لا أتذكر بالتحديد المرة الأولى متى، في عام 1974 في ندوة لسيد حجاب أو بعدها مباشرة، وبعدها توالت اللقاءات، عادة في وسط مجموعة من الشعراء والكتاب وقليلاً ما التقينا وحدنا ولكن كان من الواضح دائماً أن الشيء الوحيد المشترك بين هذه المجموعة من البشر هو شخصية أحمد طه الذي لا تعرف أبداً من وجهه الطفولي استعداده للعراك والجدال ثم الهدوء والصفاء كأن شيئا لم يحدث. ولا يمكن أن تتنبأ من وجهه المتصالح مع الحياة حجم التجارب الصعبة التي مر بها، ولم تترك داخله أية تشوهات ولا تصدق أبداً أنه أمضى سنوات طويلة في الجيش ما بعد النكسة حتى حرب أكتوبر.
كنت ولا أزال أعتب عليه عدم العكوف على الشعر وقله انتاجه، ولكني رغم عدم تخصصي بالشعر كنت أعجب بقصائده ولا أجده تلميذاً مقلداً لأحد، متمرداً على الجميع، حتى على نفسه فكم من قصيدة كتبها ولم يبال بنشرها.
لا أعرف هل ستغضب زوجتي الحبيبة أم لا، ولكن الحقيقة أن ما جذبني فيها أولاً، أنها تشترك مع أحمد في كثير من السمات وأهمها أن يكون الإنسان نفسه دائماً، وألا يقدم أية تنازلات لإرضاء الأخرين، وأتذكر أن الوحيد الذي لم يمارس علينا أيه وصاية في فترة الخطوبة وما قبل الزفاف كان أحمد. أتذكر بعد عقد القرآن عدنا ذات مرة بعد منتصف الليل فهاجت الدنيا وماجت، وبعد صدام صممت أن تترك البيت ونستقل بحياتنا مباشرة وبعد أن نظرت إلى أحمد الذي كانت تعتبره الأب والأخ فهمت منها أنه في صفنا غادرنا لنتشارك مع يحيى الطاهر عبد الله في شقة مفروشة كان يسكنها مع مديحة تليمة بعد زواجهما، وفي اليوم التالي جاء إلينا أحمد يزورنا ويطمئن علينا .
من النوادر الطريفة أنه عندما قبض عليه أعتقد في 1981 و1982 وكنا نسكن في شقتين متقابلتين، كان حريصاً طوال التفتيش على التظاهر بأنه لا يعرف أحداً من الجيران، وعند نزولهم نظر إليه الضابط متسائلاً أن تدق على شقتهم لتخبر أختك، وعندما تولت سيزا قاسم وفريال غزول إعداد زيارة محترمة لإرسالها له ولرفاقه في السجن، والحمد لله أننا أضفنا إليها الكثير من علب السجائر ظل يضحك لأن المرة الأولى التي يأكلون فيها تفاحاً أمريكياً أصلياً كانت في السجن!!
………………………..
*أستاذ بجامعة جورجتاون بقطر