د. مصطفى الضبع
عن المؤتمرات الأدبية أتحدث.
المؤتمر: اجتماع أهل الاختصاص في حضور المهتمين لدراسة قضية ما هي في الأذهان قبل المؤتمر ليست هي بعده، بمعنى أن القضية قبل الاجتماع لدراستها محض خيال أو محض وقائع غامضة فيكون الاجتماع علامة فاصلة بين ماقبله ومابعده، وهو ما يعني أن المؤتمر يطرح قضية جديدة في كل مرة وأن دراستها تفضي إلى استجلاء مساحة مظلمة، وهو ما يعني في النهاية أن زيادة المؤتمرات تعني اتساع مساحات الوعي بوصفها حصيلة منطقية للعمل المؤتمراتي، ولكن الصورة التي تبدو لامعة حد الإبهار تبهت كثيرا حد الانمحاء فور مطالعة الواقع من خلال عدد من الزوايا في مقدمتها النظر من زاوية أهل الاختصاص أو الجهات المنظمة للمؤتمرات الأدبية التي تصب بدورها في مساحة النقد وتكاد تنحصر في ثلاث جهات أساسية ( الجامعات – مؤسسات وزارة الثقافة – مؤسسات المجتمع المدني ) وتتباين فيما بينها فيما يخص فهم طبيعة المؤتمر ووظيفته وما يجب أن يستهدف منه:
- الجامعات: وتنقسم إلى مجموعتين: مجموعة أولى ترى المؤتمر مصدرا لتنمية مواردها المالية وهو ما يجعلها تراهن على كم المشاركين دون النظر إلى مستوى الأبحاث المقدمة وهي الغالبية العظمى من مؤتمرات الجامعة، ومجموعة ثانية عكس الأولى ولكنها قليلة حد الندرة، وفي جميع الأحوال تتسم مؤتمرات الجامعة بأنها منغلقة على نفسها تفتقد للجماهيرية لكونها تقوم على أبحاث تستهدف الترقية، أبحاث مقصودة لذاتها تضيق دائرة فاعليتها لسببين: أولهما كونها في الغالب موضوعات تقليدية يعتقد أصحابها أن البحث العلمي مجرد تجميع معلومات على طريقة النمل في تجميع غذائه، ثانيهما أن الجيد المبتكر منها يظل شأنه شأن الرسائل العلمية الجيدة حبيس أرفف المكتبات الجامعية ومن النادر أن تجد مؤتمرا جامعيا يحقق جماهيرية خارج مدرجات الجامعة لأنه لا يسعى إلى ذلك (سأعود إلى تجربتي مع المؤتمرات الجامعية لاحقا) ومن النادر أن تمد هذه المؤتمرات جسور التواصل مع المجتمع المحيط استقطابا للأدباء والجمهور أو ترويج منتجها خارج أسوار الجامعة ومن النادر أن تنشر أبحاثها على نطاق أوسع من نطاق الباحثين المشاركين (هناك تجارب لجامعات عربية تقيم مؤتمرات تتولى نشرها دور نشر تعمل بين الجماهير ولكننا لا نراها ولا نشغل انفسنا بمتابعتها ودراستها بوصفها تجربة يمكن تطبيقها لعموم الفائدة ).
- مؤسسات وزارة الثقافة، وتنحصر في مؤسستين لهما طابع الجماهيرية:
- الهيئة العامة لقصور الثقافة: نجحت الهيئة في الحفاظ على مؤتمرها السنوي طوال اكثر من ربع القرن (31 دورة ) ، ولكنها لم تطوره ولم تفكر في ذلك وعلى الرغم من المقترحات المقدمة للهيئة لتطوير المؤتمر (منها مشروع العاصمة الثقافية الذي أعددته مع الصديقين سيد الوكيل ومحمد أبو المجد وتقدمنا به لرئيس الهيئة منذ سنوات وكان من شانه تطوير أداء المؤتمر أولا وحل الكثير من مشكلاته ثانيا)، نقديا مؤتمر الهيئة في حاجة إلى استثمار إمكانياته وفي مقدمتها استقطاب الباحثين ونشر الأبحاث قبل المؤتمر وهو من أهم مميزاته تأكيدا على مبدأ أن ما يتبقى من أي مؤتمر هو كتاب الأبحاث، غير أن المؤتمر كما يرسخ لفكرة ظهور الباحثين الجدد فإنه يرسخ للضعف النقدي في افتقاده لمعايير علمية صارمة لمن يكرمهم المؤتمر من النقاد ولم يشاركون بوصفهم باحثين ليس معنى هذا أن يقتصر اختيار الباحثين على أساتذة الجامعة فكما أنه ليس كل مؤلف ناقدا فإنه ليس كل أستاذ جامعة ناقدا وليس كل من ناقش رواية أو ديوان شعر ناقدا، الناقد مشروع مؤسس على أسس علمية وله امتداده عبر نشاط مستمر في: التأليف – المتابعات النقدية عبر قنوات متعددة، الناقد صاحب مشروع نقدي بالأساس يتبلور بهدوء في خطوط متوازنة لها فاعليتها في سياق تجربته وحتى الآن ينقصنا فهم طبيعة الناقد وعمله وما يجب أن يكون عليه.
- المجلس الأعلى للثقافة: تتعدد مؤتمراته ولكنها تفتقد للفاعلية والتأثير يعلن المجلس عن مؤتمر فيهب القاصي والداني والجالس على كافيتريا المجلس والمقاهي المجاورة للاشتراك والمؤتمر لا يرفض طلبا لمشارك فيفقد المؤتمر جديته وقيمته العلمية مما يضع المجلس كله على قمة الإمكانيات المهدرة يكفي أن أطرح سؤالا تكتيكيا واحدا تحكمه لغة الأرقام: كم مؤتمرا عقده المجلس الأعلى للثقافة خلال عشر سنوات مثلا، وكم عدد الحاضرين، وكم عدد الأسماء المتكررة عربيا ومحليا، والسؤال الأخطر في النهاية كم مؤتمرا من هذه المؤتمرات نشرت أبحاثه؟، بالطبع المؤتمرات كثيرة ولكن يصعب حصرها لسبب بسيط أن موقع المجلس الأعلى للثقافة ( هذا إذا اعتبرناه موقعا يليق بمجلس أعلى للثقافة في مصر ) هذا الموقع لايقدم لك أية معلومة مفيدة عن نشاطه ومن ثم هو في عرف العمل الثقافي الحديث مؤسسة خاملة، مشكلة المجلس الأعلى للثقافة إنه مؤسسة بلاذاكرة !!!!!
- مؤسسات المجتمع المدني:وتنحصر في مؤسستين: اتحاد الكتاب: والجمعية المصرية للنقد الأدبي.
- اتحاد الكتاب مؤتمراته ذات طبيعة سرية بالأساس ينافس مؤتمرات المجلس الأعلى للثقافة في غياب الذاكرة، ويتفوق عليها في كونه شديد السرية لا يعرف أعضاء الاتحاد عنه شيئا إلا بعد انعقاده ومازال اتحاد الكتاب في هذا الجانب يحتاج إلى عملية إعادة نظر شاملة تمس تنظيمه للمؤتمرات واختياره للباحثين (وخاصة الذين يمثلون الاتحاد في المؤتمرات العربية فهذا حديث طويل مرير ).
- الجمعية المصرية للنقد الأدبي: يوم أن كان في مصر رجل بحجم الدكتور عز الدين إسماعيل يؤمن بدور النقد والناقد ودور العمل التطوعي نجح الرجل ومعه مجموعة من الرجال المؤمنين بالفكرة في تأسيس مؤتمر جعل له بصمته الخاصة وكان له دوره النقدي الواضح مصريا وعربيا حيث نجح فيما لم تنجح فيه المؤسسة، ومع تغير الزمن، ولأن النقاد لم يعودوا يؤمنون بفكرة العمل التطوعي تراجع دور الجمعية (أقول هذا ونحن على بعد ساعات من انعقاد الدورة السابعة للمؤتمر بإمكانيات في غاية المحدودية ) ولانتمائي للجمعية ولإشرافي على المؤتمر في دورتيه السابقة والراهنة أترك الحكم للآخرين.
وللحديث بقية.