصدر المشهد فمثل هذه الكوادر في تناقص مستمر مع توالي الأجيال، ومشكلتها الأكبر أنها لم تستثمر مواقعها الاستثمار الأمثل عبر استثمار القوى البشرية المنتشرة في مدن مصر وقراها إذ تناست تماما اسمها الأقدم والأكثر أصالة ” الثقافة الجماهيرية “، ترهلت الهيئة لأن كل رئيس مجلس إدارة يتولى يواجهه ميراث من المشكلات ( نتفهم ذلك ولكن مالا نفهمه أن معظمهم لا يتركون الموقع إلا بعد إضافة مواريث للميراث وهكذا تدور الهيئة بكل تاريخها وإمكانياتها في حلقة مفرغة ).
لقد ترهلت هيئة قصور الثقافة كما ترهلت الكثير من مؤسسات وزارة الثقافة لافتقادها مخططات التحديث واعتمادها على المسكنات، وإلا فإن السؤال الذي يطرح نفسه أين المشروع الثقافي المصري ؟ أين هو حتى لو كان على الورق ؟ وهل فكرت الوزارة أو تفكر أن يكون لمصر مشروعها الثقافي في الألفية الثالثة ؟
وللحديث بقية