أحلم وأنا بجوارك: الحياة سلسلة من الحلم والواقع

أحلم وأنا بجوارك
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

عاطف محمد عبد المجيد

“لا أحد يستطيع أن يعرف ما تشعر به امرأة قاربت على الأربعين من عمرها دون أن يمسسها رجل، دون أن تتذكر صوتًا أو رائحة أو لمسة يد من حبيب، فاختارت الروايات سكنًا لأحلامها، إيمانًا بأن الله سيعاقب أولئك الذين لم يجربوا الحب ولو مرة واحدة في حياتهم!”.

هذا ما جاء على لسان راوية رواية  أحلم وأنا بجوارك” للكاتبة المصرية زينب عفيفي، والتي صدرت عن الدار المصرية اللبنانية بالقاهرة.تعيش الراوية / بطلة الرواية مع أمها في بيت عتيق في المعادي، وورثت الحب عن أمها، فيما ورثت عن أبيها بشرته القمحاوية ولون عينيه العسليتين، وعناده وغضبه وطيبته، كما ورثت عنه مكتبة صغيرة، كان هو قد ورثها عن أبيه.هذه المكتبة أضافت إليها الأم رفًّا من الروايات وكتب الفلسفة وعلم النفس، لكن البطلة هي التي جعلت المكتبة تكبر يومًا بعد يوم إلى أن صارت لديها تلال من الكتب تطوّق حياتها، وراقت لها الإقامة بينها.في صغرها عشقت البطلة أبطال الروايات والحكايات ووجدت فيهم صورًا وقصصًا تمنت أن تعيش حكاياتها.نحن هنا أمام فتاة كان زملاؤها في المدرسة يسخرون منها بسبب أحلامها غير الواقعية، وحين كبرتْ صارت الروايات حياة موازية لحياتها، وعاشت مع بعض الروايات حالات الحب وعذاباته، الحب الذي يجيء دون أن نسعى إليه، ويجعلنا نشعر أننا أحياء.كانت الأم تقول لها بأن قصة حب واحدة حقيقية خير من عشر في رواية، فيما لم تستطع هي أن تقول لأمها إن الروايات بإمكانها أن تشفينا من أوجاعنا، وتساعدنا على فهم حياتنا، وبعضها قادر على تنويرنا، ومنحنا حياة أرحب من واقع يضيق بأحلامنا ويحرمنا من أبسط حقوقنا في حياة هادئة بعيدة عن عيون الفضوليين والتدخل في شئوننا الصغيرة التي لا تهم أحدًا غيرنا.                     

قُبلة الحياة

هنا تريد الرواية أن تقول لنا إن الواقع فيه ما هو أقوى وأغرب وأجمل من الخيال، وإن الزواج الذي لا يأتي عن حب من الأفضل ألا يأتي أبدًا.هنا أيضًا نجد أنفسنا أمام فتاة تنتظر كل ليلة أميرها المنتظَر الذي يمتطي حصانه الأبيض ليمنحها قبلة الحياة كي تصير أميرته التي يحلم بها.كما تدعونا الرواية إلى عدم اليأس والإصرار على الوصول إلى ما نريد رغم ما يقابلنا من عقبات وعوائق.أيضًا تنقل لنا الرواية هنا صورة للرجل الذي يقوم بدور ” سي السيد ” على زوجته وأبنائه مُصدّرا لهم عبوسه الدائم، فيما يراه الآخرون خارج البيت رجلًا لطيفًا رقيقًا تقع النساء والفتيات في غرامه من نظرة أولى.ليس هذا وحسب، بل عانت هذه الفتاة مع أبيها الذي كان يرى الكتب لا تجلب غير التعاسة، ورغم ذلك حين بلغها خبر وفاته حزنت عليه حزنًا شديدًا، حتى أنها تمنت أنه ليته ما مات وظل كما هو دون تغيير.

زينب عفيفي في روايتها هذه تريد أن تقول لنا إن القراءة قادرة على أن تشفي من الأحزان، ويمكننا أن نتكيء عليها كمنقذ من عتمة الوحدة، كما تقول إن اليتم يصب في الأعماق مرارة قاتمة لا تزول، وانكسارًا في الروح، وإحساسًا حادًّا بفقد الحماية. هنا يمكنني أن أقول إن القراءة تقتسم دور البطولة مع الراوية، القراءة التي تقوم بدور الملاذ والعزاء والسلوى والحافز على الاختيار، حتى أن حياة البطلة صارت موزعة بين عالم أمها وتلبية احتياجاتها، وعالم الكتب وما تعيش فيه من حكايات. في ” أحلم وأنا بجوارك ” تنقل لنا زينب عفيفي مشاعر امرأة وما تحملته من صبر على معاملة رجل لم يُشْعرها يومًا بعاطفته التي كان يوزعها كبائع اللبن على الحيّ كله، دون أن تتذوق هي رشفة واحدة، راسمة لنا صورة رجل كان يرى العالم ولا يرى ما في بيته هو.كما تجعلنا ندرك أن ما نعيشه في الواقع من مآسٍ، قد يكون أحيانًا أكثر وجعًا مما يُكتب في الروايات. 

السمع غير الرؤية

لقد نجحت هنا الكاتبة في تصوير حالة البطلة ناقلة لنا أحاسيس ومشاعر أنثى تنتظر عريسها مرتديةً كل ليلة أجمل الثياب، ومتعطرة بعطر أمها..عريسها الذي إن زارها في الأحلام سيجدها عروسًا بكرًا لم يمسسها أحد..تنتظر أول لمسة من يده، وأول قُبلة من شفتيه.هذه الأنثى ترى العالم خارج حجرتها مشوشًا ومسكونًا بالمخاوف، ممتلئًا بالذين تعجز عن التعامل معهم، كارهة نظرات شفقتهم على فقدان أمها لبصرها، ووجودهما كامرأتين وحيدتين دون رجل.هنا أيضًا تنتقد الكاتبة، على لسان راويتها، المجتمع الذي يُكبّل المرأة بقيود لا تملك الفرار منها، إلا بابتسامة باهتة، أو هزة رأس في وجه فضوليّ.

عفيفي التي تكتب روايتها هذه بلغة رومانسية  مؤثرة نجحت أيضًا في رسم شخوص روايتها، وكأنها شخصيات حقيقية من لحم ودم، تتحرك أمام القاريء، كما وُفّقت في الغوص في عالم شخصياتها الإنساني، إذ تُعبّر عنها من أعماق الداخل، كما ترسمها من الخارج: ” لا يوجد أقسى من أن تريدي بشدة رؤية ملامح حبيب ولا تستطيعين فعل ذلك…الصوت ينقل الإحساس بلا صورة، يترك للخيال هذه المهمة، السمع غير الرؤية…”. 

هنا نرى أن الحب هو ما نعانيه دائمًا، حتى حينما نعتقد أننا لا نعاني شيئًا، كما نجد أنفسنا أمام شخصية لم يُشْعرها افتقادها للبصر بالعجز، بل أعطاها العمى فرصة للتأمل، إنها ترى أن الفقد يعلّم القيمة، قيمة الحياة وعدم التفريط في أية لحظة حلوة أو مؤلمة تمر في الحياة.

حالة تشظٍ

على هامش روايتها هذه تناقش عفيفي عدة قضايا أخرى منها قضية السرقات الأدبية، وموقف الكتاب الورقي بعد ظهور الكتاب الإلكتروني، مثلما تريد أن تقول إن الحياة ليست روايات وخيالات، بل هي أن نكسر القيود ونتحرر من داخل السجن الذي نصنعه بأنفسنا ونحن نتصور أننا أحرار.كذلك تطرح عفيفي أسئلة منها هل يمكن الاكتفاء بالحلم دون الواقع؟ ومَن ذلك الذي يستطيع أن يصنع قوانينه الخاصة في عالم يضج بالضوضاء؟

هنا صورت لنا الرواية حالة أنثى تعيش حالة التشظي، إذ تحب رجلًا بقلبها وروحها، وتمارس الجنس بجسدها مع رجل آخر. البطلة هنا يصل الحال بها إلى أنها لا تريد أن تعيش تجاربها من خلال تجارب الآخرين من واقع مؤلفاتهم، أو من صنع خيالهم، فما تعيشه هي أصعب من تلك القصص التي امتلأ بها خيالها على مدى عمرها ونهاية، يبدو ضروريًّا ومهمًّا أن يدرك الكاتب، بدايةً، أن الاختلاف عن كتابات الآخرين هو سُنّة الإبداع، وأن أول مسمار يدّقه بيده في نعشه، هو محاولته تقليد الآخرين، خاصة وأن التقليد ما هو إلا عزف خافت داخل جوقة، لا يستطيع أن يتبيّن بصْمته أحد.

مقالات من نفس القسم