أبناء قابيل.. الإبداع قبس من روح الله

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 43
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

صفاء النجار

فى مسرحية «أبناء قابيل» يتجسد معنى الصراع بين شخوص متعددة من أبناء آدم قدمها فريق التمثيل بمهارة وحرفية جعلت من العرض حالة فنية منسجمة

بدعوة من صديقتى العزيزة الكاتبة صفاء عبدالمنعم توجهتُ بصحبة ابنتى مريم، الثلاثاء الماضى، إلى مسرح المدينة الجامعية بالقاهرة لمشاهدة العرض المسرحى «أبناء قابيل»، الذى قدمه فريق مسرح كلية العلاج الطبيعى، فى إطار فعاليات مهرجان جامعة القاهرة، العروض المسرحية الكبرى.

ذهبت لمنطقة الجامعة أحمل روح الطالبة التى تخرجت فى الجامعة منذ اثنين وعشرين عامًا، لكن صلتى بها لم تنقطع عبر استكمال دراساتى العليا فى الماجستير والدكتوراه.. شاء القدر أن يكون مستقرى وسكنى فى المنيل، على بُعد خطوات من كوبرى الجامعة، وربما يكون هذا التقارب المكانى هو ما يجعلنى دائمًا أتحلى بروح التلميذة، وأشعر بأن الأيام تمر علىّ مرور الكرام دون أن تُجرح الروح أو يخمد فيها شغف البحث والمعرفة، منذ تعلمت معنى الوقت والنظام اللذين ارتبطا فى ذهنى بدقات ساعة جامعة القاهرة المذاعة على موجات «البرنامج العام» ويليها موجز أو نشرة الأخبار.

اصطحبت ابنتى إلى منطقة بين السرايات، ونزلنا التاكسى عند «باب تجارة»، أو الباب الأشهر من أبواب الجامعة العريقة.. لم أكن أعرف عن العرض المسرحى سوى اسمه «أبناء قابيل»، هذا الاسم الذى ذكّرنى بعبارة «نحن أبناء القاتل وليس المقتول»، نحن أبناء قابيل الذى حسم أول صراع على الأرض بالغدر ووسمه بالدم، فجعل الصراع شريعتنا، والخطيئة الحقيقية للإنسان، وليس أكل آدم وحواء من الشجرة.

فى مسرحية «أبناء قابيل» يتجسد معنى الصراع بين شخوص متعددة من أبناء آدم، قدمها فريق التمثيل بمهارة وحرفية جعلت من العرض حالة فنية منسجمة وليس مجرد اسكتشات منفصلة، المشاهد المسرحية تنساب أمام الجمهور دون أن تسمح له بالتقاط أنفاسه، تشكيلات وتكوينات فنية مبهرة تشعرك بغنَى المسرح وامتلاء كل جزء فيه، أنت تحتاج لأن تشاهد العرض أكثر من مرة كى تستمتع بتفاصيله، الممثلون قبس من نور ونار، سرعة وحركة ومرونة وتطويع للإمكانيات الجسدية، وتحرر من الأنا واندماج فى الأدوار المرسومة على المسرح والانتقال من دور لآخر برهافة ونعومة حاذقة، تبشر بمواهب كبيرة ورصينة.

أحببت كل الممثلين وسأشاهدهم فى عروض قادمة كثيرة: أحمد صلاح، عبدالله حاتم، هالة ياسر، طارق على، ريم مدحت، عبدالرحمن محمود، أحمد عثمان، سمر عاطف، محمد هلال «ديزل»، أحمد خليفة.. وابنة صديقتى «صفاء عبدالمنعم» الشابة الموهبة «مى مجدى الجابرى»، رئيسة فريق مسرح كلية العلاج الطبيعى.

«مى» هى نموذج للفتاة الجادة، المجتهدة، النشيطة، مواهبها متعددة، فهى ترسم وتنفذ المكياج المسرحى لفريقها ولفرق الكليات الأخرى، وإضافة إلى التمثيل فهى واحدة من حوريات «أبولو» ورب الفنون، وقد نزلت من جبل الأوليمب لتنشر سحر فنونها على مسرح الجامعة وهى تؤدى دور أحد أبناء قابيل المصلوبين بنار الخطيئة والمطاردين بالخوف من الله وعقابه، العابدين لله خوفًا من ناره، المشنوقين بالتحريمات والوصايا الغادرة التى لا ترى فى الله سوى معذب كبير.. تقدم «مى» دور الدودة المنسحقة تحت وطأة التحريم، المجلودة بسياط الخوف من العقاب الإلهى «تصرخ: يا الله، لا أحبك، أنا أخافك.. ترتعد، تبكى هدر إنسانيتنا، عذاب أراوحنا، عندما لم نعرف ربنا ونسينا أننا جزء من روح إله.. وأننا من الله وإلى الله، فلا نجاة لنا سواه، وأن المحبة وليس الخوف زادنا وقاربنا إليه.. أليس هو القائل: فإذا أحببته كنت سمعه الذى يسمع به وبصره الذى يبصر به».

ولأنه لا شىء يبهج فى الحياة أكثر من فرحة الأم بابنتها، فقد سقطت دموعى ابتهاجًا بفرحة صديقتى وهى تصفق لابنتها الرائعة وهى تؤدى دورها المركّب بين الخوف والغضب والمحبة والنجاة، تتشرنق الدودة، وفى سكونها تكتشف نفسها وتعرف حقيقتها، ومن عرف نفسه فقد عرف الله، فتتحول إلى فراشة تطير وتدور فى ملكوت الله.. اقشعر جلدى والكاتبة الأم تصفق لمى وتصيح: «الله يا جابرى.. اللى خلف ممتش يا جابرى».

قبلات وأحضان لمى الجابرى، ولكل زملائها المتميزين الذين أمتعونى بعرضهم المبهر، المؤلف: إياد الخولى، المخرج: إسلام تمام.

وتحية وصلاة قائمة دومًا لجامعة القاهرة وقبتها ومسرحها، وكل حبة تراب فى حرمها.

وللأميرة فاطمة إسماعيل: كل حامل مسك عطره موصول.

مقالات من نفس القسم