تُقدّم سينما حمّاد حكايات غير مطروقة في قصص الناس العاديّة، زوايا صغيرة في طرف المَشاهد اليوميّة التي نَعيشها، اعتدناها ولم تَعد تُلفت انتباه أحد. في “الجنيه الخامس” الفيلم القصير من إنتاج 2006، كثّف الشاب الذي درس الإعلام ثم التحق بمعهد السينما ليتركه بعد رحيل هاني الحلواني أستاذه الذي طالما تعلّق به، لحظة نفسيّة حادّة عن الحب في زمن الكبت. أو ربما عن انتصاراتنا المزيّفة ومكاسبنا الخاطفة. ثم بعد ذلك اكتشف حمّاد أنه يَشق طريقه في السينما من شغفه القديم بالموسيقى. “المزيكا إيقاع ومود وحالة” يقول. والسينما تشترك في هذا.
ومن الإيقاع إلى الصورة؛ اقترنت حكايات محمّد حمّاد وأفكاره على الفور بمشهدٍ بصريّ يتخيّله قبل أن يَكتبه. في “سنترال” الفيلم الذي لاقى مشاكل رقابية ومُنع عرضه العام 2008، يُكثّف المَشهد أكثر حتى لتتسع “كابينة تليفون” عن رؤية دقيقة لزمن كامل مخنوق بـ”الازدواجية”. يُبدي حمّاد لدى الحديث معه غراما خاصة بالسينما الإيرانية، تحديدا أفلام المخرج عباس كيروستامي.
يُحبّ ذلك النوع من الأفلام الفلسفية. في “طعم الكرز” فيلم كيروستامي الأوّل، البطل الذي يوشك على الموت، الانتحار، لكنه رغم ذلك يكون في حالة اختيار. هي لحظة رفاهية مُرهفة يُفضّل صاحب “أخضر يابس” أن تكون عليها أبطاله. أسأله هل صُدفة أن تظهر بطلاته في أفلامه حتى الآن بالحجاب؟ يردّ بأنه يتعامل مع الحجاب كصورة في السينما باعتباره من المُسلّمات، اكتسب مع الوقت حُلّته كزيّ شعبيّ، أو مظهرٍ اجتماعيّ. هل تُغريه “المحجّبة” بتقديم أسئلة معينة عمّا حدث للطبقة المتوسطة في مصر؟ يُجيب بأنّ “الفيلم حياة، ابن بيئته”.
في “سنترال” تكلّم عن الازدواجيّة، منها التي تتخذ مظهرا دينيا، لا لشيء سوى أنها أصبحت من المُسلّمات المتفق عليها من الجميع. لم يَقصد حمّاد في أفلامه الدفاع عن موقفٍ دينيّ أو سياسيّ: “لا أكتب فيلما سياسيّا”. السياسة والدين في رأيه شكل وليست مضمون. البطل في “أخضر يابس” أُنثى كما هو الحال مع بقية أفلام محمّد حمّاد ومنها فيلمه البارز “أحمر باهت” إنتاج 2010 ونال عنه جوائز دولية وعربية عديدة. وإذا كانت الفتاة المراهقة في “أحمر باهت” تواجه أحلامها وأمنيّاتها البسيطة ضد المحظور والوصاية، فإن “إيمان” الشابة التي تخطو في العمر نحو السادسة والثلاثين في “أخضر يابس” تُواجه قهرا لا يأتي من الخارج فقط، قهرا أشد قسوة هو الذي ينبع من الداخل، من نفس الإنسان، من اعتياد القهر. يَخلق حمّاد مسافة باختيار بطلات نساء، حتى لا يضطّر إلى “استحلاب المشاعر”. يَكتب سينما عن حياته، عن إرادته، فكرة الصراع الداخلي من أجل الاستمرار. يَجلب شخوصه في “لحظتها العادية جدا”، يخشى أن يضعها في مواقف ميلودراميّة ليخلق تعاطفا مصطنعا وزائفا. بالنهاية هو يَطمح لكل ما هو أصدق وأكثر واقعيّة.
المقاومة أم التكيّف
ليست مقاومة بالمعنى الثوريّ الزاعق، لنقل إنها محاولات لـ”التكيّف” مثلما يرى صاحب “أخضر يابس”. يستطرد: “كانت هذه هي البداية، الانطلاق من حيث أنا، وبإمكانيّات ماديّة محدودة، كانت هذه الفكرة الرئيسية من أخضر يابس”. انتهى كلام حمّاد، وربما كان يَقصد أن فيلمه مثل بطلته يواجهان “اختبار الصلابة والأصالة”.
يُؤمن حمّاد بأن “السياسة في الهامش والقضايا الكُبرى وهم”. وأن “السياسة تُفسد الفن”.
لا يبتذل مقولة “أفكار خارج الصندوق” عندما يستخدمها ليفسّر كيف لا تعنيه السياسة في سير القصّة. هو يَقصِد الاعتناء بأفكار تلتصق بـ”بِنية” الفيلم، أو بنائه، أمّا التعليقات السياسية فهي “subtext” ضمنيّة. يَميل مثلا إلى الفيلم الذي لا يحكي الحكاية وفق تسلسُلها العادي النمطي. فطوال ساعة وربع الساعة هي مُدّة عَرض الفيلم، لا تَظهر أحداثٌ كبيرة “جعجاعة” تتصدّر الواجهة. وربما حتى ليست في الهامش. هي تحدث طبعا بصورة أو بأخرى، لكن “ليست في البؤرة ولا تخصّ أبطالي” يقول حمّاد.
يخلق لأبطاله ظرفا ما، تكون معه دواخلهم والحكايات التفصيليّة لحياتهم ومعيشتهم، أكبر وأهم وأكثر قسوةٍ وضغط ٍعليهم من الأحداث الخارجية الكُبرى. متحيّزا للشخصيّات التي، في حياتنا اليوميّة؛ قلّما نلتفت إليها ولا نُعيرها اهتمامنا. في حكايات الناس العاديين دراما كبيرة، وحمّاد يطمئنّ إلى الوصف الذي سيصف أفلامه بأنها تُقدّم “فنّا عن الناس”.
يَقترب “أخضر يابس” من حياة واحدة من الممثّلين للطبقة المتوسّطة في مصر، تلك الطبقة التي تدنو، في منحنى لأسفل، من مستويات أقل من المتوسّط. الطبقة التي “تُنهش” وتُنتهك بطريقة صارخة جدا. يتكلّم النص عن النمط السائد في تلك الطبقة، الذي يعيش على “حد الكفاف”. ولأن أغلب التضحيات تُقدّم من المنتمين إلى تلك الطبقة، تتكدّس حياةُ أفرادها بالمزيد من الخوف والرعب. يواجهون خطر “التآكل” بالفعل. يُراقب محمّد حمّاد كل هذا، يتذكّر ما أسّس له نجيب محفوظ مثلا في أعمال منها “خان الخليلي”.
الآن؛ يعجز أبناء الطبقة المتوسّطة عن التصرّف الحُرّ، واختارهم حمّاد في فيلمه ليظهروا وكأنّهم “محشورين في زاوية”: “أريد لكل هذا أن يشعر به مُشاهد الفيلم من دون أي معنى كبير، موقفي إنسانيّ بحت، لا أرى الأمر من وجهة نظر سياسيّة”. يجوز أن يكون لـ”إيمان” في “أخضر يابس” موقفٌ محافظ، أو شخصية متزمّتة دينيّا، لكن التعاطف معها لا ينبع من هذا أو ذاك، فقط البُعد الإنساني هو ما يَجمعنا بإيمان. تَظهر الشخصية قليلة الكلام، صامتة، لا تميل إلى الفضفضة، لكن بدا المُخرج وكأنه يدخل في نقاش معها، ويسأل نفسه: لماذا لا تُريد الكلام! إلى أن تحدث التجربة الصادمة فيتحوّل مجرى الشخصية. يرى حمّاد أن هذا بالضبط ما حدث على أرض الواقع، منذ اندلاع الثورة، لخمس سنوات حتى الآن، تموج بنا تحوّلات شديدة وضاربة في الجذور، غيّرنا معها آراءنا ومواقفنا ألف مرّة. وما كنّا معه بالأمس أصبحنا ضدّه اليوم. كل هذا لن يُسجّله التاريخ في نظر صاحب “أخضر يابس”. غبارٌ كثيف وضخم سيتلاشى في النهاية ولن يبقى سوى “الإنسان”.
الكاميرا كقلم
قرّر محمّد حمّاد أن يكون فيلمه الأوّل من إنتاجه الخاص. كتحدٍّ شخصيّ؛ فكّر أنه من حق صُنّاع الأفلام أن يُنتجوا أفلامهم وأفكارهم الخاصة بأنفسهم، متخفّفين من أية ضغوط أو ارتباط من أي نوع. انتظارُ فرصةٍ ما، كان يعني بالنسبة لحمّاد التنازل عن حلمه والخضوع لشروط السوق.
من البداية؛ تحمّس الشاب لأسلوبٍ أصبح مألوفا في تنفيذ الأفلام التسجيلية الروائية وهو التعامل مع الكاميرا كقلم. أن تتمكّن في أيّة لحظة من صُنع فيلمك، اعتمادا على التقنيات الحديثة، التي تُسهّل كثيرا المهمّة. لكن الأهمّ في هذا الأسلوب هو منحه تركيزا ووقتا أكبرا لسيناريو قابلٍ للتنفيذ. مكتوبٍ بدقة وحساسية شديدة. خطة سيناريو أو قصة فيلم تَحكي الحكاية التي تستطيع بالفعل إخراجها إلى النور. لا المكبّلة بشعارات. الابتعاد عن الحشو الزائد، ومَسَحات الخيال، الغنائية في الكتابة وغيرها. باختصار، أن تَكتب الواقع كما هو فعلا. يقول: “من المستحيل بعد قرار الإنتاج الذاتي أن أُفكّر في صناعة فيلمٍ أكبر من الإمكانات المتاحة”.
يَعتقد حمّاد اليوم أن المفاضلة بين الأفكار التي يَصلُح تقديمها في نوع الأفلام التي يُحبّها، ستكون على أساس مدى قابليّتها للتنفيذ. يتعامل محمّد حمّاد مع السيناريو والإخراج والإنتاج كـ”أعمال مُدمجة” لا تنفصل.
الإمكانيات الضئيلة تَخلق فيلما مختلفا
“عدم الإمكانية” أو “اللاإتاحة” هو إبداعٌ في حد ذاته. بمعنى أدقّ، كما يُعلّل حمّاد؛ الظروف القاسية هي مُحفّز فاعل للإبداع وإنتاج الأفضل، أو على الأقل المُختلف. يقول: “البحث عن حلول ومحاولة إيجاد مَخرج؛ يَخلق تجربة ذات نتائج مُفاجئة وناجحة جدا”. يَستشهد بتجربة المخرج الإيراني جعفر بناهي، الذي تحدّى حظر الإقامة الذي فُرض عليه، وخلقت ظروفه الصعبة دافعا قويا لصُنع فيلمه واسمه “هذا ليس فيلما”، من داخل جدران غُرفته ومعزولا عن كل الإمكانيّات. كان فيلم بناهي إنسانيا إلى حد بعيد، ودرسا لحمّاد عن معاندة الظروف والتصدّي للمعوّقات.
في نفس الوقت؛ يقول حمّاد إنه يَكره تصنيف “الأفلام المُستقلّة”. التصنيف مؤذٍ من وجهة نظره. الأمر بالأخير “اختيار”، لا يعني أكثر من أنك “تفعل ما تُريد في الوقت الذي تُريد”. هكذا ببساطة يَتحدّث صاحب “أخضر يابس” عمّا أسماه بـ”ديمقراطية الفن”. الأشياء التي تَخصّ الجهة المموّلة، أو المانحة وما إلى ذلك كلها مسائل هامشيّة بحسبه. العبرة بـ”ماذا تُريد؟ وكيف قدّمت ما تُريد؟”.
وبما أن “السينما المستقلّة اختيار”، يُضايق حمّاد استخدام هذا المصطلح كمدخل لإبداء الأعذار، التحجّج عن سوء الصُنع وعدم جودة المُنتج النهائي. يَهتم في مقابل ذلك، بالمُشاهد كطرفٍ قويّ، هام وحيويّ، في المعادلة. ويُعدّ سؤال الجمهور من وجهة نظره هو السؤال الأصعب، السؤال الذي يَخاف منه، أو ربما يتعالى عليه المخرج غالبا. لمن أُقدّم هذا الفيلم؟ يتوحّد حمّاد مع الإجابة على هذا السؤال إلى حد اعتبار نفسه بأنه “محامٍ لأبطاله”، أو أنه يكتب السيناريو “كما لو كان في محكمة”.
إذن لمن فيلم أخضر يابس؟ يُجيب حمّاد: “أصنع فيلما إنسانيا بحتا، فيلما يفهمه كل الناس. بسيطا، وقريبا”. البساطة لا تعني أنه فيلما سهلا، بل تعني إنتاجُ شيءٍ حقيقي ضاربٍ في الأعماق: “أتكلّم عن هموم حياتية يوميّة، ومشاكل عندي وعندك، أحاول أن أتواصل معك بشأنها، أدافع عن أبطالي أحيانا”، يستكمل حديثه: “مع “إيمان” الشخصية الرئيسية في الفيلم كنت اختبر كل الدفاعات الممكنة التي يمكن أن أدافع بها عنها، قبل أن أكتب كلمة على لسانها”.
“أخضر يابس” عن حياتي الشخصية
أمّا فكرة الفيلم تحديدا، فيحكي حمّاد أنها كانت عالقة في رأسه منذ زمن، ولم يشأ أن يقترب من تناولها، ربما لأنها تمسّ أجزاءً كثيرة من حياته الشخصية. وبالطبع ليس من السهل لمخرجٍ أن يبدأ خطواته في الصناعة بفيلمٍ عن حياته. يشرح: “سيكون وقتها تحت وطأة الاعتراف الشخصي عن نفسه وحياته، خاصة أن الفترة التي سبقت الاشتغال على الفيلم وأثناءه، كانت فترة مُحبطة للغاية”.
منذ أربع سنوات، حضّر محمّد حمّاد لفيلمه وبدأ الاشتغال عليه وتنفيذه، طيلة هذه الفترة اعترته نوبات فتور إلى الدرجة التي فكّر معها في تغيير المجال وترْك حُلم السينما. فترةٌ من اليأس والإحباط، يقول عنها حمّاد إنها كانت نابعة من عدم وضوح الأفُق الذي سيسمح بـ”تقديم ما أريده أنا فقط”. لقد كانت العروض والفُرص أمام حمّاد مُتاحة، لكنها كانت ستُرغمه على الدخول في مشاريع ليست له، وأفكارٍ سينفّذها بطريقة غير طريقته: “كنت أريد أن أفعل ما يدور ببالي، كنت أريد صُنع ما أريده، ما يُحرّكني، الفيلم الذي أستطيع أن أقول عنه بضميرٍ مرتاح، هذا هو نوعي”.
وبالطبع لم يكن هذا متاحا ومقبولا طوال الوقت، ولم يكن أبدا بالأمر السهل الهيّن. كان على حمّاد أن يتخذ القرار الجريء بأن ينفّذ حلمه بنفسه. بمساندة مجموعة صغيرة مقرّبة من الأصدقاء ومع شريكيه المنتجة خلود سعد و مدير التصوير محمد الشرقاوي، تأكّد له أن السبيل لتحقيق الحلم قَصُر وأن الأمل اقترب.
أخذ وقته الكافي في الكتابة والإعداد للفيلم، “كتابة هذا الفيلم بالتحديد كانت بمثابة رسم خريطة لطريقة تنفيذه” يقول حمّاد. يُكرّر: “كأني أكتب “خطة إخراج” في الوقت ذاته”. طوال سنة ونصف تقريبا جرى تصوير الفيلم، لتسعة أشهر ظلّ مشغولا باختيار المُمثلين “الكاستينج” وبروفات التمثيل. الممثلون في “أخضر يابس” جميعهم يظهرون للمرة الأولى على الشاشة. وهذا اختيارٌ أيضا، واختيار صعب مثلما يصف حمّاد: “كنت حريصا على إخراج تجربة ككلّ محتفظة بطزاجتها”.
احتاجَ اختيارُ ممثلين لأوّل مرة، بروفات كثيرة وطويلة جدا، وتدريبات إعداد وتمرين الممثل، وكان شرط حمّاد في الاختيار، شخصيات لا يَظهر بسهولة أنها “تمثّل”، أن يكون التمثيل طبيعيّا. في البروفات لا يَطلب المخرج محمّد حمّاد من الممثل الوقوف وإلقاء مشهد. يُفضّل الحديث المُرسل مع كل ممثّل على حدة، ثم تأتي “بروفة الورق” هذه كمرحلة متأخرة تماما. لم يَرضَ طموح حمّاد بالكاستينج الأوّل، وبدأ يختار بنفسه. وهو يسير في الشارع، من بين الوجوه التي تقع عليها عيناه، يقترح على منتجة الفيلم “هذه تشبه إيمان ما رأيك!”. بالنهاية؛ ظهر في الفيلم مُمثّلين من أصدقاء حمّاد، البعض من عائلته. المغامرة تستحق. كانت عينا حمّاد تلتقطان من بين ما يراه ما يوفّر له ثلاثة: التلقائية، الطزاجة، والمصداقية.
ثيمة الزمن
الزمن، يجعلُ الأشياء تتآكل وتتيبّس. من هنا يُمكن فهم عُنوان الفيلم. يؤكّد حمّاد أنه يكتب سينما عن الوقت. الوقت مُخيف، على الصعيد الشخصيّ أيضا: “نحن محدودون في الزمان والمكان، ولا نملك حيال سيطرة الوقت وسطوته سوى محايلات وبعض المحاولات البائسة”. شخصية بسيطة مثل “إيمان” البطلة، فعل بها الزمن ما فعل، الزمن هو النقطة المحوريّة في هذا الفيلم، وفي أعمال حمّاد التي شارك فيها من قبل. مشغولٌ هو برصد التغيّرات بفِعل الزمن، وبفِعل الحراك مع الزمن. أو ربما مُجرّد التعرّف على الزمن واكتشافه. يقول وهو يُراجع الفكرة: “لا يمتلك المرء في أفلام من هذا النوع، إجابات قاطعة، أو حتى رؤية شاملة كاملة، الأفلام فقط شاهدة على ما فعلنا، تبقى ونموت نحن، لذلك أتصوّر يكون الحرص على صُنع أفلامٍ تُعبّر عنّا وتُقدّمنا وتكون الواجهة الأصدق”.
من هنا؛ فهذا الفيلم عن التكيّف وليس المقاومة. وهو السؤال الذي لازم مسيرة حمّاد في الفن السابع: “أحاول كسر أشياء اعتدناها، هذا ما يمثّلني حقا في هذا الفيلم، وما يمثّلني أكثر أني لا أقول هذا بصورة مُباشرة”. هذا الفيلم عن الانكسار كما يصف محمّد حمّاد. عن الإحباط. وإلى أيّ مدى “يَأكلنا” هذا الإحساس؟ هل من الممكن أن نجد مخرجا أو خلاصا؟ هل يمكن التغلّب على الشعور بالانكسار؟ وماذا سيُكلّفنا؟
بطلة “أخضر يابس” تُعاني ممّا هو أخطر من القهر، إنه “اعتياد القهر”. كتب حمّاد قصة فيلمه الأوّل ليطرح سؤاله الشاغل: إلى أي درجة أنا متكيّف ومتأقلم مع العالم والوسط والإمكانيّات من حولي؟ يُغالب حمّاد الحماسة وهو يُضيف: “هذا الفيلم أيضا، عن الطاقة، عن فكرة العطاء. وأين العطاء الزائف وما هو العطاء الحقيقي. أحيانا نقهر أنفسنا بأنفسنا، تماما مثلما نقهر بعضَنا”.