محمد بشير
خطط تائهة، أحلام مؤجلة، حين ركبت السفينة معه، لم يرس على بر، حين وجد اليابسة ، أخبرنا أن عدوا يلاحقنا، بلا أوجه، بلا أعين، يصيب الجميع بلا رحمة.
لا يميز بين أحد، سيقتل الجميع بلا هوادة
على البر الآخر، عدو بعينين، سيقتل الجميع أيضا .
بين موت وموت هارب أنا..
لم يا رب خلقتنا بكل هذا الخوف ؟
عام على القتل و ألف عام في خوف من تكراره..
مللت الخوف الذي يلطخ ملاءة سريري، ويسكب الدماء على وسادتي كل ليلة ..
بأعين أو بغير أعين
القتل يتربص الجميع.
لذا خلعت قميصي و قررت الخوض في الجزيرة عاريا، ربما يقابلني موتا أكثر خفة من الملل.
عاينتُ صباحات من عينيها، كانت تخرج كشمس تحمل كوبا من القهوة، وتغزل أحلاما
لليوم التالي، للأسبوع القادم، لربيع لن يأتي أبدا.
حبيبتي كانت تقتاط الأحلام ، القهوة والسجائر الخفيفة، حتى هل علينا الطبيب بعباءته البيضاء، وأخبرها أن كل سجارة تحمل في أعقابها كابوس، وهي كانت تهدج النوم حتى لا ينفض عنها..
فتركت السجائر
وألقت أكياس القهوة بفمي
وأغلقت الباب على الأحللام
ف الزنازين، فردية كانت أو جماعية، لا تمارس الحلم.
دعني أحكيها، حين كنت بعامي التاسع عشر، قبض علي رجال الشرطة بالخطأ، ربما لأن الشارع كان خطرا للغاية على أمثالي، الحالمون الضعفاء.
نازعت الأيام ، لم أترك جسدي للوقت يحمله ويحط به أين يشاء، فصرت أقرأ الكتب، وأذاكر دروسي، وأخطط للإمتحانات ، وكأني حين أنهي العام لن يضيع شئ
ثم كانت المفاجأة .. القراءة صارت أصعب، صارت الصفحات بنهاية الكتاب تبدو بعيدة للغاية، والصفحات الأولى تسيل من بين يديك على الأرض.
كنت أدرس الجيولوجيا والكيمياء، كان الأمر مستحيلا..
ثلاثة أشهر سال كل شئ ببطء من رأسي، حتى خرجتُ ناسيا أسماء أصدقائي، أعلم تماما أني أعرفهم ولكن أسماءهم تائهة، كأن ما بيننا كان بعالمٍ آخر.
أظن رأسي كان يقاوم.. إلى أن صار يحلم بالزنزانة والحوائط ونباطشي العنبر وشاويش الدور.
لم يكن هنالك ما هو خارج الغرفة
حتى رأيت الأشجار أول مرة، ظننت الأخضر لونا جديدا.
ابتلعني الرمادي ..
تماما كالحظر، لا يوجد عدوى أسوء من الملل ..
ولا يوجد موت أقسى من الحبس.