واقعية طارق إمام السحرية

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 1
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

محمد الفخراني

واقعية سحرية .. مساحة بنفسجية بين الواقع والخيال.. غابة سحرية صغيرة بعيدة بها هذا الضباب الذى لا تعرف ان كان يتصاعد من أشجارها أم يهبط عليها .. مدينة تعيد  تشكيل نفسها تحت مطر خفيف بمزيج من الواقع والخيال .. " هدوء القتلة " صالحة لكل هذا ..أو كل هذا يصلح لها .

القاتل فى الرواية جميل فنيا ، كأنه يتحرك داخل غلالة بنفسجية شجية غامضة ومقلقة ( لا أتصوره يتحرك الا ليلا ) ، القاتل فى الرواية أسميه القاتل المعذب ..أكبر عذاباته أن له يد قاتلة وأخرى شاعرة .. هذا التناقض يسبب توتر خفى طول الرواية ، ويسبب المتعة / العذاب للقاتل .. فكلاهما -القتل والشعر- فيهما المتعة / الالم .. الراحة / القلق ..

لا يمكن توقع القاتل فى الرواية ( أنا لا أريد أن أتوقعه ) .. ما اكتشفته وكان جميلا أن طارق لم يملأ روايته بالدم والسكاكين الطويلة اللامعة ( لم يتورط فى  هذه البلاهة ) .. كأنه كان يفاجئ القارئ بلحظة ذروة لا تتجاوز سطر او نصف سطر ( ذروة فنية فى أغلب الاحيان ، ليس بالضرورة

أن تكون قتلاً )  ، وكأن القاتل فى الرواية كان طول الوقت يتحرك بسن مطواة او سكين على سطح الجلد ثم يغرسها سكينه فجأة كاملة فى وقت ومكان مؤثرين ويسحبها بسرعة دون نقطة

دم ( أقصد هنا دون خطأ فنى بالتوازى مع إبداع القتل) .

شخصيا لم أكره القاتل وهو يتمنى لو أنه دهس بعض أطفال الشارع تحت الشاحنة

( أتعامل هنا مع الشخصية ” سالم ” بفكرة كلاسيكية .. ال.. مع ، ال.. ضد .. أحب ..أكره )

لماذا لا يتخذ  القاريء العادي موقفا ضد قاتل هذه الرواية ؟.. لأنه لا يشعر في أي لحظة  أنه قاتل من لحم ودم خالصين ..هو أقرب لطيف بنفسجى أو كيان لطيف يسبح / يطير / يعيش فى غيمة بنفسجية .. أعتقد أن ” إمام “ربما لم يتعمد بشكل واع أثناء الكتابة أن يحرص على مسافة قريبة تفصل بين القارئ وشخصية القاتل .. مسافة يعزل فيها القاتل .. لكن هذا ما حدث فنيا بالرواية .. هناك مساحة قصيرة / قريبة .. ربما تكون خطوة لكن القارئ / القاتل لا يستطيع أن يخطوها  تجاه للآخر .. يبدو القاتل في “هدوء القتلة ” كطيف يقف على سطح بُحيرة صغيرة غامضة ينظر لقارئه الواقف على الشاطئ يرقبه بِحيرة .. لكن القاتل وأنا أو أى شخص يقرؤه نظل محتفظين بتلك المسافة القريبة .. لست ضده .. لست معه .. ولا يهمنى .. لم افكر فى تحليل هذه العلاقة .. وهذا الاحساس المتناقض .. بالنسبة لى لو فكرت وتوصلت لنتيجة  ستهبط هذه الشخصية للارض بعدما كانت ترتفع عنها سنتيمترات تمنحها فنيتها ..لو توصلت لنتيجة سيفقد الموضوع كثيرا من فنيته وافقد انا الكثير من متعتى بالنص ..أنا مع شخصية القاتل فنيا تماما ..

ما علاقة القاتل فى الرواية بمصاصى الدماء ( الاصلاء أصحاب الدم النقى فقط) الذين نشعر بهذا الالم والشجن الخفى الذى يحملونه ؟ وهذا التعاطف الخفى الذى نحمله لهم ؟؟( ربما أرى شجنهم وأتعاطف معهم وحدى ).

.. وصف المدينة تحت المطر ..وصف العجائز ، الاطفال ، الوحيدون ، نجوم السنيما والغناء ، أعتبر هذه الفقرة أعلى ذروة لغوية فى الرواية ، وأكثر فقرة تعبر عن شاعرية لغة الرواية .. ليست فقرة لغوية فقط.. أيضاً هى لوحة جميلة .. لوحة لمدينة تحت المطر .. فيها هذه الحقيقة والارتباك الانسانى وكأن المطر يغسل المدينة من زيفها .. ويمنح الجميع فرصة للسعادة ربما أو فرصة للتعامل مع حزنهم بشكل أكثر تسامحا وصداقة .. تبدو لوحة طيبة ..رغم ظهور الاشباح فيها أو الاشرار . انهم  يظهرون هنا بطبيعتهم الهشة الحزينة.. المطر فى اللوحة يرد الاشياء والاشخاص لأصولها الطيبة ، الهشة ، والحزينة .

ثمة شئ مهم فى الرواية ..أثناء  القراءة كانت السطور فى معظم الاحيان تحول نفسها بسرعة لصور ..

ينتابك هذا الإحساس الذى يبدأ معك من أول الرواية لنهايتها .. ربما تفقده للحظات لكن الرواية تعيده اليك سريعا .. “هدوء القتلة ” تملك فضاءً خاصا بها .. فى رأيى هذا من أفضل الاشياء التى يمكن أن تحققها رواية .. فضاء الرواية الخاص يوازى الجو العام فى فيلم سينما .. هو النقاط الحمراء والزرقاء التى تتكون منها شاشة السينما .. لا نرى النقاط رغم أنها هى التى تخلق كل هذا السحر .. هو الظلال وما بين الألوان فى لوحة ، الموسيقى البعيدة واللحن الخلفى للحن أساسى فى اغنية ما .. فضاء الرواية يوازى النظرات واللفتات الشخصية البسيطة العفوية التى لا يستطيع الإنسان تزييفها ،ومنها تخلق روحه الحقيقية .. روح العمل الفنى .

 

عودة إلى الملف

مقالات من نفس القسم