“أبيض شفَّاف”، عنوان الديوان الثالث عشر للشاعر المصري “سمير درويش”، الذي صدر حديثًا عن دار “مجاز” للنشر، يحتوي على 49 قصيدة، تدور كلها في فضاء واحد لتشكل موضوعًا بتجلياته المتعددة، ورغم أنه وضع عنوانًا لكل منها، فلم يثبتها في فهرست كي يؤكد تلاحمها، وأن العناوين ليست سوى محطات لبدايات ونهايات الكتابة. هذا المنحى الذي يميز تجربة سمير درويش الشعرية عن تجارب أقرانه، منذ ديوانه الأول “قطوفها وسيوفي” الذي صدر عام 1991 حتى الآن.
محور الديوان هو تيمة “الوحدة”، أو “غربة الذات”، حيث يصير الشاعر وحيدًا ومنعزلاً ومكتئبًا، رغم أن الناس يحيطون به، وقد تزداد شدة وحدته كلما كثر المحيطون واقتربوا، فينكفئ على ذاته يفتش فيها ليستخرج أحاسيسها، ويصور هواجسها وأحلامها وأحزانها بصدق يصل حد الفضح، ومن هنا يجيء عنوان الديوان “أبيض شفاف” ليدل على أن ذات الشاعر أضحت بائنة واضحة جلية، مع ملاحظة أن العنوان ليكون دالاً وشاملاً التجربة كلها تم اختياره بشكل منفصل من خارج عناوين القصائد.
ومثل تجاربه السابقة كذلك يعتمد سمير درويش في هذا الديوان على المقاطع الصغيرة الفلاشية النافذة كطلقة، يضع كل أربعٍ في قصيدة واحدة بحيث يضيء بعضها بعضًا، وتترك جسد النص خاليًا من الزوائد، فقد تخفف من النعوت والبلاغة القديمة والاستطرادات التي لا تخدم المعنى، وقدم شعرًا صافيًا، يأخذ جمالياته من صدق المشهد الذي يرسمه، ومن خلوه من المحسنات، كما جنح في بعضها إلى السرد الصافي مقتربًا من القصة القصيرة ومستفيدًا من جمالياتها.
يذكر أن تيمة الوحدة، أو غربة الذات، موجودة في شعر سمير درويش منذ بداياته الأولى، فقد شكلت ملمحًا مهمًّا في “قطوفها وسيوفي”، وفي “يوميات قائد الأوركسترا”، فضلاً عن الديوانين الذين كتبهما بالكامل في غربته خارج مصر في التسعينيات: “الزجاج” و”النوارس والكهرباء والدم”.