تقف فتاة صغيرة لم تتجاوز العشرين بعد ، تراقب حركة بها حرية وثقة من مجموعة الشبان والبنات الذين سيقفوا حالا على منصة الشعراء ، ، يظهر من بينهم شابا طويلا ابيض الملامح وهادىء ومبتسم ، وتقف صالة المعرض الكبير داخل مركز الهناجر بالأوبرا الفتاة الصغيرة تتأمله ، تقرأ فى عينيه مستقبلا لا يتخيله ، عرفت عندما قرأ قصائده التى لمست قلبها وروحها وعقلها أن هذه الكتابة لن تظل حبيسة الوطن المقهور ، بل ستحلق عبر سماء أخرى تماما ، رأت كلماته تشد حزام أمان وتعبر سحابات السواد المغبرة فى مدينته ليخرج منها على سحابات بياضها ثلجى حقيقى لم يلوث بعادم السيارات وحرق قش الأرز ، لم تقترب وقتها منه لتهمس فى أذنه ، عزيزى الشاعر الجميل أنت لن تظل هنا كثيرا ، فبالله عليك أترك لنا ورقات بعدد السنوات التى ستهجرنا حتى لا ينسى هذا المكان أنك مررت من هنا ، لان هذا المكان يستحق وجود كلماتك فيه ، لم تخبره انه سيكون مواطنا جديدا فى بلد اخرى لم تعرفها جيدا عندما رأتها وهى تغمض عينيها لثوانى وهى تستمع لكلماته بنشوى ، وفى هذه الغفوة العابرة على صوت كلماته وشعره ، رأت حياة كاملة سوف يقيمها فى مكان بعيد ، حزنت قليلا لأنه سيهجر البلد ، وفرحت أكثر لأنه سيجنى ثمارا طيبة ويعيش حياة مفرحة رغم بعض الآلم يمانى ، هو ذلك الشاعر الذى قرر بهدوء تغير شكل الحكى القديم ، يتحمس الشاب الوسيم لأفكار بعيدة كل البعد عن افكارشباب الثمانينات الغريبة فلا يهتم لعمرو دياب ولا لأميتابتشان ولا للقصائد الحنجورية تلك التى لم يكن هناك مكان لها إلا فى زمن باهت مثلج ، كان يتحمس لأن يملأ عقله بكل ما هو جديد فى الكتب ، دودة قراءة تسير حاملة فى يدها دولاب أكبر منها تعبئه بالكتب بكل أنواعها ، لم يأسره كاتب بعينه أوشاعر ، بل كانت له طريقته الخاصة والجديدة فى الكتابة والتى جاء كثيرين من بعد اختفائه مقلدين لها تقليدا ابلها عجيبا وهوبعيد لا يهتم ابدا لمن يأخذ منه أو يلقى على كلماته بطين لزج ، فقط يعمل ويكتب كلما استطاع ان يمسك القلم ، لأن له طابع مزاجى لا ينفع معه أن يعمل موظفا بالأدب ولكن يأكل عيشه بأى وسيلة أخرى سوى أن يبيع كتابته الشعرية .. كرامته أول واخر ما لديه لذلك هو حريص الا يتسول النشر سواء لديوان او قصيدة فى اى مكان الا اذا كان يستحق منه عناء الطلب ..شاعر طويل وسيم أبيض البشرة ، مميز تماما ورائد فى تجربته الشعرية الحديثة وهو ممن يكتبون همومهم الذاتية بوجع وتقنية شعرية تخصه تماما ، هو مترجم ، له اكثر من ثلاث داواوين شعرية هامة ،لم تنقطع صلته بأصدقائه منذ هجر مصر حتى الان ، حنونا طيبا ودودوا ولكن من بعيد لاتستطيع اختراقه بسهولة ابدا ، له جدار يجيد الحفاظ على متانته لانه لا يحب الغرباءبسهولة ولكن ان احبك فهو لك .
المكان : مكتب فى جريدة
الزمان : صيف 2007 نقريبا
الحدث : البحث عن الشاعر أحمد يمانى على الفيسبوك
كبرت الفتاة الصغيرة التى راقبت الكثير من الكتاب الذين كبروا منهم من أصبح نجما ومنهم من اخذه النسيان ، ولكنها لم تنسى من حفروا فى روحها علامات على طريق الابداع والكتابة وكانوا بمثابة قدوة روحية طيبة وحقيقية ، تذكرت السيدة الحزينة كلمات تواسى وجع ما ألم بها ، فتبحث عن كلمات تذكرها لشاعر سمعته وتابعته منذ سنوات ما بين مركز الهناجر للفنون وأمسيات معرض الكتاب ، فتبحث فى الفيسبوك عن أسمه فتجده ، وما أن تجده ترسل له رسالة مغذاها ، أنا فلانة ، أحب كتابتك منذ زمن ، هل هذا حسابك الحقيقى ، فيجيبنى بكل احترام وود ، ويؤكد على أنه هو وأنه سعيد برسالتى ، ومنذ ذلك الوقت ، أصبح صديقا حقيقيا بعدما كان صديقا روحيا بأشعاره ، أصبح صديقا واقعيا بشخصه وأشعاره ، وطيبته الآسرة ، فعادت الفتاة التى أصبحت أمرأة مهمومة بالإنسانيات فقط ، ترى للشاعر المهاجر نبؤات جديدة مثلا أنه :
* سينزل اجازة قصيرة هذا العام وسيواكب نزوله حدث أدبى هام
* سيكرم عن قريب فى احد المهرجانات الشعرية
* يبدو بعيدا لكنه ليس بعيدا وسينجز عملا ادبيا غير الشعر ربما رواية تتحدث عن مصربشكل متحيز وستكون مفاجأة بكل المقاييس لكل اصدقائه
* ينتظر حادثا سعيدا “يارب”
* سيسافر وهو مسافر بالفعل لبلد غير مصر
* مشاكله لا تنتهى ورغم ذلك لاتشعر وانت تجالسه انه يعانى اصلا لانه اعتادها وكأنها روتين يومى ، فهو غير شكاء بطبعه
* يحاول ان يقدم عملا هاما لصديق مات منذ فترة طويلة ، المشروع كان فى عقله ولم يمت لكنه فتر قليلا وسيعاود النشاط مرة اخرى .